مابين الألف والياء كتب أنيس منصور الكثير من الكتب، وألفّ العديد من المسرحيات، وسطر آلاف المقالات والدراسات...أحرف اللغة العربية كانت تعني بالنسبة له الحياة، فهو يعيش حالة من السعادة الدائمة بين جدران مكتبته وقلمه، غير أن تلك العظمة جاءت في إنسان عليل بعض الشيئ، فلايمكن أن تجتمع الصحة والعظمة في شخص واحد.
كانت ال"أ" تعني بالنسبة لأنيس منصور "أكتوبر" تلك المجلة التي ولدت على يديه في عهد الرئيس السادات، بينما كان حرف ال"ب" بقايا كل شيئ، وحرف ال"ت" التاريخ آداب وآثار، وحرف ال"ث" مثواي، وكيف وجد مثواه في عامين درسهما بالجامعة، لم يتقاضى عليهما مليماً واحد لأنه نسي أن له أجر على العلم الذي يلقنه للطلاب، لكنه قال: كان من المفترض أن أدفع للجامعة لأنها جعلتني أتحدث مع نفسي على مرآى ومسمع من البشر.
لخص أنيس منصور حرف ال"ج" في كلمة جريدة، وكيف كانت رحلته مع الأخبار والأهرام والمصور وروزاليرسف وغيرهم، أما حرف ال"ح" فهو يعني كتابه حول العالم في مائتي يوم، ذلك الكتاب الذي طبع منه ١٨ طبعة وحصل على جائزة الدولة في الأدب.
كما لخص خواطره في حرف ال"خ"، وهو يعتبر الخواطر كبرج الحمام ،فكل الأفكار تقف على مخ الإنسان وتطير ثم تعود، أما حرف ال"د" فهو دنيا، كتاب سطره ورأى فيه أن الإنسان يخرج من الدنيا دون شيئ، منظرة أعبروها ولا تعبروها، ثم جاء حرف ال"ذ" تعبيراً عن ذاكرته التي عبر عنها في كتابة "ذاكرتي"، وكيف أنه كان يعرف الكتاب من شكله وليس من مضمونه...أما حرف ال"ر" فهو كتابه رقاب العباد، ويحكي قصة ماقبل الموت، أما حرف ال"ز" فهو كتابه زائر، ولأنه لم يكن إجتماعياً فلم يكن يروق له كثرة الزيارات التي كانت تعطله عن القراءة والكتابة.
أما حرف ال"س" فهو ساعات بلا عقارب، وحرف ال"ش" هو شيئ من الفكر، وحرف ال"ص" في صالون العقاد، وحرف ال"ض" ضروريات، تلك الكلمة التي لم يكن لها وجود في حياته، فليس عنده ضروريات سوى القراءة والكتابة.
أما حرف ال"ط" فهو كتابه طلع البدر وعلينا، والذي وصف فيه المشاهد والأحاسيس الروحانية والنورانية عند أداءه العمرة في أول مرة، ذلك الوصف الذي لم يستطع أن يعيده رغم أنه حج أكثر من ثلاثين مرة وأعتمر مثلها.
أما حرف ال"ظ" فهو كتابه ظرفاء لكن فقراء، وكان يرى أن كامل الشناوي هو أظرف ماأنجبت مصر، فلم تكن بحاجة لمجهود كي يحبك، هو يحبك وقت أن يراك.
أما حرف ال"ع" فهو كتابه عزيزي فلان، وحرف ال"غ" كتابه غصون، وحرف ال"ف" كتابه فاطمة، وحرف ال"ق" كتابه قالوا، وحرف ال"ك" كتابه "وكانت الصحة هي الثمن"، فالعظمة والصحة لايلتقيان، فإذا كنت عظيماً فأنت لست صحيحاً، وإن كنت صحيحاً فأنت لست عظيماً.
حرف ال"ل" هو كتابه لعنة الفراعنة، وحرف ال"م" مقاله مواقف الذي ظل يكتبه طيلة حياته وعدد كلماته ٢٧٠ كلمة لايزيد عنها ولا يستزيد، أما حرف ال"ن" فهو كتابه نحن أولاد الغجر، وحرف ال"ه" كتابه الذين هبطوا من السماء والذين عادوا من السماء، وحرف ال"و" كتابه وجع في قلب إسرائيل، أما حرف ال"ى" فكان يرمز إلى كتابه يوم بيوم وكتاب يامن كنت حبيبي.
هكذا جسد أنيس منصور حياته الفكرية والعمرية في كلمات كتبها، كلمات عاشت في يقينه قبل أن يرحل، وتعيش في يقيننا ونحن أحياء!!
