الكاتب : عثمان علام |
09:32 pm 01/12/2021
| 2361
يُقال إن علاقات الحب لا تبقى أبداً كما كانت في البداية ، يأتي يوم ما وينتهي الحب، فتنكشِف حقيقة كل واحدٍ أمام الآخر. يتبخر الشغف، ويبدأ الملل فى التسرب إلى العلاقة ، تتراكمُ مشاكل تافهة وتفاصيل صغيرة، فتُزيل عن الحبيب تلك الهالة التي كانت له في ربيعِ البدايات. أمّا عندما تظهر كارثة ما، أو وباء يهدّد كل البشرية، فإن الحب يوضَع أمام امتحانٍ صعب...امتحانُ الصّمودِ والاستمرار.
وفي مقال للكاتبة المغربية كريمة احداد تقول: عندما كتب غابرييل غارسيا ماركيز روايته "الحب في زمن الكوليرا"، قال عنها: "إنّ الحب موجود في كل زمان ومكان، لكنّه يشتد كثافةً كلّما اقترب من الموت". وإذا كان عنوان الرواية يحمل نوعاً من التناقض ، إذ إن من الغريب أن يجتمع الحب مع حالة وباء في جملة واحدة ، فإنّ ماركيز يرى أنّ الحبّ لا يُصبِح ذا قيمةٍ ومعنى إلّا عندما يقترب من الموت، حينها فقط يصير حقيقياً جدّاً.
إن البشرُ يكابدون في العالم اليَوم الخوفَ في كلّ لحظةٍ من حياتهم، الخوفَ من الإصابةِ بفيروس كورونا، الخوفَ من أن يخترق الفيروس أجسادَ أقربائهم وأحبّائهم، الخوفَ من أن يكون هذا الفيروس المنديل الذي سيلوّحون به للعالمِ وهم يغادرونه إلى غير رِجعة. الخوفَ من الفقد، الخوفَ من الجوع. الخوفَ من المجهول..أنواعٌ كثيرةٌ ومختلفة من الخوف تسري في دواخلهم وتوثّر على حياتهم وعلاقاتِهم.
عندما ظهرت أولُ حالة مصابة بفيروس كورونا في المغرب في مارس قبل الماضي، كانت نبيلة لا تزال تعيش حياتَها بشكلٍ عادي، غير آبهة بخطر الانتشار. تقرأ الأخبارَ هنا وهناك، وتتابع ما يحدث في العالم، ولم تكُن تتوقّع أن هذا الوباء الذي سيبدأ في الانتشارِ بشكل مرعب سيؤثر على حياتِها الشخصية وسيضعُها أمام اختبار مُرّ في ما يخص علاقتَها مع زوجٍها.
"لم نكُن نرى بعضنا كثيراً. في الصّباح يتكلّف واحدٌ منا بإيصال ابنتِنا الصغيرة إلى الحضانة، ثمّ يذهبُ كلّ واحدٍ منّا إلى عملِه، ولا نلتقي إلّا في المساء مُتعبَين. نتعشّى معاً ونخلُد إلى النوم"، تقول نبيلة في شهادتِها لـTRT عربي.
وتضيف: "عندما فُرِضَ حظرُ التجوال في البلاد، صارَ لزاماً علينا أن نعمَل عن بُعد، ونقضي اليومَ كلّه في البيت، جالِسَين في الغرفة نفسِها مع ابنتِنا. حينها بدأت تتكشّف المشاكل ، خصاماتٌ لا طائلَ من ورائها على أشياء تافهة من قبيل: من عليه أن يهتمّ بالطفلة؟ من سيُعِدّ الغداء اليوم؟ ومَن مِنّا عليه أن يغسِل الأواني؟".
لكنّ أيّام الحجر الطويلة جدّاً والصعبة علّمت نبيلة وزوجَها أنّ الحبّ مقاومةٌ قبلَ كلّ شيء، مقاومةٌ للظروف مهما كانت قاسيةً ومستبدّة. الصّبرُ بلسمٌ للقلق، والإيمان تِرياقٌ للخوف. "في أوقاتِ المصائبِ نعرف قيمةَ الآخر في حياتِنا. من حُسنِ الحظّ أنّني وزوجي نفهمُ كيفَ يمكن لأشياء تافهة أن تؤثر على العلاقات، وكيف يمكن للقلق أن يجرَح الحبّ. نتحدّث عن ذلك كثيراً ونلجأ إلى التواصل المستمرّ من أجل الصّمود".
توجد أيضاً علاقاتٌ طافحةٌ بالمشاكل. مشاكلُ لا تُرى وسطَ زخَم الحياةِ اليومية، يطمرها الانشغالُ بالعمل والحياةِ الشخصية والركض المستمرّ من أجل تحقيق الذات ، لكنّ الحجرَ الصحّي الذي فُرِض في عديد من البلدان بسبب انتشار كورونا، كشَفها.
لكن الأشدُ خطراً مما سبق من حكايات الحب والغرام ومشاكل الزوجات ، قصص الغدر فى زمن كورونا ، قصص الحفاة العراة العُصاة..قصص المغتالين للبشر معنوياً وجسدياً ونفسياً..قصص القضاء على أحلام الغير ..قصص الذين يسيئون استخدام السلطة..قصص أولئك الذين عزموا على المعصية بعد إنقضاء الوباء..كل هؤلاء يظنون أنهم بعيدون عن مرمى النيران..كل هؤلاء لديهم ما يشغلهم إلا أن يقترب الموت منهم.. يظلمون ويمارسون القسوة على غيرهم ، في وقت ترق فيه القلوب وتخشع فيه الأبدان وتبكي العيون..لكن هم مثل الحانوتي الذي لا يهمه من تشييع الجنازة سوى اجرته ، ومثل التربي الذي يدفن حتى يقبض الثمن ، ومثل الورثة الذين يعجلون بتشييع الجثة ليعودوا لتقسيم الميراث ، وكقائد السيارة الذي توقف في إشارة مرور لتعبر الجنازة وهو يتأفف من الدقائق الذي تعطل فيها..كل واحد لديه ما يشغله في هذه الحياة سوى أن يموت أو يقترب منه المرض...هؤلاء هم الغافلون الساقطون الساهون..وليس معاناة الزوجات والأزواج ، فمهما بلغت معاناة البيوت فهي أقل بكثير من معاناة الضمير الذي لا يستيقظ أبدا .