هَلْ يَكْفى ثراء العائلات المِتْوَارثة العَمْل بشركات البترول وغَيْرها؛ لكىّ تمْنَح صَكّ استحقاق الحُبّ..؟وهل يَكْفى أنْ تكون صاحب وظيفة مَضْمونة، مثل مؤسّسات البترول والبنوك والاتصالات؛ وغَيْرهم لتستحقّ الحُبّ..؟ وهل يُمْكِن للتصّاعد الهَرْمي لعائلات؛ توارث الأبّ والأمّ والأبْناء؛ وقد يَصِلُ للأحْفَاد العَمْل بقطاع البترول؛ أنْ يحلّل أوّ يحرّم وَحْده حُبّا، بِدْعَوى عَدْم كفاءة، وحاضر اختلاف طبقى؛ وتباعُد وَجَاهة اجتماعيّة وغَيْره، ونَنْسى ماكُنّاه أمس..؟وكَيْف كان حالنا وثقافتنا؛ وقلّة ماتحمله جيوبنا؛ وتواضع مانرتديه؛ وجريْنا خلف أتوبيسات الشّركة المتواضعة حتى لاتفوتنا؛ فيلتحفنا إرْهَاق مواصلات عامة، ويَحْزننا خَسْر أمْوِال.....إلخ
ونغفلُ يَوْم خطونا أوّل درجات السُّلم الوظيفي..؟
فمِنْ حَكْىّ الواقع؛ نطرحُ إحْدَى صور القضايا الاجتماعيّة.. والتي قد تقابل الكثير مِنْ العاملين والعاملات بقطاع البترول.. كأحد نماذج الطبقات العُليْا من شرائح المجتمع المَصْري؛ قُبَيْل تأرجحها بَيْن الشّرائح العُليْا من الطبقات الوسطى؛ والمنتصف؛ بعد تعويم الجنيه وارتفاع الأسعار..إلخ
وماهو بنموذج مقصورعلى واقع وبيئة العَمْل البترولي، إنّما نجده حاضراً بقوّة في كثير من الكَيْانات المُتشابهة، كَمْا هو بمناخ البنوك والشركات الخاصة الاستثمارية... وغَيْرها، وليس بغريبٍ؛ أنْ يَطْرِق أبْوَاب دِيْار كُلّ العائلات المصريّة باختلاف فئاتها.. وتعالوا نتأمّل برفق؛ ونحن نتهادى على مَمْشى أحرف حدّوتة حُبّ؛ لم تنته بَعْد..
،،،،،
(1) زخّات حُبّ
والدها مُدْير عام سابق بكبرى الشركات.. سمعة مدويّة محليّة وعالميّة؛ ومؤثرة بالقطاع الاقتصادي بمصر، ووالدتها التي تزوجته قُبَيْل أنْ تغدو أمّها؛ زميلته بِنَفْسِ الشّركة..وبالتالي لم يترك الوالد العَمْل؛ إلا وقد حلّت الشّابة الجميلة بها..وتمرّ الأيام..وتتسلّم الفتاة رُخْصَة قيادة لسيّارة فاخرة، وتحت تَصْرّفها آلاف من الجنيهات شهريّاً، وعدد من كارنيهات نوادى الطبقة الراقية ـ كما يقال ـ طبقاً للتصنيف المادي، بحُكم الوراثة والأعراف والتقاليد..ويمِنّ الله عليها برزق حُبّ مهندس بترول متفوّق، وفجاة تكتشف العائلة أن والده (حارس عمارة)، المًصْطَلح المُهَذّب لكلمة (بَوّاب).. وزوجته إمْرَاة مُكَافحة..والشّاب المًهَندس يعتزّ بعائلته.. ويفخرُ بها.. ويودّها..ويرعى حقوق ربّه فيها.. ويقضى أجازاته بين أحضان عائلته.. وتشجيع استمرار تفوّق شقيقته.. وتعضيد طموحاتها.. وتوجيه تميّزها.. وهي التي تتمنّى أنْ تصبح طبيبة..والشّاب مستقيم ويعرف حدود ربّه، إذا ما أغرته نفسه يوماً.. ويغترّ بتميّزه المادي، أراح والده بكنس مدخل العمارة.. فيجري والده يخطف المكنسة.. ولكنه بكلّ حُبّ.. وحنان الإبن.. ورفقة ورقة ردّ.. يقول له:
- أبي دعني.. أطهر نفسي..ألاتتمنّى لنا أن نكون مثل الشيخ متولى الشعراوي.. الذي كنت تجمعنا كُلّ مَسْاء على حُبّ حديثه.. وذِكْرَى سيرته.. وتمثل قدوته.. واقتداء سلوكه..ويحترم إصرار الأبّ على البقاء في عَمْله.. ويقبل يَدّ والدته؛ التي تأبى أنْ تترك والده لوحده، وتذهب معه وشقيقته في شقته الجديدة.. التي يعدها لحلم الزواج..وتأبى والدة البنت لحبهما أنْ يتمّ بالزواج..!
