الكاتب : عثمان علام |
07:47 pm 24/05/2021
| 3185
المواجهة بين الماضي والحاضر قاسية ، وأشد قسوة منها المقارنة بينهما ، وأشد ضراوةً على الإنسان أيام خلت كانت في مجد وعزة وكرامة ، ثم انقلبت ، لكن حتى بعد كتابة هذه السطور ومطالعتها ستصبح ماضي نتغنى به ونمدحه ونظل نقدح في الواقع الذي نعيشه ، مهما كان هذا الواقع أقل وطأةً من ذي قبل .
نحن نتذكر أيام الجوع والفقر والقهر وشعبطة وسائل النقل ، ونتذكر أيضاً كيف كنا نتقاسم اللقمة الواحدة بين اثنين لأنه لم يكن هناك خيار أخر ، ونتذكر كيف كانت الكهرباء غير موجودة فنذاكر دروسنا على المصباح الجاز ، ونتذكر الوقت الذي كنا نذهب لاستديو التصوير ليلتقط لنا صورة او اثنين ، فنظل ننظر ونبحلق الى اشكالنا طوال العام…نتذكر كل ذلك ونبكي عليه رغم مرارة العيش وضيق الرزق وندرة المعروض ، وسبحان الله نبكي عليه لماذا!! لأنه يرتبط بالوجدان والذاكرة ويأخذنا الى زمن الصبا ، لم يكن فيه شيئ من تلك النعمة التي تغمرنا الآن ، ولم يكن به تلك السهولة التي تمكننا من فعل كل شيئ ونحن نجلس على الكرسي ، غير أنه يشكل معنى أوسع وأرحب من كل المعاني التي تصادفنا الآن .
هل هذا سببه ان الناس تغيرت ، وهل كثرة الشيئ والانغماس في الملذات تفقدنا متعة العيش ، وهل نوال التمني بسهولة هو ذلك الهاجس الذي يجعلنا نذهب للماضي في خيالنا ونسرح فيه ونحنْ اليه؟؟..حتماً هو كل كذلك ، فليس هناك من توقع أخر وليس هناك من تفسير أخر .
إن الحياة برمتها صراع بين ماضٍ قد ولى وبين حاضر سرعان ما يولي ، بين ذكريات وبين واقع مهما كان شكله ولونه وحلاوته ومرارته ، والأمر لا يسلم من تبسيط في تفسير لماذا نحن هكذا .
والمتعمق والذي آوتي شيئ من الحكمة عليه أن يدرك أن المقارنات دائماً ظالمة وغير منصفة ، ويدرك أيضاً أن الأيام ثابتة لا تتغير ، نحن فقط من يتغير ويتبدل ، نحن فقط من يستقيم ويعوج ، نحن فقط من يصنع حاضره وماضيه ويخطط لمستقبله .
لقد نظر الناس للدعوة الإسلامية على انها وسيلة للتفرقة بين الأب وابنه وبين الزوج وزوجته ، دعوة جاءت لتمزق كيان الأسرة وتشتتها ، ومع مضي الوقت ، تأكدنا انها دعوة للجمع وليس للتفرقة ، دعوة وحدت الشمل وجمعت الشتات ، ووضعت دستور يسير عليه الجميع .
إنها نموذج لصراع دار في الخلجان كثيراً ، وهي النموذج الوحيد الذي مقت فيه الكثيرين الماضي ، لكنهم سرعان ما أحبوا ذلك المستقبل الذي صنعته الدعوة الإسلامية بهم .
إن ماضينا لم يكن أفضل من حاضرنا بكل اشكاله والوانه وانواعه ، لكن ما الذي حدث ؟.. حدث أننا نحن من تغير ونحن من تبدل ونحن من أفسد كل شيئ ، نحن وحدنا الذين نهوى الضرب في بعضنا ، ويروق لنا وضع المعوقات في طريق بعض ، لهذا تناسينا حاضرنا بكل ما فيه من تقدم ونهضة وذهبنا بعيداً بخيالاتنا الى ماضٍ سحيق .
وليس صعباً أن نعيش ونتعايش في سلام ، وليس صعباً أن نحاول أن نتمتع بأبسط ما نملك ، وليس صعباً أن نساعد بعض ، وليس صعباً أن نمد ايدينا لبعض ، غير أننا اصبحنا قوماً شددوا فشدد الله عليه ، مثل أولئك الذين قال لهم اذبحوا بقرة ، "أي بقرة" ، فظلوا يسألون عن لونها وشكلها ووزنها ، حتى وجدوها فى اقصى البلاد وشروها بوزنها ذهب .
وصدق القائل:
أحِنُّ إِلَى أهْلِيْ حَنِينيْ إلى الصِّبَا،إلى أوّلِ الخَطْواتِ وَهْي تَعَثَّرُ"..إلى طِفل في الدَّارِ يسْألُ أُمَّه..أحَقّاً إذا مَرَّ الزَّمانُ سنكبُرُ .