الكاتب : عثمان علام |
09:29 am 05/03/2021
| 3179
كانت تستفزني حمية الكلمة وروعة الابوة وحنين البنوة ولهيب الشوق ولوعة الفراق وحب المال والاقبال على الدنيا..لم يعد هذا ما يهمني ولا يستفزني ولا يحرك عندي شيئ..الذي اصبو اليه فعلاً ان اعيش في هدوء ..لا احد ينغص عليَّ حياتي..ذكرياتي فقط هي من تحركني وتحكمني وتعيش معي ولي..حتى الذكريات المؤلمة لم تعد تجول بخاطري..لانها تؤلمني كوخز السيف في قلبي وكرمي السهم في ظهري وغمد الرمح بجانبيَّ
إن اياماً كانت قاسية تحت لهيب الشمس وقسوة البرد وذل الفقر وعوز الحاجة لهي اهون عليَّ من ايام يتساقط عليَّ فيها رزاز السقع ودفء النار في الشتاء ووفرة حفنة من المال وعدم العوز ، وإن القلوب القاسية والنفوس الطاعنة ، والصراعات المبهمة ، في ما مضى ، لهي اقرب الآن من قلوباً كنا نظن أنها محبة ، ونفوساً كنا نظن قربها وصراعات لم تعد تجدي .
لقد مضى منتصف العمر ، والحيرة تشغل كل بال وتحير كل وجدان وتكسر كل قلب وتدشدش كل فؤاد ، ولم يعد حتى بمقدورنا الاختيار ، لكن زاوية هناك تنتظر وشعاع هناك موقد يجذب وركن بعيد يملأه الهدوء يتأهب وقلب مجروح ود لو جُبر وبعض الراحة تنادي ، وما اسرع التفكير في تلبية الندا .
إني لا اريد معاتبة دهر لا يلين لي ، ولا اريد ان اطلب أمناً من صروف النوائبِ ، ولست ممتناً لشخصيات لاتزال اكثر تعقيداً ، ولا لمواقف صعبة حزينة ، ولا مصائب ونكبات ، ولا ظروفاً اشد قسوة من حرارة الشمس في صيف بغداد ، ولا لشيئ فيه الم ، فكل هذا وإن كان قد دفعنا لشيئ تفاديناه او مطباً ردمناه او طريق رممناه ، فقد كسر فينا شيئ جميل ففقدناه وودعناه ، واضاع احلاماً رغم بساطتها كانت اشد سعادة من ملايين الاثرياء ...لكن ما ضاع قد ضاع ، ومن الأجدر احياناً ان لا يموت المرء ، وإذا كان طوقاً من نجاة قد بزغ ، فإن خطوة لن تتأخر قد اوشكت على الحركة واني اراها وشيكة .