ويضحى الشّاب المهندس.. ويطلب نقله إلى شركة أخرى.. ليبعد عن مسارات وحدود محبوبته..وأمام وفاء حُبّه، يرفضُ الكثير من العروض المَجّانيّة التى تنهالُ عليه للزواج من بنات الأمّهَات العاملات.. وغيرهن..ويرضخ والد الفتاة للأمّ، التي تقود العائلة بأموال الشركة الكبرى؛ التى تدفق عليها بحكم الوراثة.. ورغم أن ظاهرها التشدّد في المظهر الإسلامي.. وبناتها من المحجبات..وقلب الأب الطيب.. الذي يحلم بإسعاد ابنته.. يرضخ قلة حيلة أمام مرضه.
(2)رسالة جلباب أبي:
أنا الشاب المهندس العاشق.. إبن (حارس العمارة)؛ وليس (البوّاب) كما تذكر..
ومع احترامي وتقديري لكلّ من يعمل في هذه المهنة.. وعلى هامش ماذكرته من حَدّوتة الحُبّ الجميل الخاصة بي؛ أوضح لحضرتك التالي..شاب صغير ينزحُ من ريف مصر الفقير هو أبي.. ومع إيمانه بالله؛ يتكأ على عافيته وصحته والشهادة الإعدادية.. وطموح خَفْيّ.. بَيْنه وبَيْن ربّه.. وزوجة تكاد تعرف القراءة والكتابة.. لم تحصل على شهادة الابتدائية.. ويوافق الرجل الطيب على العمل حارساً لعمارة جديدة بمنطقة راقية، صاحبها رجل فاضل، يستشرف فيهما الأمانة وبشاشة الأصل.. وحاجة الطفل ـ الذي هو أنا ـ وقد كنت غيْباً في بطن أمّي وقتها..ويسكنُ أبي وأمي ببدروم أسفل السلم.. عبارة عن حجرة واسعة.. ومطبخ صغير ودورة مياه.. وممرّ عبارة عن ثلاثة متر في مترين.. معقول ومريح نفسياً.. أيّ بما يشبه (أستوديو) بلغة الحاضر..وتبدأ رحلة كفاح أبي منذ الصباح.. تنظيف وكنس ومَسْح وحراسة للعمارة.. ويرفضُ أنْ تساعده أمّي في جميع الأعمال..( طول ما أنا بصحتي.. لاتنحني أمّك أبداً ياولدي.. وإنْت أيضاً.. خلّيها واقفة دايْماً.. رافعة راسها دنيا وآخرة.. دي هيّ اللي شايْلانا.. وتد وعَصب البيت.. وعَدْلِة المَايْل.. وضَهْر النّفس اللي لمّا تنحني.. إوعَ في يوم مِنْ الأيّام؛ لمّا تكبر تِنْسى الكلام ده.. أمّك ثم أنت وما يهوي قلبك بما يرزقه ربّك..!)
