أحاول طيلة الوقت أقنع من حولي بأنه يمكن أن يكون الموت ضرورة لبناء الأوطان، وأن فائدته تمثل قيمة كبيرة لنهضة الدولة ورفع شأنها بين العالم، وأن توابع الثورة تقتضي أن لا نفكر في الماضي، فلم يكن مثالياً للدرجة التي تجعلنا نبكي عليه، فأمامنا حاضر أفضل كثيراً مما كنا فيه.
ولم يكن نجيب محفوظ مخطئاً عندما قال: حقاً إن حياتنا تزخر بالآلام والسلبيات ولكنها فى جملتها ليست إلا النفايات الضرورية التى يلفظها البناء الضخم في شموخه، وإنها بجب ألا تعمينا عن العظمة فى تولدها وإمتدادها...هل عرفنا ما كان يعانيه ساكن الحارة فى القاهرة عندما كان صلاح الدين يحقق إنتصاره الحاسم على الصليبيين؟ وهل تخيلنا آلام أهل القرى عندما كان محمد علي يكون إمبراطورية مصرية؟وهل تصورنا عصر النبوة فى حياته اليومية والدعوة الجديدة تفرق بين الأب وأبنه والأخ وأخيه والزوج وزوجته، لقد تمزقت العلاقات الحميمة وحل العذاب مكان التقاليد الراسخة في كل ما مضى، وبالمثل ألا يستحق إنشاء دولتنا العلمية الصناعية التى تملك أكبر قوة فى الشرق الأوسط، ألا تستحق أن نتحمل فى سبيلها تلك الآلام؟
إن رجال الجيش الذين يقدمون حياتهم فداء لوطنهم، لهم مثل جنود عصر النبوة، وجنود محمد علي وجنود صلاح الدين، ولا يجب أن نكون نحن أقل من الشعوب التي عاصرت تلك الفترات، شعوب عانت، لكنها رفعت رأسها في عزة وكرامة.