الكاتب : عثمان علام |
09:29 am 04/06/2022
| 18267
إبراهيم خطاب..الرجل الذي يُعرف ولا يُدرك…كلمتين ونص
مشكلة كبيرة أن تكون حديث الناس شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً ، وحتى في عنان السماء أو باطن الأرض ، أنت لم تسعى لذلك ، لكن الظروف صنعت منك شيئاً جعلك مُخلد في ذاكرتهم إيجاباً أو سلبا ، لا يهم ، الأهم أنك موجود وهذا في حد ذاته النجاح ، فالله لم يتفق عليه أحد رغم وجود البشر منذ سبعة بليون سنة ، يحدث ذلك دون إرادة منك ولا سعياً ولا زجاً بالمال ، فأولئك الذين يسعون لتحقيق الشهرة غالباً لا يحالفهم الحظ ويفشلون ، أما الذين يختبئون بعيداً عن الأضواء ، فأحياناً الشهرة تأتي إليهم دون إرادةً منهم .
ربما يكون إبراهيم خطاب ، هو ذلك الرجل المختبئ عن الشهرة والأضواء ، الظروف صنعت منه ملاذاً لكل رب أسرة أو عائلة أو محتاج ، هو بالنسبة لهم حلم بعيد المنال ، وأنى لهم أن يدركوه وقد سمعوا عنه قصصاً وحكايات لم تُسمع على أحد قبله ، منذ أكثر من خمسة عشر عاما .
منذ زمن بعيد ، وأنا أسمع الحطابون فى الجبال النائية والفلاحون فى مزارعهم والعجائز حول نار المدفأة فى ليالى الشتاء، وآلاف البسطاء في ربوع مصر كل فرد فيهم يهتف بإسم "إبراهيم خطاب"، هل رأيتم هذا الرجل ؟..لا ولكننا سمعنا عنه ، وماذا تريدون منه ؟
وهذا هو لُب القضية والموضوع ، كلاً يلوذ بالرجل طامعاً أو طالباً أن يتحقق الحلم ويلتحق إبنه أو صبيته بقطاع البترول ، لا شك أن مظهر الأمر هكذا لكن جوهره عكس ذلك ، فجوهر القضية أن الرجل لا يملك إلا تنفيذ القرارات التي تأتيه من السلطة العليا متمثلة فى الوزير ، وظاهر القضية أنه هو صاحب القرار ، وما بين الفهم والإدراك والوعي بالأمر ، والتخبط وعدم الدراية يدور إسم إبراهيم خطاب في فلك أذهان الناس .
هذا ليس كل الأمر ، فهناك جانب أخر متمثل في موظفي القطاع ، من كبيرهم لصغيرهم ، ومن أطولهم لأقصرهم ، ومن بعيدهم لقريبهم ، الكل يرى إبراهيم خطاب بعينه ، فهو إن أعطى دون قصد أو محاباة ، فهو ملاذهم ، وإن منع دون قصد أو تنكيل ، فهو عدوهم ، الأمرين متضادين ومتنافرين ومتناقضين ، لكنهما يحكمان تفكير وتوجهات وأيدلوجيات العامة داخل القطاع .
وعندما تُلهم فى الكتابة عن شخص بقدر وحجم "إبراهيم خطاب" ، عليك أن تدرك تلك الجوانب الغير مرئية للعامة ، وتضعها في ميزان غير مختل لا هو ثقيل من ناحية ولا خفيف من الأخرى ، وبهذا تستطيع أن تصل وتحكم على تصرفاته ، وكيف أنها مجردة تجرد الزاهد فى الأمر .
فمنذ زمن بعيد ، لم يكن "إبراهيم خطاب" ساعياً لشيئ ، بل كان وفي كل مكان ذهب إليه وكل موقع تولاه زاهداً فيه ، يؤدي عمله على أكمل وجه ، يتحمل سلبياته ، ويترك غيره يحصد الإيجابيات ، هو في فوهة البركان ، إن انفجر فهو أول ضحاياه وإن أنار الطريق فهو غير موجود ، حتى تلك الأظرف المغلقة والمغلفة ب"سري للغاية"، وتحمل بداخلها المنح والعطايا والمكافآت ، لم يكن إبراهيم خطاب تواقاً لها ، وحتى وقتنا هذا لايزال الزهد هو الحكم في عمل إبراهيم خطاب ، وربما هذا ما جعله أطول القيادات مكوثاً فى المكان ، بل وشآت الأقدار أن تكون له عودة بعد المعاش ، فقط لأن الله أراد ذلك ، فمن كان يرى الإصرار والعزيمة والتنزه عن كل شيئ في عين الرجل ، يجزم تماماً أن ما حدث فى العودة كان أمراً ربانياً حتى لو جاء على يد بشر ، فلابد من الأسباب .