ويتحوّل أبي لرجل صعيدي.. يموتُ ولايرى زوجته تروح وتجىء أمام المّارة.. ويتخطاها أحد؛ وهي تمسح.. أو تكنس.. أو..أمّي ذات الملامح الدينية الجميلة.. سكون؛ وخشوع؛ وعدم نفور؛ ولاضيق من أيّ شئ.. إنّها الموافقة التي حلّت الدنيا؛ دون أنْ تَعْرِف طريقاً للإباء.. ولا أزقّة وشوارع للتململ.. والترحاب الأسري الآسر للروح؛ ببشرتها البيضاء الرقيقة.. ورقيّ حركاتها وإيماءات شفايْفها الهادئة الدقيقة.. والاهتمام المُلتحف بالصغير والكبير ونظرتها الثاقبة.. حنّيتها تضمّ كلّ مَنْ هو أمامها رَحِم أم.. وهدهدة فراش مَهْد طفل..أمّي نِسْمَة رقيقة؛ وعطف فيّاض على الجميع دون استثناء.. من يستحقّ وغَيْره..أمّي هى النسمة النديّة بكلّ غزوة غضب أو هَجْمة حاجة للمال قبل الراحة.. لاتعرف إنفعال؛ ولا ثورة؛ ولاصوت عال.. ولاتأفف ولاتبرّم من شظف وضيق عَيْش.. وفاقة قدر.. أو ندرة يُسر حظّ.. وقلة حيلة الأيام.. تُناجى الربّ في المرض قبل الصحة (ربنا ياخد منكم ويدّيني.. أنا بحب ربنا.. وهو بيحبني.. فيارب مايصيبني فيكم أبداً..)
وتشعرُ وهي سارحة مع إذاعة القرآن الكريم؛ بروحانيّة وهدوء يشعّان من جانبيّ وجهها؛ ليعطر شقتنا الصغيرة بأريج من رضى الجَنّة؛ وسماحة ووداعة تشتاق لحّ شغف للقا ربّ.. لاتعرف من الدنيا غير بَسْم القناعة والشّكر لله..
أمّي يبحرُ في عَينيها حنان كُلّ أمهات الكون.. وموجها عطوف؛ دون عصف ولاهَدْر.. وتشعر بنظراتها دعوة شواطىء تتخلّل مسامات روحك خدر وصفاء وسموّ من جنَان رحمن..لاتعرف سوء قول.. ولانفور فِعْل.. ولاثقل لبّ أمر.. ولا ضوضاء.. ولاصخب حركة.. وكأنها رطب شجن؛ يلبّي لروحك كُلّ جميل؛ حتى ولو لم تتكلم..
،،،،،
وتبدأ رحلة أبّي.. يصلي الفجر.. ويمرّ على نظافة وحراسة كُلّ مكان في العمارة.. ويترقّب أيّ بائع جائل يلبّي حاجة السكّان.. ويتابع تنظيف حذائه في قطعة حديدية أمام المدخل.. ثم سجّادة موكيت صغيرة؛ قبل الأسانسير بمترين.. حتى عوّدهم جميعاً..ومن بعدهم حامل الأنابيب.. وقارئ ومحصّل الكهرباء.. والمياه.. وغيرهم ولايسمح لغريب بدخول العمارة؛ إلا إذا عرف من يريد.. وهل أحد في الشقة الصّاعد إليها؛ أم لا.. وإن كان الأبناء فقط؛ يصعد معه..وينادي عليّ لأحلّ محلّه؛ لمُدة لم تكن تتجاوز ربع ساعة.. ثم يعود على عجل لمكانه الأثير؛ أمام باب العمار؛ في تعجّل ولهفة وشوق موعد حبيب.. وخوف من طول بُعاد.. ودفعه وتشجيعه وتحفيزه لي ولأختي لمُلاحقة الوقت؛ واحتضان الكتب والعودة للمذاكرة.. وتذكيرنا بحرصه الدائم على رفقة حلمه لنا وأمله فينا..
وأحياناَ يصرّ أبي على تسجيل بيانات بطاقة أيّ متعامل غريب مع سكّان العمارة.. ويسجّلها في أجندة خاصة.. قبل أن تظهر شركات الحراسة.. ويغلق الباب الحديد الخارجي بالقفل بعد الساعة 12 ليلاً.. وكُلّ سُكّان العمارة كان معهم مفتاحه.. وكُنْت أشعر به.. وأجده ينتفضُ؛ عند كلّ صوت يصدر لحظة فتح الباب الخارجي، ويجري للتأكد من الداخل.. وكأنه باب شقتنا الصغيرة؛ والقادم لزيارتنا نحن.. ويحرصُ على أنْ يسلّم عليه.. ويرحب بعودته..وكم كنت أشفق عليه خاصة يوم الخميس أسبوعيّاً؛ حَيْث يكثر السّهر.. ويطولُ الغياب.. وينامُ بعين مغلقة وأخرى مفتوحة..
