05:51 pm 18/04/2024
| شخصيات
| 1593
قد يستغرب الكثيرين من اختيارنا لهذه الشخصية في بداية حلقات (قطار العمر لشخصيات البترول) . ولكن لنا في ذلك بعض العذر و أيضاً المبررات التي يمكن تلخيصها في انه اول من تولى رئاسة هيئة البترول في بداية عهد المهندس طارق الملا بعد توليه حقيبة البترول الوزارية ويمثل أيضاً حاله فريدة وهي لماذا اتي ؟ ولماذا غادر ؟ و الاهمية البالغة للاختيار الصحيح للمناصب العليا .
الخطوط العريضة لشخصيتنا انه واحد من القيادات المخضرمة التي بدأت عملها بشركة جيسوم للزيت وكانت واحدة من اصعب شركات الانتاج في ذلك الوقت من حيث نوعية الزيت المنتج وكذلك وسيلة معالجته واستقباله والتي كانت تتم على سفينة عائمة في اول تجربة من هذا النوع في مصر وقام على هذه الشركة الكثير من كبار القيادات مثل حمدي الشناوي و مسعد احمد وغيرهم . تدرج في الوظائف وعمل خارج البلاد لفترة ثم عاد حتى وصل الى منصب رئيس شركتي سوكو و رشيد . ثم تولي منصب نائب رئيس الشركة القابضة للغازات الطبيعية مسئولاً عن العمليات والشبكات حتي تم اختياره لرئاسة هيئة البترول في اكتوبر ٢٠١٥ .
لم يظهر للمهندس محمد احمد على حسن "وهو اسمه الكامل بينما يأتي ( المصري) كأسم شهرة له"صيت ذائع في القطاع عبر هذه السنوات الطويلة . كان يبدو مجتهداً احياناً و لكن نالت شخصيته الكثير من اسم شهرته فقد تميز بكل روافد الشخصية المصرية العتيدة بكل ما فيها من تناقضات. لم يرتبط انجاز كبير بأسمه ولكنه كان يعمل باجتهاد على وجه العموم .حفلت فترات قيادته لشركات الانتاج بخلافات واضحة مع العديد من قيادات تلك الشركات .كان يبدو دائماً على اختلاف في وجهات النظر في العمل وان كان هذا بالطبع لا يفسد للود قضية ولكنه كان بالطبع يؤثر علي سير العمل بشدة ولم يستطع ان يبني جسور من الثقة مع العديد من مرؤوسيه في كافة المواقع التي تولاها.
كان اختياره لرئاسة الهيئة مفاجأة من العيار الثقيل فلم يكن احد يتوقع هذا الاختيار من الوزير طارق الملا . كان الاختيار يبدو انه قد بني علي حسابات ذات ابعاد فنية تخص انتاج الغاز في تلك الفترة و ضرورة التنسيق بين هيئة البترول وشركة إيجاس للأسراع بوضع حقل (ظهر) على الانتاج في اسرع وقت وكذلك اعطاء دفعه لنشاط الصناعات التحويلية مثل التكرير والبتروكيماويات وربما كانت هناك مسوغات اخرى يراها صانع القرار وحده في ذلك الوقت . بدأ الرجل عمله مع توجس ملحوظ من كافة قيادات القطاع فشخصيته ليست معروفة بالقدر الكافي لدي الكثيرين علاوة على حساسية التعامل الشخصي معه كرئيس جديد لهيئة البترول .
كانت البداية صعبة بلا شك فدولاب العمل بهيئة البترول ليست بالامر الهين وان كان لا يتأثر بشدة بتغيير القيادات والاشخاص وربما كان هذا في صالحه حيث اعطاه هذا الوضع مجالاً ليتعرف على دقائق العمل بهذا الصرح الكبير . لم يكن على اختلاط واسع بمن حوله فقد كان يحاول الالمام بعناصر العمل المتشابكة فيما بين الهيئة ككيان كبير وشركاتها على اختلاف مشاكلها ومتطلباتها .
حضر مؤتمراً للصناعات التحويلية والبتروكيماويات ولم يظهر في مناسبات عامة كثيرة . كان عوامل النفور و الحذر في الكيان الكبير اكبر بكثير من عوامل الجذب فعاد الى عالمه المحدود من المعارف والاصدقاء. و بدأت تظهر عوامل الشخصية المصرية في الادارة وانشغل بالعديد من الخلافات الشخصية والفرعية لرؤساء الشركات ودخلت نوازع النكاية في اختيارات رؤساء الشركات الجدد لمجاملة بعض المقربين الذين كانت تحيطهم ظلال كثيرة وحرمان الاخرين الذين قتلتهم الوشايات والشكاوي وكان مستمعاً جيداً لها .
اتسعت الهوة بشكل كبير و زاد الانعزال بشكل ملحوظ . وفي تغيير مفاجئ في ابريل ٢٠١٦ غادر المهندس المصري منصبه وكان مازال متبقياً له حوالي ثلاث سنوات حتي تاريخ التقاعد القانوني له . كان هذا القرار له منظوره القانوني وهو الا يتسع الخرق علي الرتق فكان لزاماً ان يتم اتخاذ هذا القرار الحاسم . ستة اشهر فقط قضاها المهندس المصري رئيساً لهيئة البترول لا تعرف تحديداً ماذا فعل فيها و ما الذي ادى الى سرعة الاطاحة به من هذا المنصب الهام . بالتأكيد منصب رئيس الهيئة ليس بالمنصب الهين او العادي فهو منصب سياسي وفني واداري بالدرجة الاولي . منصب لا يتحمل المغامرات او الشطحات الشخصية . ومن ناحية اخري تبدو هنا معايير الاختيار هامة ولها الكثير من الاعتبار لتحديد الشخصية الملائمة لشغل هذا المنصب الرفيع . اعطت قصر فترة المهندس المصري دروساً كثيرة في خطورة الاختيار و ان الخبرة الفنية ليست المسوغ الرئيسي للاختيار فهناك العديد من المسوغات الاخرى التي قد تكون اكثر اهميه . اما بالنسبة لمن يشغل هذا المنصب فأن عليه ان يخرج من عباءة العلاقات الشخصية الضيقة وان يبتعد عن تحقيق مصالح الاصدقاء الضيقة والاستماع الى وشايتهم ومشاكلهم ، المنصب الرفيع يحتم الترفع عن الصغائر ومجابهة مشاكل الوطن الكبيرة لا مشاكل فرعية تافهة لا طائل من ورائها . المنصب الكبير لا يدار بالنكاية واثارة الضغائن بين المرؤوسين.
دروس كثيرة يمكن ان تكون علامات واضحة لكل قيادة تتقلد منصب رفيع في حجم هذا المنصب في وقت تهب فيه رياح التغيير قريباً .
لسنا أبداً في مواجهة مع المهندس المصري وانما نسرد واقعاً عاشه الكثير ربما هم يملكون تفاصيل اكثر وتشير الاحداث التي مرت و سرعه القرارات التي اتخذت الى قرب ما تم سرده من الواقع . تحياتنا للمهندس المصري فهو احد ابناء القطاع الذين بذلوا كافة جهدهم وعمرهم به ، وهو قيادة لها ما لها وعليها ما عليها ، وسواءً اختلفت او اتفقت مع المهندس محمد المصري ، يبقى أن الرجل متشح بالأخلاق والهدوء وعفة اللسان وهو مجامل جيد لمن يعرفه .
والسلام ،،
#سقراط