الكاتب : عثمان علام |
06:39 pm 20/03/2022
| 2381
كلمتين ونص…عيد بغير أمي
تبدو أمي بالنسبة لي كما لو كانت أخر أمهات الدنيا ، لا شيئ قبلها ولا شيئ بعدها ، ليس مثلها إنسان ، لم يملأ فراغها ولد ولا زوجة ولا أخ ولا صديق ولا حبيب ولا رفيق ولا مال ولا عزوة ولا جاه ولا سلطان .
أنقطعت أخبارها منذ خمسة أشهر ، اللهم إلا طيف خيالها يأتيني مناماً في بعض الأحيان ، لكن صورتها لم تفارق خيالي أبداً ، اتصورها وهي تسكب الماء على جسدي صغيراً ، وهي تحضر الإفطار قبل الذهاب للمدرسة ، وهي ترقص في زفافي ، وهي تحتضن كل صغاري عند ولادتهم ، وهي تستقبلني بحضنها عندما كنت أزورها في بلدتي ، عندما يرن هاتفها وتبادرني : وحشتني يا ولدي ..اتأخرت ليه فى الاتصال ؟
قبلها بعامين ونصف ودعنا أبي ، انقطع فرع ، لكن الفرع الأكبر ظل مورقاً مزهراً ، لم أشعر بالمرارة الكاملة للفراق ، فالبيت عامر ونفس أمي يملأ ويسكن الأركان ، وعندما رحلت إلى حيث لا رجعة فى الرحيل ، تجرعت مرارة الفقد ، البيت بات خالياً ، تبخرت أنفاس أمي ، بات قبرها هو الذي يعرف حالها ، هو الذي يستشعر رحيقها .
كنت وكانت ننتظر عيد الأم ، لم تكن تمهلني لأقول لها : كل سنة وأنتي طيبة يا أمي ، كانت هي التي تبادر وتهاتف وتتحدث ، كانت تنتظر أي مناسبة أو حكاية لتسمع صوتي ، شغفها بي كان أكثر من شغفي بها ، هدية عيد الأم كانت من الأشياء المقدسة ، فرض عين لايمكن التفريط فيه ، هو المناسبة الوحيدة التي تجعلني أرد لها ولو بعض من أفضالها .
أدخرت أمي هدايا عيد الأم ، تم توزيعها قسطاً وعدلاً على الورثة من البنات ، جميعهن أحتضن بعض أشياء أمي إلا أنا ، احتضن صورتها في خيالي ، اختزل حنانها في ذاكرتي ، أستشعر أنفاسها في كياني ، أراها مبتسمة وهي مقفلة العينين في قبرها ..رحمك الله يا أمي .
ماتت أمي ، رحلت ولن أسمع صوتها اليوم ولا في أي يوم ، لن أقول لها "كل سنة وأنتي طيبة يا أمي"، يالا مرارة الحدث ، ويالا عظم الموقف ، ويا هول المناسبة ، جاء عيد الأم بدون أمي !، لكني سأهديكي يا أمي ألف دعوة ودعوة ، سأبتهل الى الله أن يغفر لكِ ويرحمك ويسكنكِ الفردوس الأعلى ، سأجعل هديتي لكِ في عيد الأم دموعاً اذرفها على رحيلك ، حتى يستجيب الله لي ويمنحك غفرانا .