،،،،،
هذا هو أبي حارس العمارة؛ وليس (البوّاب)..!
ويعجب مالك العمارة بأبي.. ويسامره رفقة وِدّ.. وجوّ أسري في كثير من الأمسيّات أمام الباب الخارجي.. حيث لايدخل أحد إلى بيتنا وعشّنا الصغير أسفل السلم.. حرصاً على توفير المناخ اللازم للتعليم والتفوق بدراستنا.. فقط؛ كان يدخل ليتوضأ؛ ويسرع للذهاب إلى المسجد المجاور للعمارة.. ويجعلني أحلّ محله والكتاب بيدي؛ عقب الحضور من المدرسة..وهو يستأذني (معلش ياباشمهندش.. شويّة بَسّ؛ بدل أبوك لغاية لمّا أصلي، وماتعملش فيها راجل؛ ولاريّس؛ ولا عيّل مراهق.. فاهم ياكبير)..
ويطلّ علينا من أجل تذكيرنا بأوقات الصلاة والمذاكرة.. وأكثر مُدة غياب؛ كانت لاتزيد عن نصف ساعة.. ويعود ليقرأ كُلّ ماسجلته من أسماء زوّار غُرباء؛ حضروا للعمارة خلال فترة الغياب؛ وكيفية التصرّف..ويدفعني بحماس وودّ؛ لأعود رجلاً لأختي وأمي.. وأكمّل مذاكرتي..والتزام أبي المرن.. وروحه الشابة الجميلة.. وقراءاته لصحف ومجلات عم (زاهر)؛ صاحب الكشك المجاور لعمارتنا..نعم هي عمارتنا.. لأننا كنا نعتبر أنفسنا من قاطنيها.. وهي عالمنا.. ووطننا.. وأمننا.. ولسنا أولاد (بواب عمارة) بالمعني المسئ.. أو ذى قبح السمعة لدى المجتمع..ويصادق أبي أغلب السكان.. ويستأمنوه على بناتهن وأولادهم.. وزوجاتهم وحُرْمَة بيوتهم.. وتجاوز الأمر لإبلاغه بأسرارهم.. وأمكنة ومواعيد رواحهم ومجيئهم.. وطول المدّة؛ التي من الممكن أنْ يستغرقها مشوار خاص لأحدهم.. بل ويطالبونه بمراعاة أولادهم.. أو(تِشْقَّر) أمّي على بناتهن؛ إنْ كُنّ لوحدهن بالبيت.. صغارأ أوكباراً..ويرحب أبي بحُبّ.. ودفء ورغبة أسريّة، دون ثقل أو تكلّف أو مطالبة بأيّ مقابل..وماكان يقبل (صدقة)؛ كما يسمّيها ثوب قديم أو جديد له؛ ولا لأختي؛ ولا أمي؛ ولا لي؛ من أيّ فرد عامة.. ويشدّد علينا في ذلك.. وألا نرتدي؛ ولانأكل؛ إلا ماهو من رزق ربّنا لنا..
وأنه ربّ الأسرة.. والمكلّف بها.. وعاهد ربّه ألا ينكسر؛ وألا يرى أحد من أهل بيته؛ يسأل إلا الله وحده دعاءً والتماساً وطلباً..
ومادون ذلك (الله الغني.. اللهم إغننا بك عن سواك أبداً.. يارب) هذا دعاء أبي نهاية كُلّ صلاة فجر..مرّة واحدة وافق على هديّة عبارة عن (عفريتة).. بدلة الأمان وحذاء (سيفتي).. مثل تلك التي بأقدام عمال البترول؛ ليستخدمها عندما يغسل السيارات..(يارب أشوفك مهندس كبير.. وتلبس أجمل منها.. وأشمّ فيها عرقك.. ورائحة البترول)..هكذا كان يقول لي وهو يرتديها؛ وأمي تساعده.. وتصلني حنيّتها المتناهيّة (يارب يابني أعيش؛ وأغسل لك أول بدلة..؟)
ذات يوم؛ تمرض أمّي.. أثناء حملها في أختي.. وفي صَمْت يهمس لي (باشمهندس.. إنت خذ مكاني.. حارس البيت والعمارة.. وأنا استأذنت عمّك (جابر) صاحب العمارة.. وسآخذ أمك للمستشفى.. حطّمن وأرجع على طول.. أيّ حاجة كلّم عمّك لغاية لمّا آجي..؟) رغم وجود أطباء بعمارتنا.. ويخدم الجميع.. يعتمد على مساعدة الربّ.. ولم يرد أن يزعج أحد..
