الكاتب : عثمان علام |
08:00 pm 11/06/2020
| 1481
أمس الأول ، توفيت زوجة الكاتب الفيلسوف والأديب وكاهن الصحافة الراحل أنيس منصور ، وللأسف لم نجد من ينعيها ولو بكلمة واحدة ، اللهم إلا الكاتب سليمان جودة الذي يعرف لأنيس منصور وزوجته قدرهما ، ولو زوجة أنيس منصور رحلت وهو على قيد الحياة ، ولو كتب الله له أن يقف ليتلقى عزاءها، لكان الذين وقفوا على بابه طويلًا يتمنون كلمة واحدة يجرى بها قلمه قد بادروا بتقديم واجب العزاء فيها على الصورة الواجبة ، غير أن مشهد رحيلها الصامت يظهر ويلقي الضوء على فصل متجدد فى تصوير طبائع البشر في هذا الزمان .
لقد أحب أنيس منصور زوجته السيدة رجاء فريد حجاج ، وكان يتمنى أن لا ترحل قبله ، فهو لا يطيق فراقها ، فقد كانت الحب الوحيد الذي عرفه بعد حبه لأمه ، لكن ظلت كتاباته تلقي الضوء على أمه دون غيرها ، بل كان أحياناً يكتب ما يعتبره البعض ضد المرأة ، رغم عشقه الشديد .
أهّلت أقوال أنيس منصور عن المرأة ليرث بجدارة لقب "عدو المرأة" عن أستاذه ، عباس العقاد، وهو اللقب الذي تبرأ منه منصور، وقال إن المرأة هي التي تعتبره عدوًا لها، بسبب صراحته في مواجهتها بحقيقتها.
ومن أقواله: امرأة وراء كل عظيم، كأرض منخفضة وراء كل جبل..وسعيد من يجد امرأة يحبها، تعيس من يجدها ثم يتزوجها..والمرأة تفضل أن تستسلم للرجل الذي يرغمها، وليس للرجل الذي يقنعها".
علاقة الرجل ، الذي شاكس المرأة تارة وهاجمها أخرى، بوالدته كانت من نوع خاص، فقد أحبها حبًا شديدًا تعذب معه وشقي به، وقال عن حبه لأمه في مقال تحت عنوان "كرهت الحب"، ضمه كتابه "وداعًا أيها الملل": حب أمي يعذبني فعلا.. إنها سلبتني أعز ما أملك.. سلبتني حريتي.. إنني أصبحت أشعر بأنني حارس لإبنها..الذي هو أنا.. بأنني حاميه.. بأنني أمانة.. في عنقي.. بأنني "عهدة" يجب أن أسلمها إلى صاحبتها وهي والدتي.. بأنني يجب أن أصون نفسي..ألا أتعب..ألا أتقلب في فراشي.
إن حبي لأمي جعلني أتحول من صاحب مال إلى حارس لهذا المال، من صاحب عمارة إلى بواب ، من ابن إلى كلب يحرس هذا الابن.
فأمي لا تتصور أبدًا أنني من الممكن أن أمرض أو أتعب أو أتعذب..إنها تحزن في عجز ، فكل ما تملكه أمي هو بضعة ملايين من الدموع ، ومثلها من الدعوات 3 مرات في اليوم.
لقد كرهت حبي..كرهت حبي لأمي لأنه يعذبني لأنه يحرمني متعة المرض، متعة الصراخ بأعلى صوتي وقول: آه.. متعة تبديد نفسي..إهدار صحتي.. ممارسة حريتي..فإنها هي المرض الغريزي..المرض الذي أوصت به السماء في كل دين.
بكى أنيس منصور أمه، بعد وفاتها، بحرارة، وقال "كم أحببت هذه الأم وبكيت وما زلت أبكي فراقها فقد دفعتني للتفوق والقراءة، وحفظ القرآن في طفولتي ، كانت أمي وصديقتي في طفولتي وصباي".
قبل وفاته أوصى وهو على فراش الموت ، أن يدفن بجوار أمه، وفي 21 أكتوبر من عام 2011 مات أنيس منصور ودفن بجوار أمه في مقابر مدينة نصر ، وبعد وفاته بتسع سنوات ماتت رفيقة دربه...رحم الله أنيس منصور ورحم أمه وزوجته ، ورحم الأخلاق التي اندثرت مع زمان طغى عليه المال والسلطة والنفوذ .