الكاتب : عثمان علام |
09:39 pm 21/09/2021
| 3747
لو حق للأموت أن يصيحوا ويصرخوا ويخرجوا للحياة من جديد ، لوجهوا ألف صفعة على خد كل من تحدث بلسانهم باطلاً ، وما أكثر الذين تحدثوا على لسان الأموات فور رحيلهم قديماً وحديثاً .
لقد ساق لنا التاريخ الآلاف والآلاف من القصص والحكايات على لسان الذين رحلوا ، حكايات من نسج خيال كتابها الذين استحلوا انتهاك حرمات الموتى فراحوا يكذبون بشأنهم ، مدعين قربهم منهم والتصاقهم بهم .
ترون كيف أن كاتباً شهيراً راحلاً ظل سنوات طوال يحكي أمجاده في عصر الزعيم ، وكيف أنه كان من صناع القرار ومؤثر فيه ، وكيف أنه لم تكن هناك خطوة ولا قرار يتخذه الزعيم إلا وكان له رأياً فيه .
#للاشتـــراك_فـــي_قنـــاة_المستقبـــل_البتــــرولي_علي_اليوتيـوب
https://www.youtube.com/channel/UCX0_dxgnzuKWZhfjljA8V6A
وها هو الإعلامي القديم العتيق الذي راح يحكي تاريخاً زائفاً عن قربه من بعض الفنانين والفنانات الراحلين ، ويسرد مئات القصص الوهمية والوقائع بينه وبينهم ، بينما الذين عاصروا ذات الأيام والتاريخ والأشخاص كانوا يتعجبون لهذه البجاحة ، ويقولون : لم نرى هذا الشخص ولم نشاهده يوماً إلى جوارهم ، هو يكذب كثيراً بشأن الأموات .
وفي روايات كثيرة عالمية ، كتب العديد من القدامي عن مدى قربهم من مارلين مونرو ، وستالين والزعيم النازي هتلر والفاشي موسوليني والعاشق نابليون وزعماء عالميون وحكماء ، وادعوا أنهم كانوا من القرب بمكان ، لدرجة أنهم خرجوا عبر شاشات التلفاز وموجات الأثير وأوراق الصحف يتحدثون بلسان من رحلوا .
وقد رأينا كيف أن عائلات بأكملها خرجت لتكذب روايات الكثير من المؤلفين والإعلاميين الذين ادعوا قربهم من ذويهم من أصحاب الشأن والرفعة ، وهناك عشرات القضايا في مصر أقامها الورثة ضد الذين سطروا كتب ومؤلفات عن آبائهم واهاليهم ، دون أن يكون ذلك رادع لغيرهم .
وفي كل يوم يرحل عالماً أو فناناً أو زعيماً أو رجل دين أو رجل سياسة ، يخرج البعض يروون عنهم عشرات الحكايات الواهية والكاذبة ، وإن كانت ليس كذباً في مضمونها وفحواها فهي كذباً في شخص من يرويها ، فقد يكون قد سمع حكاية أو موقف من قاص أو راوي ، فتخيل أنه هو صاحب الموقف وراح يروي ويقول .
حتى البسطاء من الناس ، راحوا ينسجون حكايات عن آبائهم وكأنهم مثل صلاح الدين أو عمر المختار ، وأنزلوهم منزلة الأنبياء والصالحين ، وجعلوهم من أهل الخطوة ، رأيتم جميعاً كيف امتلئت صفحات الفيس بوك بمقولة "أنا إبن رجل تضج المجالس بذكره "، وبعيداً أن المجالس لا تضج إلا بذكر الله والصلاة على رسله وأنبيائه ، فإنني أعرف كثيرون ممن يكتبون هذه العبارات ، تضج المجالس بذكر آبائهم ضجراً وسباً وشتماً ، فقد كانوا يمشون بين الناس بالنميمة ويشعلون نار الفتنة ، ومنهم من كان مرابياً ومنهم من كان تاجراً للمخدرات والسلاح ، ومنهم من كان أشد نفاقاً من الأعراب ، هؤلاء بعض القوم الذين نعرفهم ونعرف سيرهم ومسيرتهم فى الحياة قبل الرحيل ، ثم نجد من يقول أن المجالس ضجت بذكرهم .
