ربما يكون القطاع يعاني فعلياً من الندرة والقلة في القيادات، وربما يكون الوزير ومن بجواره معذورين في ظل إنكماش القماشة القيادية وتراجع الأعداد، وربما يكون هناك ضوابط أكثر صرامة في اختيار القيادات وتصعيدهم تُكبل الجميع، لكن تبدو هناك وجهة نظر لابد من طرحها.
فأنا لست ضد نقل المهندس صبري الشرقاوي لشركة رشيد، ولا ضد نقل الجيولوجي خالد حمدان ل"جابكو"، ولا مع نقل المهندس هشام بهاء ل"إيجاس"، فالجميع جنود في منظومة يفعلون ما يُكلفون به، وكان بإمكان الوزارة أن تبقيهم في أماكنهم دون حركة، وإستخدام السكون معهم .
لكنني ضد عدم الإستقرار الذي بات يطارد رؤساء الشركات، لأن المبدأ الإداري ينص على أن الإستقرار لفترات أطول يعطي الفرصة لوضع الإستراتيجيات والخطط وتحقيقها، وكثرة التحرك تنسف كل ذلك، ففي أقل من عام تحرك صبري الشرقاوي مابين الوسطاني وبدر الدين وجابكو ورشيد، وهكذا الجيولوجي علاء البطل، الذي أعتلى كرسي عجيبة، وسرعان ما ذهب لشركة بدر الدين، والله أعلم ماذا ينتظر صبري الشرقاوي في العشرين شهر المتبقية على المعاش، أو ينتظر خالد حمدان أو علاء البطل، فثمة الحركة التحرك والحراك والمحراك، ولا أحد يبقى في مكانه لأن حروف الحركة ذاتها أختفى منها تشكيل السكون، وأنتعش فيها المد .
كنت أتوقع في الحركة الماضية، "وهي كما قيل حركة موسعة وفاصلة"، الأتيان بوجوه جديدة، والتقليب في دفتر أحوال القيادات لتحريك وجوه صابحة ومفعمة بالحيوية والنشاط، مع الإبقاء على القديمة في أماكنها، أو "الإستبدال"، جديد مكان قديم وهكذا، لكن جاءت الحركة بما لا تشتهي بعض الأنفس، وكأنه لا جديد على الساحة .
ربما كانت التجربة الحركية المباركة، هي تلك التي جاءت بوجوه جديدة، والتي شملت أحمد محمود في فجر، وياسر صلاح في غاز مصر، وصلاح عبدالكريم في الحفر المصرية، وعبدالفتاح فرحات في غازتك، وبعض الوجوه الأخرى التي كانت متكدسة في الشركات وتحركت، سواءً كانت فنية أو مالية أو إدارية، وتكرار تلك التجربة كان سيضيف للقطاع صورة أوضح وأفيد، سواءً كان التكرار بوجوه في الاربعينيات، أو بوجوه في منتصف الخمسينيات، فاسس الإدارة تغيرت عن السابق، لكن لم يحدث هذا ولا ذاك في الحركة الماضية .
يضاف إلى هذا البلوكات الوزارية البترولية على قيادات كثيرة ووجوه معروفة من حقهم أن يتحركوا، "ربما تكون لديهم الحجة"، وربما لا أعلم لماذا يظلون في ثُبات عميق وكأنهم تحولوا لأموات، وكأنهم لا يملكون تاريخاً مشرف ومشرق داخل القطاع على مدار العشر سنوات الماضية .
ثم أنني لا أعلم لماذا يغيب طاهر عبدالرحيم ومحمد بيضون وشريف حسب الله، وغيرهم عن كل حركة؟، ولماذا يكون هناك إختفاء قسري لقيادات كثيرة في شركات صغيرة؟، وتكون النتيجة في النهاية أنه لا توجد قيادات وأن القطاع فارغ والقماشة ضيقة .
ثم ماذا استفاد القطاع من ترك الوسطاني فارغة؟، وماذا يجدي تحرك الشرقاوي وحمدان وبهاء لأماكن أخرى؟، وهل سيكون هناك مردود فعلي على الإنتاج؟..أرى أنه لن يكون هناك جديد، بصرف النظر عن الأشخاص، فأنا أتصور خالد حمدان رئيساً لشركة جنوب الوادي بأعتباره جيولوجياً، وهذا أمر مطلوب في ظل إنتعاش عمليات المسح السيزمي في الجنوب، وأتخيل مهندس خزانات أو بترول رئيساً ل"جابكو"، حتى يحافظ على الإنتاج، وأتخيل أن تحريك مديري العمليات دون الإسراع لإيجاد بدائل أمر يضر أكثر من أن يُفيد
كل هذه أشياء اعترت الحركة الماضية والتي سبقتها، لكني أتمنى أن يساهم ويسارع برنامج تحديث القطاع الذي دشنه المهندس طارق الملا في الإسراع بإكتشاف مزيد من القيادات، لرأب هذا الصدع الكبير الذي سيجني القطاع سلبياته ربما في القريب العاجل .
فخلال الأشهر الثلاث القادمة، سيخرج عدد كبير للمعاش، منهم رئيسا الحمرا وابو قير، ورؤساء العامة للبترول وجاسكو وبتروتريد والسهام ونائب التخطيط والمشروعات والمالية والتجارة الخارجية بالهيئة، والإعداد لإيجاد البدائل ربما يكون أمر مرهق، لأنه أصبح كالبحث عن عريس لسيدة عانس، لكنه ليس مستحيل إذا ما كان هناك إستعداد مبكر .