لم يكن جلال عامر يشبه أحداً من أبناء جيله، بل كان صاحب قلم يقطر كلمات شديدة الخصوصية..لقد صنع مدرسة مقالية متميزة، صار لها مقلدون في الصحافة المصرية، واستطاع أن يغرس تيار الوعي في أرض جديدة، ويحيل التفكير الحر المتجهم، إلى خواطر شديدة العذوبة والرشاقة، وليس هذا بغريب على رجل كان قاصاً، دخل الأدب من بوابة السرد القصصي، لكنه لم ينل حظه من الشهرة ككاتب قصة قصيرة، بل نال شهرته كمبدع في كتابة المقالات والتغريدات.
عندما مرض جلال عامر وطلب قراءه وعشاقه على تويتر الدعاء له، لم يكن أشد القراء تشاؤماً يتخيل أن "الحكيم المصري"سيودع الحياة، وأن القلب الذي تعود على بث رسائل أمل يومية، و«تخاريف» و«كلمات راقصة» سيكتفي بهذا القدر من الحياة الزاخرة بآلاف الكلمات...لقد حاول مريدوه طمأنة أنفسهم، قالوا ربما أن الأستاذ دخل في حداد قاسٍ هذه المرة، بعدما كثرت مآتم الوطن في الفترة الأخيرة، لقد احتجب قبل أيام، و«نكس» قلمه ثلاثة أيام، حزناً على"ورد الجناين" الذي استشهد في بورسعيد، انتظروا عودته بقلب سليم، ومزاج رائق، ليستكمل نوبات حراسته على مستقبل الوطن، لأنه أحد الأمناء على الذاكرة، فهو حامل ميراث حكماء بسطاء، من سلالة الفلاح الفصيح وعبدالله النديم ومحمود السعدني، محارب ظريف يسخر من أدعياء السياسة والوطنية والثقافة والتدين.
كان المشهد قبل الأخير لصاحب كتابي "مصر على كف عفريت"و"استقالة رئيس عربي"ثورياً، ففي أحد أيام الجمعة، شارك الكاتب السكندري في مظاهرات بمدينته، وحدثت مناوشات سقط فيها وتعرّض لأزمة قلبية نقل على إثرها إلى المستشفى، وأجريت له جراحة تركيب دعامات في القلب، لكنه توفي بعدها بثمان وأربعين ساعة، ورحل صباح الأحد 12 فبراير من عام 2012، وشيع جثمانه في اليوم التالي من مسجد القائد إبراهيم في الإسكندرية، وسط دموع محبيه في كل مصر.
تخرج جلال عامر في الكلية الحربية وكان أحد ضباط حرب أكتوبر، وشارك في تحرير مدينة القنطرة شرق، درس القانون في كليه الحقوق والفلسفة في كلية الآداب، وعمل كاتبًا صحفيًا ونشرت مقالاته في عدة صحف، وكان له عمود يومي تحت عنوان "تخاريف" في جريدة المصري اليوم، كما كتب في جريدة الأهالي الصادرة عن حزب التجمع وأشرف كذلك على صفحة مراسيل ومكاتيب في جريدة القاهرة.
ومن مأثورات جلال عامر:
•ثلاثون عاماً ظهر فيها الدش والمحمول والإنترنت واختفى الوطن..
•البلد دى فيها ناس عايشة كويس وناس كويس إنها عايشة
•فى بلادنا الكراهية تجمع والحب يفرق، وانظر إلى الملايين الذين تجمعوا على كراهية مبارك ثم تفرقوا أحزاباً أمام حب الوطن.
•وأتفق العرب …عبارة مقتبسة من إحدى قصص الخيال العلمي
•مجتمع لا يهمه الجائع إلا إذا كان ناخباً، ولا يهمه العاري إلا إذا كان امرأة.
•فضحت السماء فساد أهل الأرض ..وإذا كان الكفن ليس فيه جيوب فإننا نذكرهم أن جهنم أيضاً ليس فيها مراوح.
•نحن ديمقراطيون جداً… تبدأ مناقشاتنا بتبادل الآراء فى السياسة والاقتصاد وتنتهى بتبادل الآراء فى الأم والأب.
•فى هذه البلاد البعض يستحق «الجائزة» التى اقترحها «نوبل» والبعض يستحق «البارود» الذى اخترعه.
•غياب الأمن يصنع الفوضى وغياب العدل يصنع الثورة
•لا تيأس فرغم قصص الفساد التى نقرؤها يومياً فى «ألف نيلة ونيلة» فأنا متفائل، وعندى أمل كبير شايله فى الدولاب.
•كنت أحب مصر من ورا مراتى..وبعد 25 يناير صارحتها بالحقيقة
•أصبحت مهمة المواطن صعبة فعليه أن يحافظ على حياته من البلطجية وأن يحافظ على عقله من السياسيين.
•الدين علاقة رأسية بين العبد وربه حولناها إلى علاقة أفقية بين المواطن وأخيه.
•ما ﺃخذ بالكوسة لا ﯾسترد بغير الكوسة
•وعدت الصين أنها سترسل مركبة مأهولة بالبشر إلى القمر عام 2020، و هو نفس العام الذى وعد فيه الحزب الوطنى بالانتهاء من مشكلة المجارى فى مصر
•افعل خيراً وتذكر يوماً يحضر فيه إليك مخبران ليس للقاء الضابط ولكن للقاء ربك .
رحم الله جلال عامر، فهو وإن رحل بجسده، لكن يبقى فكره وأدبه ما حيينا.