الكاتب : عثمان علام |
06:51 pm 01/09/2021
| 3774
عليك أن تدرك أن بلاءات الدنيا سواءً كانت مرة أم حلوة فإنما هي كخرقة صقل اتيحت لنا لكي ننظف بها نفوسنا فنحيلها شفافة صافية براقة ، و إياك أن تَذهب الرذايا بصفاء روحك فتجعلها سوداء مكداة ، وإياك أن تجعل الخطوب من حياتك نفقاً ضيقاً مظلماً ليس فيه بارقة أمل واحدة ، ما أكثر الذين أعيتهم الحياة لكن شقائهم النفسي وقدرة مزاجهم قد أحالا الدنيا بنظرهم إلى ما هو أسوء من خطوبها .
لا شك أن كلنا متعبون ومنهكون وخطوب الحياة تنغص علينا كل حلو ، فليس الكد والكبد فى هذه الدنيا ، هو ما يسوقنا إلى تقلب المزاج وفقدان الأمل وانكسار الخاطر وتمني الموت ، الكَبد الذي حكى القرأن عنه "لقد خلقنا الإنسان في كبد"، هو معاركة الحياة بإسلوب شريف ، من حيث البحث عن لقمة العيش والطمع في مسكن ملائم والمكوث في حضن أسرة يجمعها الحب وتعيش في طمأنينة ، وكل ذلك عكس فقدان الأمل الذي ينبع من الركض خلف السراب والتفاهات الدينوية والوقوع في شراكها ومستنقعها العفن .
ومن منا لا يتمنى الخلاص من آلامه وأوجاعه !..الجميع يبحث عن حياة تغمرها الراحة والسكون ويعمها الأمن الداخلي والخارجي ..والخلاص من الشقاء والتعب أمل حلو مذاقه ، وفقدان الأمل مر مذاقه ، وآمال الدنيا بحلوها وبريقها هي كذلك أيضاً ، ومهما ركضت وراء آمالك فإنها سوف تفر منك فرار الظل من السعي إليه وإن اعرضت عنها تبعتك لا محالة .
لا تسر تحت الشمس بكأس من جليد فلابد أن يذوب وتفقده ، ولا تمني جسماً فانياً صنع من التراب بآمال عريضة لا قِبل له بها فإن العمر لابد إلى نهاية ، وإن الجسم ليبلو ولما تدرك آمالك العريضة ، والربيع الأخضر متبوع بخريف أصفر ، وكل مُلك زائل ، وكل مَلك سيكون صاحب لحد يوماً .
أليس من الأفضل أن يرى الجميع في محنة هذه الدنيا فضاءً تملأه الأنوار ، بحُسن الصحبة ، فمن كان له رفيقاً يؤنسه فقد أمن من بحار الغم ، وإن صاحب كل امرئ ما يعبده ، فمن كان يعبد ميتاً فلن يكون نصيبه من الصحبة سوى القبر والدفن ، ومن كان يعبد حياً فإن غياهب الحياة وكروبها وآلامها لا تختلف عنده عن الرياض والبوادي .
خالص العزاء للمهندس وائل جويد رئيس شركة غاز مصر في وفاة والده ، عليه سحائب الرحمة ، وإن لأراه متعباً منهكاً مكسوراً لفقد والده ، كل شيئ عليه الآن هو هين ، ففقد الأب من المصائب التي لا تجبرها السنين ، وكيف تجبرها وما بقي أقل مما مضى ، وإن الحنين إلى أولئك الذين ذهبوا ، ليفوق الحنين إلى من هم دونهم ، ولن يشعر بمرارة فقد الأب إلا من عاش التجربة ، فالعكاز الذي كان متكئاً قد انكسر ، والعمود الذي يسند البيت قد هدم .