الكاتب : عثمان علام |
08:25 pm 11/02/2021
| 2936
وجاءت لحظة دخوله المصحة ، للعيش مع أقران جدد وعالم أخر ، عالم موصول بحبل مخفي بين زمان قد مضى وزمان قد أتى ، وبينما هو كذلك وإذا بمحبوبته "مارجريتا"، يأتي بها زوجها للمصحة ، فقد تمكن منها المرض كما تمكن منه هو أيضاً ، واظلمت ذاكرتها ، كما اظلمت ذاكرته .
قصة الفيلم الأسباني "Alzheimer's"، طرحت حياة ما بعد الزهايمر ، "ايميلو" عالم الرياضيات الشهير والذي أحدثت نظرياته تغيير في مجرى حياة البشرية ، أحب في صباه "مارجريتا"، لكنه لم يتزوجها ، ومضت السنون وبعد بلوغه من العمر 70 بدأ الزهايمر يظلم ذاكرته .
بات يتردد "ايميلو"، على المصحة بصحبة إبنته لإجراء اختبار للذاكرة ، وفي كل مرة كانوا يختبرونه فى الرياضيات ، عالمه الذي يعرفه ، ومرة تلو الأخرى يقولون له : عليك البقاء فى المنزل ، فلم يحن وقت بقاءك معنا، لكن عليك أن تلتقط صورة لكل شيئ تتذكره ، وهنا بدأ يشعر بأهمية الهاتف المحمول الذي تمسك به حفيدته ، وتوالت الأحداث حتى وصل لأهم محطة في حياته ، فما هو الشيئ الجميل طيلة السبعون سنة ولم يتذكره !
وجد أن ملهمته قد غابت عنه ، لقد تذكرها ، عليه أن يرى "مارجريتا"، قبل أن يغيب وعيه وتمحى ذاكرته ، طلب من إبنته ان يبحث عنها ، فى البداية عارضته بشدة وسألته : الم تكن تحب أمي ؟ أجاب : نعم أحببتها لكن لم أكن مولع بها ، وبعد محاولات وافقت على طلبه، وبدأت رحلة البحث عن "مارجريتا" ، وبدأت حفيدته تشعر به ، فساعدته ببراعتها في تصفح النت والدخول على مواقع التواصل ، للعثور على "مارجريتا" ، وبعد خمسون سنة التقاها وقد فقدت الذاكرة ، وجدها تجلس على البحر وهو مكان أشبه بالمكان الذي كانا يجلسان فيه أيام الصبا ، اقترب منها وناداها "مارجريتا" أنا "ايميلو"، ألا تعرفيني؟..لم تعرفه ولم تتذكره ، لكنها أحست براحة في وجوده ، لقد كانت تمسك بمنديل ترسم عليه حرف "L"، وهو نفس الحرف الذي كانت ترسمه على الرمال أيام الصبا مع "إيميلو "، وهنا تساقطت دموعه ، وشعر أنها تحس به رغم انها لا تتذكره .
سرعان ما تمكن الزهايمر من "ايميلو"، وفى الاختبار الأخير وبينما كادت الذاكرة أن تظلم تماماً ، التقط ايميلو صورة تذكارية مع ابنته وحفيدته ، لقد كان مشهد أشد مأسوية حتى لحفيدته الصغرى التي كانت سليطة اللسان ودائماً تنتقد تصرفاته ، كانت الصورة بالنسبة لإبنته هي الوصول لأخر الرحلة مع أب انجبها وعاشت معه حياة طويلة وتتباهى به حتى أمام مجتمع لا يعرف التفرقة بين البشر ، وكيف لا وهو العالم الفذ الذي ساهمت نظرياته في رسم مستقبل أخر للرياضيات فى العالم .
وجاءت لحظة دخوله المصحة ، للعيش مع أقران جدد وعالم أخر ، عالم موصول بحبل مخفي بين زمان قد مضى وزمان قد أتى ، وبينما هو كذلك وإذا بمحبوبته "مارجريتا"، يأتي بها زوجها للمصحة ، فقد تمكن منها المرض كما تمكن منه هو أيضاً ، واظلمت ذاكرتها ولم تعد تدرك ولا تعي من عالمها شيئ ، جاءت لتقيم مع أقرانها وشركاء المرض" الزهايمر"، وهنا يلتقي "ايميلو" ب "مارجريتا"، وتظهر احاسيس الماضي المفقود ، ويقبع الإثنان تحت سقف واحد ، سقف فشل أن يضمهما في صباهما ، لكنه جمعهم من جديد عند ولادتهما من جديد ، لتبدأ قصة جديدة لحب جديد ، حب لا يعرف عن ماضيه سوى شعور الراحة والإحساس والسكينة والالفة والمودة ، حب تدفعهم اليه ذكريات قد نسيت ، لكن يحركها شعور دافئ ، شعور غير مرئي لكنه محسوس ، ليبدء الإثنان مرحلة "ايميلو" و"مارجريتا".
وهنا يأتي السؤال: هل من الممكن أن تبدأ حياة أخرى بعد الزهايمر ؟.. وهل من الممكن لكبار السن عندما تخلو ذاكرتهم من الماضي وينعدم الحاضر ، ويغيب المستقبل ، أن يرسموا لأنفسهم حياة جديد يعيشون فيه وكأنهم يبدأون مرحلة أخرى في عالم أخر ؟
ربما تأتي الإجابة ب"نعم"..فكل إنسان طالما لديه قلب ينبض ، وأنه لم يفارق الحياة بعد ، يستطيع أن يعيش حياة أخرى ، حياة جديدة ، حياة قد تفرضها عليه ظروف اللا إرادة واللا وعي ، لكنها حياة قد يحس فيها بذكريات الماضي الجميل التي لا يتذكرها .