05:58 pm 31/08/2021
| 3542
لم أتذكر يوماً أنني كنت متفوقاً دراسياً ، ولا كنت نابهاً تعليمياً ، ولم أكن فيلسوفاً مثل افلاطون ولا حكيماً مثل سقراط ولا أديباً مثل طه حسين ، ولا كاتباً مبدعاً مثل أنيس منصور ، ولا رجلاً جُمعت فيه كل هذه الخصال كالدكتور مصطفى محمود ، ولا نازياً مثل هتلر ولا فاشياً مثل موسوليني ، ولا عاشقاً مثل نابليون ، ولا شاعراً كعنترة .. كنت طفلاً وتلميذاً وطالباً وشاباً وعجوزاً عادياً ، لم أكن عبقرياً أبدا .
كل ما أذكره عن نفسي أنني شخص ربما يكون ملتزماً ، ولازلت أمارس ما اسميه بالالتزام في كل شيئ ، فأنا أوؤدي الصلاة في وقتها ، وإن كنت لا أخشع ، أصوم رمضان بانتظام وقليلاً ما اقرأ القرأن ، اطمئن على أمي ، ولا أظن أني بار بها ، إذا حددت موعداً مع الأصدقاء ، فأنا أول الحاضرين ، التزم بالرد على زوجتي بكل أدب ولا اعصي لها أمراً ، التزم في ادماني للشيشة وتصفح الفيس بوك والكتابة وقليلاً من القراءة ، وأرعى احتياجات أولادي.
لم أفكر يوماً في إيذاء أحد ، حتى الذين آذوني يوماً ولا يزالون ابسط لهم يدي لعلى وعسى بالود تطيب العلاقات يوماً ، أؤمن بأن اليد المدودة بالسلام دائماً لا تخسر ، أما عكس ذلك فلا اذكر أنني فعلت شيئ يؤهلني لممارسة أي عمل يجر عليَّ نعمة واحدة من نعم الله الظاهرة والباطنة ، فالله إذا منح حمدت ، وإذا منع شكرت ، فلدي إيمان بأن تمام النعمة يكمن في نقصانها .
عندما أفكر في حالي ، وكيف أنني حصدت ستراً وتوفيقاً وحباً ، أكثر من غيري ممن هم أفضل مني ، أسجد حمداً وشكراً لله الواحد ، صاحب المنة والعطاء بلا حساب غير أني اتسآل : ماذا فعلت ياربي حتى تسترني وترزقني بغير حول مني ولا قوة ، لكنه الرازق بلا حساب "يرزق من يشاء بغير حساب" .
والعطاء المادي ، ليس ضمن حساباتي ، وإن كان في ظاهره وباطنه نعمة من الله ، لكنه لا يدخل ضمن مقاييس النجاح والستر ، فليس امتلاكك للمال الوفير دليل على حب الله لك ، البشر لديهم رؤية مختلفة للنجاح ، وكلاً يراها بعينه القاصرة ، الراضون والحامدون الشاكرون فقط ، لهم أعين ليست كأعين الناس ، وأنا اجتهد لأكون منهم .
تأملوا معي ، كلاً يتأمل نفسه ويتسآل: لماذا هو كذلك وغيره ليسوا مثله ؟.. وليسأل كلاً منا نفسه : أنا لست الأفضل ولست الأنجح ولست الأبرز ولست الأطول ولست الأجمل ولست كغيري ممن تتوافر فيهم عناصر النجاح !…حتماً سيجد الإجابة في قوله تعالى : "وإن ليس للإنسان إلا ما سعى ، وأن سعيه سوف يُرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى".
وحتى تكون موفقاً ، كن هيناً لين غير صلب ولا مكسور ، كن كالذين قال عنهم الحسن البصري : قوة فى الدين، وجزم في العمل وإيمان في يقين، وحكم في علم، وحسن في رفق، وإعطاء في حق، وقصد في غنى، وتحمل في فاقة وإحسان في قدرة، وطاعة معها نصيحة، وتورع في رغبة، وصبر في شدة….كن ذلك الشخص الذي لا ترديه رغبته ولا يبدره لسانه ، ولا يسبقه بصره ، ولا يقلبه فرجه ، ولا يميل به هواه ، ولا يفضحه لسانه ، ولا يستخفه حرصه ، ولا تقصر به نغيته.
إن عناصر التوفيق والسداد تكمن في السعي فى الخير والمواظبة على الصلاة ووصل الأرحام والالتزام فى العمل ، وإيتاء البر ، فقد عبر القرأن عن ذلك بقوله : لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ.
فقد جاءت العبادات متأخرة ، بينما قدم القرأن مكارم الأخلاق وحُسن العمل وإسعاد الغير .