ربما أيقظ قلمي لأكتب هذه الكلمات رسالة وصلتني من سيدة لم تخرج من بيتها منذ أن جاءت من بيت أبيها لبيت زوجها ، هي لا تعرف القلم ولا القرطاس ولا وسائل التواصل ، كل ما هنالك أن ولدها الذي تعبت في تربيته وتعتبره ملاذاً وسنداً ومخلصاً وجبراً لها عما عانته ، تقدم للالتحاق بالعمل في إحدى الشركات ، وعندما لم يحالفه الحظ قال لها أن اوراقه تعطلت عند رجل يدعى "إبراهيم خطاب "، وقد يكون الرجل زُج بإسمه "وهكذا يفعل روؤساء الشركات"، فتحدثت اليَّ مستنجدةً مترجية أن يصل صوتها ورجائها للرجل دون أن تمنحني فرصة القول : أنني لا أرى الرجل .
وقد ذكرني ذلك بموقف ضحكت فيه كثيراً ، عندما كانت والدتي على قيد الحياة ، جاءتها جارة لنا وقالت أن ابنها تقدم لوظيفة ولكن هناك رجل يدعى "إبراهيم خطاب"، هو إللي بيعين والنبي كلمي الأستاذ "تقصدني طبعاً رغم أني لست هكذا"، يكلمه لو يعرفه ، وبالفعل اتصلت بي والدتي وقالت : يا ولدي فيه راجل بيقولوا أسمه "خطاب إبراهيم"، خالتك زينب قالت لي ذلك ، وأن ورق ولدها عنده …ضحكت منفجراً ولازلت أضحك من كلام أمي كلما تذكرت ، هي لم تحفظ الإسم جيداً ، لكن بلهجة ونقاء البسطاء قالت إنه "خطاب إبراهيم"، ربما أكون قد قصصت ذلك سابقاً .
وحتى أولئك الذين لا يعرفونني ولا يعرفون طريقاً إلى وزارة البترول ، هم يعرفون الآن جيداً "إبراهيم خطاب "، هم يدركون أنه الخلاص والملاذ ، هم يرون أن الوصول إليه إنما جاء نتيجة لدعوة مستجابة في ليلة القدر أو مكوثاً أمام ستار الكعبة أو تبركاً بالروضة الشريفة .
ولا أُنكر على الناس ذلك ، ولا أنكر أيضاً "وكما ذكرت سابقاً"، أن السيد إبراهيم خطاب لم يسعى لذلك ، بل إنه يرى ذلك حملاً ثقيلاً ومسئولية ، ودَّ لو تركها كِفافاً لا عليه ولا له ، لكن الله يختار من يشاء ويولي من يشاء ويجعل من يشاء سبباً لمن شاء .
جُل ما قصدت ، أن إبراهيم خطاب لم يدفع بنفسه ليكون فى المقدمة ، وإنه لأمر عليه عسير ، وأنه لم يطلب ولايةً ولم يسعى إليها ، مثله مثل كثيرين كان حظهم العثر تحمل المسئولية الثقيلة والمفجعة ، وتمنى لو تركها فأراح نفسه قبل أن يُريح غيره .
كما أن إبراهيم خطاب ، لا يحكم في عزبة ورثها ، ولا يُخضع هواه لأمر ، ولو كان الأمر حسب ما يراه الغير لأنفلت الأمر واتسعت الفجيعة ولضاع القطاع .
وقد كتبت سابقاً ، أن إبراهيم خطاب أوقف زحفاً غير مقدس ، كان يتم فى الماضي على قطاع البترول ، ولولا حكمته في هذا الوقت لترهل القطاع ولأصبح توفير رواتب من فيه ضرباً من الخيال .
وقد يقول قائل إذا كان قوله مهذباً أن كلامي هذا لا يخلو من التمجيد والمدح ، وحتى لو كان الأمر حسبما ترونه ، فهي شهادة سبق وأن كتبتها وقولتها وهي موجودة ومؤرشفة ، كتبتها وقت أن كان إبراهيم خطاب خارج حلبة السلطة ، فعندما بلغ الستون ، كسر قلمه وأغلق هاتفه وصمت طويلاً ، وبينما هو كذلك ، كتبت أنا عنه شهادة أعتز بها ، ولو عاد الزمان ألف مرة سأكتبها عن هذا الرجل الذي لطالما عرفته مهذباً خلوقاً ليس طامع ولا ناقم ولا متسلط ولا مغرور …وهكذا يكون إبراهيم خطاب ، "الرجل الذي يُعرف ولا يُدرك".
وفى النهاية "من كان منكم بلا خطيئة فليرمه بحجر".