عثمان علام:

من الكلمات التي تجعلني أرجع بذاكرتي للوراء لاتذكر أيام خلت قد لا تكون ذو قيمة لغيري، كلمات تتر مسلسل الأيام التي كتبها سيد حجاب ولحنها عمار الشريعي، وقام ببطولته الراحل أحمد زكي، والتي كانت معبرة عن واقع الحياة التي عاشها عميد الأدب العربي طه حسين، والذي عاش في العتمة ورغم ذلك تغلب على كل الصعاب حتى أصبح عميد الأدب العربي ...إنها قصة تذكرنا جميعاً بتلك الحياة التي كانت.

وتقول كلمات الأغنية:

ايام ورا ايام ورا ايام ورا ايام...لا الجرح يهدى ولا الرجا بينام.

ماشي فى طريق الشوق ماشي..لكن قلبي مطرح مايمشي يبدر الاحلام.

العتمه سور والنور بيتواري..وش للفجاري في زمان النوح.

ميته تخطى السور يا نوره..ويهل عطرك علي الخلا ويفوح.

ويشدنا لقدام..من عتمه الليل النهار راجع.

ومهما طال الليل بيجي نهار..مهما تكون فيه عتمه ومواجع.

العتمه سور يجى النهار تنهار..وضهرنا ينقام.

ايام ورا ايام ورا ايام.

وربما كان للحب أثر كبير في نجاح وتقدم طه حسين، بل كان هو العامل الذي أنار له رحلته فتغلب على ذلك الظلام الذي منعه من أن يرى أقرب من يحب...إنها قصة حبه من الفرنسية سوزان.

وليست قصة طه حسين وحدها هي الخالدة، بل صاحب القصة أيضًا، هذا الرجل الذي ليس مثله أحد في التاريخ الثقافي العربي على مر العصور"كما وصفه الأدباء"أو القرون العشرة الأخيرة على الأقل، فطه حسين قاد حركة لاعادة البهاء للعقل المصرى والعربي بعد أن ظل أسيرًا للخزعبلات دون تذمر من قرن الى آخر.

واذا كان قد ولد في 14 نوفمبر من عام 1889 في بؤرة من الفقر والجهل والمرض، فإنه تمكن من قهر عتمة أيامه، متحديًا المستحيل، قاهرًا للصعاب، حتى بلغ شأناً عظيمًا لم يبلغه أحد من قبله ولا من بعده حتى الآن.

لقد أحب طه حسين سوزان بريستو، و تزوجته لأنها أحبته، لم تكن تنظر له على أنه كفيف بل لأنه شخصية عظيمة ومرموقة تستحق الحب عن جدارة، كانت ترافقه في بلاد النور والثقافة العاصمة الباريسية، وظلت معه خلال رحلة حب ممتده لـ 56 عاما حتى وفاته عام 1973.

وقال طه حسين عن زوجته وحبيبته أنها كانت صديقته وتعلم الفرنسية واللاتينية واليونانية بصحبتها، ويُذكر أن طه حسين قد تزوج حبيبته سوزان بريستو عام 1917، وقد أتى بها الى القاهرة لتكون بجانبه، وأنجبت منه أمينة ومؤنس...وكان اللقاء الأول بين الحبيبين في مدينة مونبيليه الفرنسية، وكانت تقرأ له الأشعار والأدب وتساعده، الا أنه وقع في غرامها وطلب منها الزواج، وأبلغت سوزان ردها الأخير لعائلتها أنها تُريد الزواج من طه حسين بعد رفضهم، حيث قالوا «كيف هذا أنه غريب وأعمى، بالاضافة الى أنه مسلم، حيث كانوا مصدومين من زواجها منه.

وحين نال درجة الدكتوراة من الجامعة المصرية عام 1914 وذهب الى باريس، تغيّرت حياته الى الأبد، ولمّا عاد بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عمل بالجامعة حتى وصل الى منصب عميد كلية الآداب عام 1932، لكنه القى بحجر في بحيرة الفكر الراكدة سنة 1926 حين أصدر كتابه القنبلة «في الشعر الجاهلى»، ليؤسس لمنطق جديد في مناقشة الأمور وتأملها، منطق يتكئ على اعمال العقل قبل أي شىء عند مناقشة أيّة قضية، حتى لو تعارضت النتائج مع ما ورثه الناس عن آبائهم وأجدادهم.

ولُقّب طه حسين بعميد الأدب العربى، ويعد مبدع السيرة الذاتية في كتابه «الأيام» الذي نشر عام 1929، ويعتبر من أبرز الشخصيات في الحركة العربية الأدبية الحديثة، ليعتبره الكثيرون فيما بعد من أبرز دعاة التنوير، في حين يراه آخرون رائدًا من رواد التغريب في العالم العربى.

ومن مأثورات طه حسين:

•قد يكون المرء غبياً في طبعه لكن الغباء غباء القلب.

•محبة المعرفة لا تفترق عن الايمان.

•أحسن المعرفة معرفتك لنفسك.

•أحسن الأدب وقوفك عند حدك.

•السعادة هي ذلك الاحساس الغريب الذي يراودنا حينما تشغلنا ظروف الحياة عن أن نكون أشقياء.

•ان الحب لا يسأم ولا يمل ولا يعرف الفتور.

•هذه هي الحياة أنك تتنازل عن متعك الواحدة بعد الأخرى حتى لا يبقي منها شيء وعندئذ تعلم أنه قد حان وقت الرحيل.

•إياك والرضى عن نفسك فانه يضطرك الى الخمول.

•اياك والغرور فانه يظهر للناس كلهم نقائصك كلها ولا يخفيها الا عليك.

•كم أتمنى أن يقرأ الكاتب أكثر مما يكتب.

ولم يكذب طه حسين حينما قال: «ان العلم ليكلف طلابه أهوالاً ثقالاً»