تعالت الأصوات في توجيه النقد لكلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي فى منتدى الشباب، عندما تحدث عن التعليم وكلفته، وعن الأسعار والبطاطس وكل ما يهم الناس.
لكن ما يهمني من كل ذلك حديثه عندما قال: خلوا بالكوا من بلادكم.. البلاد لا تبنى بهذا الشكل، ولكن تبنى بالمعاناة وبالأسية .
وحتى لو وجه البعض لي اللوم، فأنا اؤيد الرئيس في هذه الكلمات تحديداً، لأن الأوطان إنما تعلو وتزدهر بعد السقوط بالمعاناة والأسية، وكل الدول قديماً وحديثاً شرقاً وغرباً شمالاً وجنوب، عانى مواطنيها من أجل أن تزدهر .
وقد كتبت سابقاً وقولت: حقاً إن حياتنا تزخر بالآلام والسلبيات والعقبات، وليست الحياة مثالية للدرجة التي تجعلنا نفضل عصراً على أخر أو اشخاص على أخرين، فحتى أولئك الذين كانوا يركبون الدابة ويفترشون الأرض لم يكونوا أكثر تعاسةً منا نحن الذين نمتطي السيارات الفارهة ونفترش الحرير ونقطع أطول المسافات في دقائق معدودة، غير أن المعاناة قد تكون فى جملتها ليست إلا النفايات الضرورية التى يلفظها البناء الضخم في شموخه، وإنها يجب ألا تعمينا عن العظمة فى تولدها وإمتدادها وارتفاعها إلى عنان السماء.
وقد تكون العظمة وأنت تشاهد أبناءك وهم يكبرون أمام عينيك رغم معاناتك في تربيتهم وتعليمهم وغرس القيم فيهم، وقد تكون في رد الظلم عن مظلوم، وقد تكون في مشاركة فعالة لصالح أمر ما، وقد تكون في قولة حق، وقد تكون في تنظيفك للشارع، فملابسك حين تتسخ، فإنما تتسخ لأنك تبعد التراب عن بقيتها وعن غيرك أيضاً.
لقد عانى كل الرسل والأنبياء، بل وكل العظماء وعلى مر العصور، لكنهم أعتبروا معاناتهم هي ذلك الوقود الذي تلتهمه النار لتضيئ الطريق لهم ولغيرهم.
وفي إحدى روايات نجيب محفوظ قال: هل عرفنا ما كان يعانيه ساكن الحارة فى القاهرة عندما كان صلاح الدين يحقق إنتصاره الحاسم على الصليبيين؟ ،وهل تخيلنا آلام أهل القرى عندما كان محمد علي يكون إمبراطورية مصرية؟، وهل تصورنا عصر النبوة فى حياته اليومية والدعوة الجديدة تفرق بين الأب وأبنه والأخ وأخيه والزوج وزوجته؟؟
لقد تمزقت العلاقات الحميمة وحل العذاب مكان التقاليد الراسخة في كل ما مضى، ورغم ذلك قام الدين الحنيف وتسيد العالم ورسخ لمبادئ وقيم حافظت على الإنسانية وانتشلتها من الوحل، وبالمثل ألا يستحق إقامة أي بنيان أو تدعيم أي قيمة في أن نتحمل فى سبيله تلك الآلام؟