أستوقفتني ملامحه وهو يعبر الطريق.. تجاعيد الزمن كانت كفيلة أن أتوقف لأنظر اليه كثيراً..فقد رأيت نفسي في ملامح وجهه..إنه يشبهني كثيراً..هل سأكون مثله بعد عشرون سنة "إن كان في العمر بقية"..يا الله سأكون مثله وربما لا أقوى على المشي..لا أقوى على الأكل..لا أقوى على مجالسة الأصدقاء..أفتقد اللعب مع الأحفاد...و" الكِبر عِبر"..أمتار معدودة أخذت من الشيخ دقائق حتى يمضي.. عكازه هو متكئه الذي يرمي عليه ببعض جسده حتى يقوى على السير..أمسكت بيده..قلت له: إلى أين تذهب؟، قال: ذاهب لصرف المعاش.. المعاش..هذه هي النهاية؟..الزمن نحت على وجهه ألف حكاية وحكاية..كنت أنتظر منه أن يقص عليَّ الكثير..لكن أستهل كلامه بجملة أسكتتني..أخرستني.. فلم أستطع أن أستكمل الحديث...أنا مسئول سابق كبير جداً، أو كان هكذا، كبير وكبير جداً...يمشي وحده ويعبر الشارع وحده.. عكازه هو صاحبه..ذهب المنصب والصولجان.. ذهب الشباب..ذهب الأولاد..ذهبت الزوجة..ذهب كل شيئ لكن ظل هو وحيداً..يعافر مع الأيام..الزمن يرفض أن يتركه يذهب..أبى إلا أن يستكمل رسم تجاعيده على وجهه..ليحكي لنا ألف حكاية وحكاية...إنها حكاية الكِبر..حكاية الشيخوخة..حكاية حتماً ستعيشها.. ستراها بنفسك..فأستعد لها، وإن غداً لناظره قريب.