إذا سافرت فأنت تقرأ الدنيا كلها بقدميك وعينيك..وإذا قرأت فأنت ترى كل من حولك..إفتح عينيك وأذنيك وسوف تجد العجب، وهذه هي السعادة "القراءة"،-أول ماسُطر في القرآن وسمعته آذان محمد..إنها لذةً مابعدها لذة!
لقد كان الدكتور مصطفى محمود يقول، أنت في حاجة إلى قراءة الفلسفة والشعر والقصص، وفي حاجة إلى فتح ذهنك على الشرق والغرب ليحصل على التهوية الضرورية فلا يتعفن، وستفهم نفسك من خلال الناس الذين تقرأ لهم، وإذا فهمت نفسك فقد وضعت قدمك على بداية الطريق وعرفت من أين يكون المسير.
وكان أنيس منصور وهو أكثر من قرأ وكتب، يرى أن أي شيء أو ورق يقع في يدك يجب أن تقرأه، المهم أن تكون القراءة عادة، وأن تصاحبها لذة المعرفة، ولا خوف على هذا القارئ الذي يبحث عن الكلام اللذيذ وعن الموضوعات الممتعة ،لأن هدف القراءة هو أن تتحقق المتعة والبهجة لديك، وهذه المتعة هي التي تجعلك لا تتوقف عن القراءة ،ولذلك فالآباء يجب ألا يخافوا من أي شيء يقرؤه الإبن صغيراً كان أو كبيراً، المهم أن يكون هناك كتاب وأن يكون هناك حرص على شرائه والاحتفاظ به بعد ذلك نواة لمكتبة خاصة، حتى لو قرأ قصصاً بوليسية أو حكايات غرامية أو رحلات علمية أو رحلات تاريخية أو فلكية ؟!
نعم المهم أن يشغله الكتاب وأن يشعل النار في خياله ويجدد أحلامه ويفتح شهيته على دنيا جديدة في أي إتجاه أدبي أو علمي أو جغرافي أو فلكي.
لقد كان العالم الفيزيائي الكبير أينشتاين يحب قراءة القصص البوليسية، وله رأي مشهور: أنني أحسد كل مؤلفي القصص البوليسية لأنهم يعرفون الحل ولكنهم يخفونه عن القارئ ويدوخونه وينشفون دمه، ثم يتقدمون بالحل في النهاية .
أما أنا فدائخ وريقي ودمي نشف ولكن لا أعرف حلا لكل هذه المشاكل بين السماء والأرض!
وكان الفيلسوف الألماني العظيم «كانت» يقول إنه عندما يكتب فإنه ينظر إلى الآثار التاريخية القديمة التي أكلها الزمان والمكان لماذا؟ لأنه يريد أن يعيد بناء القديم وأن يبني صروحاً عقلية جديدة!!
وكذلك كان الفيلسوف الإنجليزي برتراند رسل يقول: عندما أشرع في الكتابة فإنني أعود إلى الكتب القديمة والأساطير القديمة .. وأجد متعة في ذلك: فمن آمالي ألا أكتب مثلها، وألا أكون غامضاً مثلها، وإنما أن أشيع النور والمنطق في كل سطر أكتبه.
وعندما سأل نجيب محفوظ في أخر أيامه عن أول كتاب قراءه، وهل يذكره جيداً، قال نعم أذكره جيدا. أول كتاب قرأته كان في المرحلة الابتدائية، ربما كنت في السنة الثانية أو الثالثة في عام1922 أو1923، ورأيته مصادفة مع زميلي في المدرسة يحيي صقر، الذي كنت أعتز بصداقته، وكان من عائلته لاعب الكرة المشهور آنذاك عبد الكريم صقر، وكنت أنا وقتها من المولعين بالكرة، وأذكر أنني في الفسحة وجدته يقرأ الكتاب، فسألته عنه فقال إنها رواية بوليسية ووعدني أن يعطيها لي لأقرأها بعد أن ينتهي منها، وظللت أسأله عن الرواية كلما رأيته، وكأنها الوحيدة في العالم، وفي النهاية أعطاها لي، وما زلت مديناً له بذلك، لأني من ذلك الوقت وحتي توقفت عن القراءة قبل بضع سنوات لضعف نظري، وأنا بي نفس الشغف للقراءة الذي تولد عندي بسبب تلك الرواية البوليسية التي لا قيمة لها، ومن وقتها ظللت مستمرا في قراءة الكتب بشكل منتظم.