ولا ضير في هذا ، طالما أن قادة الفكر والتنوير ، هم أيضاً يكذبون على آلاف البشر ، عدواهم انتقلت للعامة ، ونصف المتعلمون يدركون أن أحداً لن يصدقهم إذا نسج رواية عن فنان أو زعيم ، فراح ينصب أباه ولياً من الصالحين .
في أحد المرات ذهبت لورشة سيارات أصلح سيارتي ، وفي ركن بعيد جلست أحتسي الشاي والتهم حجرين من الشيشة ، جلست بالقرب من ثلاثة أشخاص انهكهم الدهر وأكل عليهم وشرب ، لم يسلم الأمر من ترك لحاهم فلساً وبعض ملابسهم مهلهلة ، والتراب يكسو أحذيتهم القديمة ، هم في حال يرسى له ، غير أنهم لم يتعظوا من مغبة الزمان لهم بسبب افعالهم ، وجدتهم يتبادلون أطراف الحديث عن وزير سابق ، كان يقيم حفلات صاخبة يحضرها عامة القوم ، وذكروا كيف أن النساء كانت تدخل عاريات ، والذي كان يجلبهم سكرتير هذا الوزير …ومصادفة أنا أعرف معرفة شخصية هذا السكرتير ، عاشرته لسنوات ، ولم أذكر يوماً أنه حضر حفل ولا جلس بجوار سيدة ولا صافح سوى زوجته ، حج واعتمر عشرات المرات ، كانت زوجته سيدة فاضلة نحسبها من الصالحين ، لم يرزق أبناءً ، فظل طيلة حياته يتضرع إلى الله ولم يترك فرضاً ولم يبخل على محتاج ولا يرد عابر سبيل .
أرأيتم كيف ينسج الناس الحكايات الكاذبة ، حتى وهم في أوج فقرهم وعوزهم وقلة حيلتهم ، خيالهم واسع ، تتسع رقعته لتطول أشخاص يحول بينهم آلاف الكيلو مترات حتى يصلون اليهم .
ومن الواضح أن الجميع كان يتابع ويقرأ للكاتب المبدع عبدالله أحمد عبدالله "ميكي ماوس"، وكيف أنه كان بارعاً في سرد حكايات عبر قصصه ورواياته ومقالاته ، لدرجة أن البعض تصور أن ميكي ماوس رافق رجال الدين والسياسة والفن والاقتصاد والاجتماع والفضاء ، بل كان رفيقاً لأقمار الفضاء عند اطلاقها ليسجل لحظات انفجارها وارتكازها في رحاب السماء .
إنني أسمع أم كلثوم وعبدالحليم وسعاد حسني وشادية وفايزة أحمد وعبدالوهاب ، بل أسمع مئات الزعماء والمشاهير ، الذين رحلوا منذ عشرات ومئات السنين بل واليوم وغداً ، يصرخون في قبورهم ويقولون: أرجوكم كفوا عن الكذب بشأننا ، فكذبكم يؤلمنا في قبورنا ، نحن لم نكن أبطالاً كما تقولون ، ولم نكن شياطين كما تصفون ، نحن لم نرى وجوهكم يوماً ولم نقابلكم في جلسة ولم نعانقكم في حفلة ، ولم نصحبكم في مأتم ، ولم نرافقكم في سفر ، فكيف لكم أن تتحدثون عنا بعد رحيلنا ، أرجوكم كفوا عن الكذب والادعاء ، وكفاكم ادعاء بطولات واهية ، فغداً ترحلون وستجدون سيرتكم كالماء الراقد تسكنه الطحالب .