02:29 pm 19/02/2021
| منوعات
| 1755
يحكى أنه كان هناك ملك عادل حكم مصر وكان يحب بلاده ويسهر على راحة رعيتها حتى نعم الجميع بالأمن والرخاء لكن حدث بإحدى السنوات أن النيل لم يفيض فحل الجدب على أرض مصر وحزن الشعب وكذلك الملك الذي طلب حضور كبير الكهنة ليعرف سبب عدم فيضان النيل فأخبره الأخير أن النيل حزين لرغبته الزواج بفتاة بكر جميلة.
أمر الملك أن يذاع الخبر بأنحاء مصر بأن كل فتاة تريد الزواج بإله الخير والسعادة وتكون لها ذرية منه عليها التقدم للإحتفال بإختيار أجمل فتاة لتصبح عروساً للإله حابي، جاءت الفتيات من كل بقاع مصر طمعاً في زواج النيل وكان الكاهن الأكبر يختار الأجمل ويزينها.
وفي النهاية ، تلقي العروس نفسها في النيل وهى سعيدة بلقاء حبيبها إله الخير في العالم الآخر... قناعه منهم انه هيئة رجل ذو جسم قوى ولقبه بالإله حابي وتخيلوه كما أطلقوا عليه إسم الإله أوزوريس وإعتقدوا أن فيضان النيل على أرض مصر هو سبب الزرع الأخضر.
كان الإله حابي متقلب المزاج فتارة يأتي بمنسوب مناسب من المياه وتارة يأتي بفيضان يغرق الأراضي والبيوت أو تجف المياه نهائياً فيموت الناس جوعاً وعطشاً ومن ثم تودد له المصريون القدماء ليرضى عنهم ويهبهم منسوب المياه اللازم بتقديم الهدايا والقرابين للإحتفال بوفائه ومن هنا جاءت فكرة عروس النيل.إستمر هذا التقليد سنوياً لسنوات طويلة حتى أنه في سنة ما لم تكن هناك فتيات بيد أن الكاهن صمم على الإحتفال كيلا يغضب النيل ولما لم يجدوا فتاة سوي إبنة الملك الوحيدة وكانت كل ما يملك في الدنيا كما كانت ذات جمال بارع، قامت خادمتها التي حزنت عندما علمت بالخبر بصنع تمثالاً خشبياً على هيئة عروس تشبه بنت الملك تماماً وكأنها صورة منها وقالت للملك أن الإحتفالات ستقام بموعدها برغم حزنها الشديد على فراق إبنته العزيزة ثم قامت بتزيين العروس الخشبية وصممت أن تلقيها بيدها في النيل كيلا يكتشف أحد الأمر.
وتمت المراسم وإنتهى الإحتفال وأصاب الملك الحزن والكآبة واليأس على فراق ابنته الوحيدة ولازم الفراش وهو لا يدرى أن الخادمة أخفت إبنته في بيتها وجعلت منها إبنة لها إذ كانت لا تنجب واعتقد الجميع أن الأميرة رحلت للعالم الآخر مع حبيبها النيل.
ولما رأت الخادمة أن الملك يوشك علي الموت حزناً علي فراق إبنته أشفقت عليه وأعادتها إليه فعادت له صحته وبهجته وإحتضن إبنته وشكر الخادمة وقدم لها العطايا الثمينة.
روت الخادمة للملك القصة كاملة ومنذ ذلك الوقت صاروا يصنعون عروس خشبية على هيئة فتاة جميلة ويزينوهاويلقونها في النيل في عيد وفاء النيل بدلاً من الفتاة الحقيقية ومن هنا جاءت قصة عروس النيل.
في مصر القديمة، كان الفراعنة يقدسون النيل لكونه مصدراً للحياة والخير ويعد نهر النيل السبب في استقرار المصري القديم على ضفافه وعمله بالزراعة، حيث أصبح قادراً على إنتاج قوته، ثم انطلق إلى ميادين العلم والمعرفة والتقدم الهائل، ولذلك كان نهر النيل سبباً مهماً في حضارة مصر العظيمة وبناء الأهرامات الشامخة وبقائها حتى الآن ورمزوا له بالإله حابي وتخيلوه على هيئة رجل بجسم قوي كما أطلقوا عليه إسم الإله أوزوريس وإعتقدوا أن فيضان النيل على أرض مصر هو سبب الزرع الأخضر.
