عندما تجد مقابر المسلمون تحتضن مقابر المسيحيين..وعندما تجد المبنى الواحد يضم مسلمين ومسيحيين.. وعندما تجد الهلال يحتضن الصليب في كل مظاهرة وفي كل وقفة..وعندما تجد الجندي المسلم بجوار المسيحي في الحرب وفي السلم..عندما تجد كل ذلك عليك أن تفهم أننا نعيش في الدولة العميقة مصر..هذا هو مفهوم الدولة بالنسبة لي وبالنسبة لكل مصري يؤمن بأن الدين لله والوطن للجميع..إنه زمن عشته..وأيام عاصرتها وأنا صغير..حب وود متبادلان مع كل جيراننا المسيحيين.. لم يفرق بيننا شيئ..لقمة نقتسمها.. هدمة نتناوب على لبسها..موسم واحد يوزع على الجميع في كل مناسبة..لم أنسى يوماً الحاجة أم جمال، تلك السيدة المسيحية قدس الله روحها وهي تعد لنا الطعام وتوقظنا من نومنا لنتناول وجبة الافطار أو لنذهب إلى الجامعة..ولم أنسى عم حبيب وهو يحمل لنا كعك عيده..ولا جدتي وهي تهديهم موسمنا..فماأحلى أن تعيش بين أهلك وإن إختلفت العقيدة..شىئ طيب أن يرسخ في ذهنك وأنت صغير مبدأ :الدين لله والوطن للجميع..."ولكم دينكم ولي دين""ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" شيئ رائع أن تجلس على مائدة طعام وسط أحبابك المسيحيين وأنت المسلم الوحيد أو العكس..لكنك تشعر أنك بين أهلك وأحبابك.
تجربة عشتها في بداية التسعينيات.. كنت طالباً في الجامعة، تربيت على أصول الدولة العميقة..والتي لم أكن أفهم معناها إلا عندما أشتد عودي..وسمعت من المفكرين والمنظرين مفهوم الدولة العميقة..إنها بحق هكذا..أن يعيش المسلم جنباً الى جنب مع شقيقه المسيحي..لايفرق بينهما شيئ..ملامح واحدة وطباع واحدة..عادات وتقاليد واحدة..العيب هو العيب والحلال هو الحلال والحرام هو الحرام..طباع إرتسمت على وجوهنا جميعاً قبل أن تترجم داخلنا..نقاشات طويلة دخلت فيها مع إخوتي من المسيحيين..كانت نهايتها إقتناع أن الله الذي خلقنا شعوباً وقبائل وأجناس مختلفة كان في مقدوره أن يجعلنا دين واحد..لكن حكمته أقتضت الإختلاف (إسلامي مسيحي يهودي) كلها أديان الله..وكلاً يعتنق مايشاء..المهم أن كل الرسالات دعت إلى السلام..إلى المحبة..إلى المودة..إلى المواطنة..إلى العيش يداً واحدة وإن أختلفنا في معتقداتنا..أياماً طوال ترددت فيها على الكنائس من باب المعرفة..وجدت دين آخر وأُناس آخرون..محبون هادئون قانعون وطنيون..عاشقون لتراب هذا البلد.. واقفون جنباً إلى جنب مع إخوانهم المسلمين..في أفراحهم هم أصحاب الفرح وفي أحزانهم هم أصحاب الهم...إنها فعلاً مصر..حاضنة الأديان..الدولة الطيبة الرقيقة الهادئة المحفوظة..التي يسكنها الجميع دون فصل بينهما.. مدارسنا واحدة وجامعاتنا واحدة وعقولنا واحدة وطباعنا واحدة..ألا تستحق منا هذه البلد أن نذوب فيها ؟
ألا تستحق أن نقبل ترابها الطيب؟ ألاتستحق أن نحافظ عليها؟
حتماً هي تستحق منا ماهو أكثر وأكثر.
كل عام وإخوتي وأحبابي وأهلي وعشيرتي بخير وعيد قيامة مجيد.