الكاتب : عثمان علام |
11:08 pm 07/11/2021
| 3764
يا نجوم اشهدي إني علي الذكري أمين …يا غيوم أرسلي الدمع مع الباكي الحزين .
وجاءت كورونا ، وظننا أنها لا شيئ ، وقولنا بأفواهنا : وباءً يضرب الأرض ويميت البشر ، غير موقنين ولا مؤمنين بأنه جند من جنود الله ، جاء ليلقننا الدرس ويُعيدنا إلى صوابنا ، فتكاسلنا حتى ظن كلاً منا أنه بعيد عن مرماه ، فلما خطفت منه العزيز الغالي ، قال صدق من قال : إنه وباء .
لم تكن أمي تدرك أنها سترحل متأثرة بهذا الوباء اللعين ، فقد حجز لها زوج شقيقتي موعداً للتطعيم ، لكنها خافت من تلقي جرعة العلاج ، وعندما سألتها عن السبب ، قالت : دا بيمرض يا ولدي ، رددت: أنا أخذته يا أمي ، خدي التطعيم دا كويس ، لكن لا أحد يهرب من قدره ، ولن يفلت أحد من يومه ، تكاسلت أمي وتباطأت ورفضت ، حتى نقول بعد وفاتها : ماتت متأثرةً بكورونا
#للاشتـــراك_فـــي_قنـــاة_المستقبـــل_البتــــرولي_علي_اليوتيـوب
https://www.youtube.com/channel/UCX0_dxgnzuKWZhfjljA8V6A
حكمة الله تكمن هنا ، القدر يدفعك للشيئ ونقيضه برضا منك ، حتى يوجد الأسباب لعباده ، فيخفف عنهم الألم والعذاب ، يجعلهم يسوقون الأسباب فتستريح نفوسهم ، وكأن المرض هو الذي أمات أمي ، حتماً كانت سترحل في ذلك اليوم 27 أكتوبر من عام 2021 ، لكن كان لابد وأن يكون هناك حديث ، ولابد أن نضرب كفاً على كف ونقول : خافت تاخد اللقاح عشان ما تتعبش فماتت به ، آه لو كنت أنا أو كان غيري يدرك ذلك ، حتماً لم يكن لي ولا لغيري أن ندرك حكمة الله ، "فلا تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرضٍ تموت" .
نحن نظل بعيدين عن الفكرة نفسها حتى تصيبنا في أنفسنا أو في أعز ما فى الحياة ، وهي نفس فكرة الموت شاملةً ، فكل إنسان لديه ما يتحسبه إلا هو .
تخيل أن الورثة سرعان ما ينشغلون في تقسيم التركة فور تشييع الميت ، وهكذا المُغسل وحامل النعش والتُربي ، ينشغلون في تقاضي أجرتهم ، دون أن يدركوا أنهم يوماً ما محمولون على نفس النعش وسيرقدون بلا رجعة ، وسيرثهم من جمعوا المال لأجله ، كل إنسان على ظهر هذه الأرض لديه ما يتحسبه إلا الموت .
نحن نتحسب المال والعمل والزوجة والأبناء ، نتحسب الصراعات والمناصب والقيل والقال ، نتحسب كل ما هو جيد ورديئ ، نتحسب كل شيئ غير حقيقي ولا فائدة منه ، إلا الشيئ الحقيقي الوحيد ، وهو الموت .
من كان يظن أن المهندس محمد شتا رئيس أموك يموت فوراً بسبب كورونا وعمره لم يتخطى ال45 ، ومن كان يعرف أن كورونا ستكون سبباً في موت أمير الشيخ رئيس بتروسنان وهو لم يغلق عامه الخمسون ، ومن كان يصدق أن المهندس أحمد قديره الذي كان يملأ الدنيا قوةً وحيوية ، سيكون ضحية من ضحايا كورونا ؟.
أنا لم أصدق أن زوجة صديقي أيمن التي لم تتجاوز الأربعون قد رحلت بسبب كورونا ، فقد أبلغني بالخبر فجر أحد الأيام ، استيقظت مفزوعاً ، كيف حدث ذلك ؟، هممت بارتداء ملابسي لأذهب له حيث ترقد زوجته رقدتها الأخيرة ، سرعان ما غلبني النوم ، بعد بضع ساعات أستيقظت على حُلم أو كابوس أو رؤية ، وكأن كل ما حدث كان هكذا ، سكت غير عابئ بما حدث ، كل ما تذكرته أنني حلمت أن أيمن اتصل بي ، فاستعذت بالله من الشيطان الرجيم ، سرعان ما تأكدت أنها رحلت بالفعل ، وأن اتصاله كان حقيقة .
ثم من كان يجول بخاطره أن عشرات الشباب من الذكور والإناث ، سيكونوا ضحايا لهذا الفيروس اللعين ؟.
مضت الموجة الأولى ، وطالت من طالت ، وجاءت الثانية وحصدت من حصدت ، وكان نصيبي ونصيب البعض أن يقف معزياً في أم أو أب أو إخوة وأعمام وأخوال وأبناء ، فى الموجة الرابعة ، لا شك أن الجميع كانوا يستبعدون ذلك ، لم يخطر ببالهم أن دور برد سيقضي على حياة شخص عزيز ، وهكذا نحن نستبعد ذلك عن أنفسنا .
وإني أشهد الله واشهد حملة عرشه ، أني أؤمن بالقضاء والقدر ، حلوه ومره خيره وشره ، فالله لم يوجد شيئاً هباءا ، كل شيئ عنده بقدر ، وحينما حلَّ البلاء جئت إليك يا ربي ذليلًا أُناجي ، من لي غيرك يا ربي ينجيني ، فليتك يا الله تأذن للراقدين تحت التراب ، فيقولوا لنا كيف أن لطفك شملهم جميعاً ، وكيف أنهم بعفوك منعمون ، وكيف أنهم بغفرانك فى الجنة نائمون .
وإن يقيني بالله ، أن العبد إذا مات لا ينظر الله لكثرة معاصيه ، بل ينظر لضعفه وقلة حيلته .
فقد روي أنَّ موسى عليه السلام لما دفن أخاه هارون عليه السلام ذكر مفارقته له وظُلمة القبر، فأدركته الشفقة فبكى، فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى ، لو أذنت لأهل القبور أن يخبروك بلطفي بهم لأخبروك ، يا موسى ، لم أنسَهم على ظاهر الأرض أحياء مرزوقين ، أفأنساهم في باطن الأرض مقبورين؟! يا موسى، إذا مات العبد لم أنظر إلى كثرة معاصيه، ولكن أنظر إلى قلَّة حيلته، فقال موسى عليه السلام: يا ربِّ, مِن أجل ذلك سُمِّيت أرحم الراحمين .