كانت أول مرة ألتقي فيها بالمهندس شريف إسماعيل في عام 2006 بعد مقالة نقدية نشرت بإحدى صحف المعارضة، ونالت من شركة جنوب الوادي التي كان يترأسها هو في ذلك الوقت، وبعد جلسة مع المحاسب يحي شنن رئيس شركة النيل في ذلك الوقت التابعة لجنوب أتفقنا على تصحيح الصورة، ورأب الصدع ووضع الحقائق أمام الصحفي وقد كان.
وأستمرت العلاقة،و مابين الحين والأخر أهاتفه، حتى قامت الثورة في 25 يناير وأنقلبت موازين وزارة البترول وتراجعت مراكز القوى، لتطل الصحف صبيحة كل يوم بنشر أسماء المرشحين لتولي وزارة البترول، ومابين شريف إسماعيل وأسامه كمال ومحمد شعيب وعبدالله غراب وهاني ضاحي كانت تدور رحى هذه الترشيحات.
ومرشح وراء أخر، وجد المهندس شريف إسماعيل نفسه وزيراً للبترول بعد إعتذار المهندس محمد شعيب وإنقضاء مدة المهندس عبدالله غراب والمهندس أسامه كمال والمهندس شريف هداره، ليظل أكثر من عامين وزيراً للبترول، تلك الفترة التي وصفت "بالهادئة"،- وكيف لا والمهندس شريف كان يمد يده بالسلام لكل قيادات القطاع، من يعرفه ومن لا يعرفه، وما أكثر من كان يعرفهم وما أقل من كان لا يعرفهم، فهو إبن القطاع البار الذي تربى وعمل به قرابة ال35 عاماً.
وكانت للناس فلسفة بعد الثورة، أن المهندس شريف إسماعيل ظُلم كثيراً في عهدالمهندس سامح فهمي، وكان هو يرى أن فترة عمله مع المهندس سامح فهمي كانت من أحسن الفترات، وكانت فلسفة فهمي نفسه أنه كان يريد تنمية جنوب الوادي فأطلق العنان للمهندس شريف من خلال شركة جنوب الوادي.
وربما هذا ما جعل المهندس شريف يحرص كل الحرص على أن تستكمل جنوب خطتها لتنمية الصعيد، وأن يكون لها مردود إقتصادي إفتقدته مصر لسنوات، فعمل على ذلك، وجاء الوقت بعد ترسيم الحدود مع المملكة العربية السعودية ليرتفع شأن جنوب الوادي، ولتقتنص الفرصة لبناء مجد غاب عنها لسنوات طويلة، وكانت نتائجه أكثر من إثنتا عشرة شركة تعمل بالإنتاج ولا تنتج بالشكل المطلوب.
لكن بعيداً عن العمل وآلياته، وبعيداً الصراعات والقيل والقال، فإنه لا يختلف إثنان على دماثة وحُسن خلق شريف إسماعيل، فقد أكتسب من القضاة عرفهم في مناداتهم لبعضهم ب"فلان بك"، وكان لا ينادي صغيراً ولا كبيراً وخاصة المهندسون إلا ب"يابشمهندس"، أو الأستاذ فلان، ولعل هذا ما جعل الجميع يعملون معه بصدر رحب وبهمةً جادة.
لم ينسى شريف إسماعيل وهو رئيساً للوزراء ذلك القطاع الذي يعتبره هو شخصياً الوحيد الذي يعمل بالنظام المؤسسي، ولإيمانه بأن قطاع البترول هو المحرك الرئيسي لكل المشروعات في مصر راح يعمل رئيساً للوزراء ووزيراً للبترول، وليس هذا نقصاً ولا تهميشاً للمهندس طارق الملا، بقدر ما هو إيماناً منه بضرورة إسراع الخطى في مشروعات الطاقة برعايةً وزارية رفيعة المستوى.
وما يميز المهندس شريف إسماعيل أنه الوحيد الذي لم يتخلى عن أسلوب التدوين حتى وهو في أرفع المناصب، ففي كل اللقاءات تراه يمسك بقلم وورقة لا يفارقانه ليكتب فيهما ملاحظاته وتعليماته وما يمكن أن يمليه على غيره لاحقاً، فهو لا يعتمد على أحد مشياً على منهجه القديم، بأن الكل كان يعتمد عليه في الوصول إلى المعلومة.
وقرابة ال25 شهراً أمضاها في مجلس الوزراء ولا يزال مستمراً، ساهم في إنجاز الكثير من الملفات، غير أن الجميع يحملونه توابع الإصلاح الإقتصادي الذي تم وجاء بأعباء على المواطن غير مقصودة، لكنه لم يكن يسعى لذلك لولا أن الظروف الإقتصادية والأحداث السياسية التي أنهكت البلد جعلت الرئيس نفسه يسير وفق برنامج محدد وإن كان قاسياً بعض الشيئ.
وفي الفترة الأخيرة كتب الكثيرون عبر مواقع التواصل الإجتماعي وفي بعض الصحف عن مرض رئيس الوزراء، وكأن المرض قاصر على من هم دون المناصب، وتناسى الجميع أن الكل معرض للمرض، وأن رسول الله"ص" مرض، وأن الأنبياء كانوا يمرضون أيضاً، وباتت هذه حكاية تلوكها الألسنة وكأنها سبة في جبين رجل كل ذنبه أنه يتحمل إبتلاء من الله لا دخل له به.
وقد تبصر العين وما بصرت، وتسمع الأذن وما سمعت، ويتحدث اللسان وما تحدث، وينبض القلب وما نبض، فمن يتحدثون ويشيعون عنه الأقاويل هم أول من يبادرون بنفاقه، وليتهم إستبدلوا ذلك بالدعوات له، وليتهم رفعوا أكف الضراعة لله الواحد بأن ينعم عليه بنعمة الشفاء العاجل، وليتهم قالوا كتب الله له الخير، لكن عندما يصبح الإبتلاء ومصائب الناس حدوتة بينهم تعرف أن هذا مجتمع خرب، مجتمع قاسي، مجتمع نزعت منه أبسط أنواع الإنسانية، وكأنه ليس مجتمع بني الإنسان، بقدر ما هو مجتمع الغاب.
لقد عرفنا المهندس شريف إنساناً، وما نظنه إلا هكذا، ولا نملك إلا أن نرفع أيدينا إلى السماء وندعو له بالشفاء، وما أظن المهندسون في مواقعهم والفنيين في صحرائهم، والسيدات في مكاتبهم، والقيادات في مضاجعهم، إلا يدعون له بموفور الصحة وصلاح الحال، فليس عيباً أن يمرض رئيس الوزراء، ولكن العيب أن لا نبادر بالدعاء الصادق له.