لقد أرسل لي واحد ممن طالهم سيف القهر في احد الوزارات يقول: إنني لانتظر ذلك اليوم الذي أنظر فيه فلا أرى واحداً منهم في مكانه الذي أنتقاه لنفسه مستخدماً سلطاته، بل يتم الزج بهم في نفس الأماكن التي أعتبروها منفى لأفضل القيادات علماً وخلقاً وأدباً ورجولة ..ولن يتحقق ذلك إلا إذا ابعدهم الرئيس عن اماكنهم التي يجلسون عليها..واعلم ان الرئيس سيفعل بإذن الله، فقد وصلت اليها كل الصرخات .
الصمت والوجوم...هذا هو التوصيف الأكثر دقة لهذه الأيام التى تسبق التغيير الوزاري المرتقب، والذي سيجريه الرئيس عبدالفتاح السيسي..وسيستمر ذلك الصمت والوجوم في كل الوزارات حتى بعد تأدية الرئيس لليمين الدستورية كرئيساً للبلاد لفترة ثانية، على أن تتكشف الأشياء فور الإنتهاء من العديل او التغيير كلاً حسب مسماه.
وحتى مجئ ذلك اليوم" وهو قريب"، أرى ان هناك قيادات في كل الوزارات يعيشون أياماً سوداء، خوفاً من إقالتهم وتغييرهم واستبدالهم بأخرين..ولا ينطوي ذلك على شخص المُتغير، بل يمتد لمن حوله من الحاشية والخدم والسفرجية والشللية التي تهبش كل شيئ وتأخذ كل شيئ، خاصةً أولئك الذين جاءوا، دون حاجة أو معرفةً بتخصصات أو تاريخ أو جغرافية اياً منهما في كل الوزارات، واستحلوا اماكن كان يجلس عليها عمالقة غيرهم .
كل العاملون بكافة الوزارات والهيئات والمؤسسات الآن صمتوا ثم وجموا، ثم صمتوا فى مواجهة التغيير القادم، ولم يعد بوسع أصحاب القرار منهم الإستمرار في تعذيب من نزعوا منهم إرادتهم في فعل أي لمواجهتهم كعصابة ولا أقول من النخبة القيادية، استحلت دماء غيرهم...انه الوجوم الذى ران على الوجوه، والصمت الذى أمسك الألسن فى المقاهى، وفى المكاتب، وفى لقاءات الجموع وفى كل الوسائل، لهو إذن تفسير لا ينبع من حسابات التأييد أو المعارضة للتغيير القادم، بل هو خنوع للأمر الواقع دون مقاومة، وكيف تكون هناك مقاومة وكل شيئ لا يعلمه إلا الله والرئيس.
هذه التطورات الدرامية، ليست بالمفاجأة، بل هي تفسير لما سيحدث سواء جاء مع او ضد، غير ان هناك شىء من الخوف مما هو قادم لا محالة، ولكن المؤكد أن الجزء الأكبر يتمثل فى شعور قائم على الحدس بالتوجس والاشفاق من المستقبل والخوف على العطية السخية التي كانت تأتي بدون عناء، اللهم سوى القرب من صانع القرار في المكان.
يعلم الكثيرون أن الحدس قد يكون أحيانا مصدراً لا يخطئ للحكم على الأمور، دون حيثيات مفصلة، غير أنى أعرف بصفة شخصية أننى سبق وأن رأيت أياماً مماثلة من الصمت والوجوم فى تاريخ العديد من قطاعات الدولة سبقت عواصف التغيير، وكان الحدس فيها هو أيضاً سيد الموقف، غير أنها لم تكن بتلك الفجاجة والغلظة التي يعيشها من يجلسون على الكراسي هذه الأيام .
لكن لماذا كل هذا الخوف والتوجس؟ .
لقد أتخذ بعض المسئولون ورجالهم قرارات عنصرية مجهلة لا داعي لها، يزعمون فيها نبل الهدف، وأهمية قصوى لخدمة البلد، وهم لا يدركون أن الشعور العام لدى من يعملون معهم داخل مكاتبهم أصيب بصدمة من جراء ما حدث، ثم تضاعفت الصدمة، وتحولت إلى ذهول ثم وجوم وصمت من الاعتداء على حريتهم ونزع سلطاتهم، ومنعهم من ممارسة حق كفلته اللوائح لهم، التي باتت تُفصل على المزاج عبر ترزية موجودون في كل مكان وفي كل العصور.
لكن ما نعرفه نحن ويعرفه كثيرون غيرنا أنه فى الوقت الذى يجب فيه الحرص.. كل الحرص على وحدة العمل في كل مكان، وعدم إنفراط العقد الاجتماعي بين القيادات في اوساطهم، فإن ذلك لا يعنى بالضرورة مصادرة فرص الزج بالقيادات الشاطرة والواعية وتحقيق العدل في الدخل، لإحداث حالة من الحراك العملي والتنموي ولإنتاج أفضل ولإيجاد حالة من الإنتماء كما كان في السابق، كل ذلك قد تأخر كثيراً على يد شرذمة من بعض أصحاب السلطة الإدارية اللاواعية...بل انهم تخلصوا من كل الشطار الذين كان يشار لهم على أنهم قيادات المستقبل لو أن بعض المؤسسات ظلت تعمل وفق معايير ونظم ثابته...لأنه ليس من الطبيعي أن بعض ممن يشغلون بعض المناصب لا علاقة لتخصصاتهم بالمنصب.