كان يوماً عصيباً، ذلك اليوم الذي انكسرت فيه فرحتنا جميعاً عندما تفرق الجمع، فلا حفل ولا جوائز ولا شركات فائزة ولا مدير ولا خفير، فرحة أخذها حريق التنك رقم 206 وطار ،لقد تبخرت الفرحة وتبخر معها ستة أمتار من البنزين، أي ما يساوي مئات ألالآف من اللترات .
لكن وقبل الخوض في الحديث عن الحريق، ومن حضر ومن غاب، ومن فرح ومن حزن، أتمنى واطلب من المهندس طارق الملا الإبقاء على الكيميائي مدحت بهجت مكانه، ليس من باب التكريم بل من باب العقاب، حتى يصلح منظومة السلامة التي كان نتاج فسادها ذلك الحريق الذي أكل كل شيئ واوله الفرحة في صدورنا ونفوسنا واعماقنا جميعاً .
أما الحريق، وما أدراك ما الحريق، فقد جاء في غير موعده، لكن قدر الله وماشاء فعل، ولعله فدا أشياءً كثيرة كانت من الممكن أن تحدث...لكن دعونا نسأل ونتسأل: هل هو عمل متعمد لإفساد الفرحة بأسبوع السلامة؟، وهل هناك فاعل حقيقي أم الطقس هو السبب كما قال رئيس الشركة مدحت بهجت؟، إن كانت هناك يد خفية، فلا استبعد ان يكون الإخوان الموجودون في كل مكان هم من فعلوا هذه الفعلة، وتاريخهم في حرق وتدمير محطات ومحولات الكهرباء وخطوط الغاز خير دليل، وإن كان هناك من يريد إفساد يوم السلامة، فالوزارة عليها أن تبحث عن الفاعل لشنقه او حرقه او تقطيع يديه ورجليه، وإن كان الطقس هو الفاعل الحقيقي كما قال رئيس الشركة، فهنا بيت القصيد، لماذا هنا بيت القصيد؟، لأن هذا السبب لا يترك اثراً إلا إذا كانت منظومة السلامة داخل الشركة غائبة، وربما يؤكد ذلك كميات المياه التي تم سحبها من شركة بتروجاس لأن خراطيم المياه المحيطة بالتنكات غير مطابقة للمواصفات، وهذا يستدعي ويستحضر محاكمة عاجلة لرئيس الشركة الذي ترك الامور في يد بعض الإداريين الذين خرجوا للمعاش ولا يزال يحتفظ بهم، ويحتفظوا هم بمزاياهم دون ان يقلب أحد في هذا الملف، حتى المبعوث الهيئاوي للتحقيق في المخالفات اذاقوه الامرينْ.
لكن ولنكن منصفون بعض الشيئ، صناعة البترول صناعة خطرة، ومعامل التكرير بالذات هي قطعة من اللهب، وما حدث في شركات بترول السويس يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك او الاجتهاد ان منظومة السلامة غائبة في تلك المعامل المتهالكة والتي تستدعي مشرط الجراح وبسرعة، لأن الخطأ في معامل التكرير غير وارد وغير مسموح به، فالشرارة فيه قد تحرق بلد بأكمله، والذي يقرأ الخريطة البترولية سواءً في السويس او مسطرد او الاسكندرية، يرى التلاحم بين معامل التكرير ومستودعات البنزين والبوتاجاز وخطوط الأنابيب، ولهذا المسكنات لاتنفع، وإقالة رئيس شركة وتعيين غيره ليس هو الحل، الحل هو نسف المعبد القديم ياوزير البترول، والضرب بيد من حديد، وتعيين رجال قادرون على إدارة هذه المعامل وتطهيرها من الفساد ونفض التراب عنها ...وكل شيئ وارد في هذه الصناعة .
لدينا معامل تكرير نموذج يحتذى به، ولتكن أموك وإنربك وإيلاب شاهد على ذلك، وعلى رأس هذه المعامل قيادات واعية، عملوا في نيابة العمليات ومعامل التكرير ويفهمون كيف تدار هذه الصناعة، وقد رأينا كيف جاءت تصرفات عمرو مصطفى ومحمد علي وهشام نور حكيمة وفاعلة للدرجة التي قللت وقلصت من الخسائر، ولولا جهودهم لكان الخراب والدمار، ولهذا احسن الوزير عندما اختار عمرو مصطفى على رأس اللجنة الفنية لمتابعة الحادث، لكن أين كان رئيس الشركة عند الحادث؟، كان نائماً ولم يتواصل سوى هشام نور وعمرو مصطفى وعادل الشويخ ومحمد علي، لقد ظللت ساهراً حتى مطلع الفجر، ولم يرد على الهاتف سوى من ذكرت واللواء عمرو الشربيني .
قد لا أكون خبيراً أو مهندساً او كيميائياً، لكن لدي بعض المقترحات لحل هذه الأزمات، ومنها :
•تشكيل لجنة من هيئة البترول مهمتها متابعة عوامل السلامة والأمن الصناعي على مدار اليوم.
•إقالة المتسبب عن هذا الإهمال الجسيم وجلده أمام شعبه.
•منح كل من اهمل جائزة الخيبة التقيلة يوم السلامة، أسوة بالجائزة التي تمنح لأفضل قيادة في السلامة .
•تكليف أمن الوزارة والهيئة بمتابعة هذا الملف ورفع تقارير للوزير مباشرةً ودون المرور على هذا وذاك للوقوف على أوجه التقصير.
بهذه العناصر والعوامل والمقترحات من الممكن أن نتفادى ما حدث وما سيحدث لا قدر الله مرة اخرى، وبغير ذلك فيا سلامة سلامات .
وفي النهاية تحية تقدير للمهندس طارق الملا الذي يعاني كثيراً من هؤلاء القيادات الذين تسببوا في الحريق وفي إفساد اسبوع السلامة، وتحية للمهندس عابد عز الرجال الذي كان اول المتواجدين في الموقع، وتحية لكلاً من: عمرو مصطفى ومحمد عبدالحافظ ومحمد علي وهشام نور وعادل الشويخ، وتحية لعمال الورادي الذين كانوا هم الجنود المجهولة في ذلك الحدث وفي كل حدث، وليبعد الله عن مصر وعن قطاع البترول كل مكروه، ولتصدر الحركة لنرى إلى يذهب مدحت بهجت !