كان الإله حابي متقلب المزاج فتارة يأتي بمنسوب مناسب من المياه وتارة يأتي بفيضان يغرق الأراضي والبيوت أو تجف المياه نهائياً فيموت الناس جوعاً وعطشاً ومن ثم تودد له المصريون القدماء ليرضى عنهم ويهبهم منسوب المياه اللازم بتقديم الهدايا والقرابين للإحتفال بوفائه ومن هنا جاءت فكرة عروس النيل.
تضاربت الآراء حول تلك القصة فالبعض يراها أسطورة نسجها الخيال المصري المبدع لإعلاء مكانة النيل فيما يراها آخرون رواية نسجت بعصور ما بعد غروب شمس الحضارة المصرية القديمة ويذكر أحد الباحثين أن عروس النيل ليس لها أساس تاريخي ولم يذكرها إلا المؤرخ القديم بلوتارك.
وأياً كانت صحة الروايات من عدمها، استمرت عادة إلقاء عروسة خشبية في النيل بدلاً من الفتاة الآدمية التي،كانت تزف إلىه جزء من طقوس الإحتفال حتى الآن ، وهناك باحث فرنسي تفرغ لدراسة حكاية عروس النيل قال بأن المصريين القدماء كانوا لا يلقون فتاة في النيل ولكنهم كانوا يحتفلون بإلقاء سمكة ألاطم وهو نوع شبيه بالإنسان ويسميه بعض العلماء إنسان البحر لأن أنثاه تتميز بشعر ظهرها الكثيف ولها ما يشبه أرداف المرأة أما وجهها فأقرب لكلب البحر. وعندما تسبح تلك السمكة فوق الماء تتمايل كأنها راقصة.
كما كان قدماء المصريون أيضاً يزينون سمكة ألاطم بألوان زاهية ويتوجونها بعقود الورد والزهور ثم يزفونها للنيل في عيد وفائه فيما يؤكد البعض أن الحضارة المصرية حضارة راقية لم تعرف على مر عصورها الضحايا البشرية لأي معبود مهماً علا شأنه كما أن النقوش والنصوص التي وردت من مصر القديمة وصورت مظاهر الحياة وتقاليد المصريين لم تذكر حكاية عروس النيل، ولو كانت القصة حقيقية لما أغفلتها النقوش ولكن يبدو أن الذي أوحى بأسطورة عروس النيل هو ما كان المصريون يلقونه في النيل من تماثيل ذهبية في عيد وفاء النيل وبرغم ذلك عاشت الأسطورة بوجدان المصريين وتناولها الأدباء والشعراء والفنانون والسينما وما زالت تتردد كواقع.
وقد إحتفل المصريون بعيد وفاء النيل في العصور الوسطى علي نطاق واسع وكتب عنه مؤرخو تلك الحقبة، وفي عهد الدولة المملوكية، شهدت مصر إزدهاراً ثقافياً شمل حركة تأريخ غير مسبوقة فبحسب ما قال المؤرخ إبن إياس أشهر مؤرخي العصر المملوكي بكتابه بدائع الزهور في وقائع الدهور واصفاً ليلة من ليالي القاهرة المملوكية المحتفلة بالنيل عندما خرجت فيها سفينة سلطان مصر عائمة من بولاق ومزينة بالورود والأعلام وإستقبلها الأمراء عند مقياس فيضان النيل بالطبل والمزامير كما أن إلقاء عروس حقيقية في النيل لم يأتِ سوى في عهد المماليك حيث جاءوا بالفتيات المدربات على السباحة ليلقوا بأنفسهن في النيل ويسبحن حتى الشاطئ في كرنفال الإحتفال. وفي العهد الفاطمي، حظيت الإحتفالات بعيد الوفاء بإهتمام كبير، وكان هناك موكبان أحدهما لقياس منسوب المياه والثاني لكسر الخليج وتستمر لمدة 3 أو 4 أيام، وكانت الدولة بأكملها تشارك فيه من فنانين وموسيقيين ومعلمين وتجاريين وكل طوائف الشعب. أما في العهد العثماني، فكان يتجمع بمنطقة ساحل بولاق أسطول مركبات كبيرة عرفت بإسم العقبة وكان مزين بالأعلام والورود ويتوجه للسد عند مقياس الروضة فيضرب راكبيه السد بالفؤوس لينهار وتفيض المياه.
والى لقاء فى حكاية جديدة من "حكاوى دنيا".