،،،،،
هذا هو أبي (حارس العمارة)؛ وليس (البوّاب).
الأيّام تمرّ.. ومصروفات الدراسة تتزايد.. ونحن نكبر.. ونحافظ على تفوقنا.. ويبدأ أبي يكثف عمله بغسيل السيارات للسكان؛ نظير ما يعطونه؛ دون أن يسأل كثير أوقليل.. بل غالباً ماكان يتمنّع.. وأحياناً يذهب لشراء الكتب الخارجية من عمّ (زاهر)، صاحب الكشك المجاور لنا، والرجل يعطيه مقابل زهيد نظير جهده..
وتتطوّر صداقته بالمالك.. ويحبّه الرجل عن حقّ.. وكثيراً مانجد أن مصروفات الدراسة؛ وتكاليف المجموعات المدرسيّة؛ قد دفعت دون أن نعلم؛ غَيْر أنّ ذلك نظير تفوّقنا.. ولكن الحقيقة التي عرفناها لاحقاً؛ أنّ الرجل الطيّب هو الذي أبلغ الإدارة والمدرسين؛ أن تخبرنا ( بأنها منحة تفوّق..!)
وتتنامى علاقة الأخوة بين أبي ومالك العمارة.. وكان يلحّ على أبي (ياراجل.. إلا أنا.. دا النّبي وصّى على سابع جار.. وإنت أوّل جار للجميع.. وجمايْلك مغرقانه.. وكفاية حمايتك وحراستك لبيوتنا وأولادنا قبل عمارتنا.. دا الناس ياراجل بتحسدنا على جيرتك لينا.. متبقاش صعيدي.. وبعدين يا أخي دا النبي قبل الهديّة.. ودول ولاد أخويا.. وواجب العيش والملح.. أنا مش أيّ حدّ.. ده عيش وملح.. وعشرة عُمْر.. ومهما عملت مِشْ حاقدر أوفّي الأمان؛ اللي وجوده محسسه بيه.. ومدفّى بيوتنا وحارس وَلادنا.. دي كبيرة ياأبو الباشمهندس.. ودي هديّة نجاح وتفوّق الأولاد.. مش ليك ياسيدي..!)
وفي الأعياد والمناسبات؛ يدخل علينا الرجل الطيب وزوجته؛ بما يكفينا طوال العام كله؛ وأكثر من ملابس راقية، نحافظ عليها كجلدنا.. وتعيش معنا أكثر من عام.. حتى نتفادى تكرار زياراته.. وإحراج عطاياه وهداياه.. ويحلف على أبي؛ أنه ماخارج بهم أبداً..وفي المقابل كان أبي يفيض بعطاءات جسده وروحه في خدمة العمار.. وكأنها حرم بَيْته.. وسكانها عائلته.. فيلمّع سلم العمارة حتى يبرق.. ولايجعل سيارة تقف أمام الباب الرئيسي.. ويخصّصه لصاحب العمارة وأولاده.. ولايأخذ أىّ أجر على خدماته من غسيل أو تنظيف لسيارتهم.. أو أىّ طلب يقضيه لأهل بيت صاحب العمارة الكريم، مهما ألحّوا عليه..وكثيراً ما يشتري زرعاً.. وأدوات تنظيف من جيبه الخاص؛ ولايأخذ ثمنها.. ويسدّد الفواتير قليلة القيمة؛ من كهرباء وثمن أنبوبة البوتاجاز.. قبل دخول الغاز طبعاً.. وذلك قبل زيادة الأسعار من جيبه الخاص.. دون أن يقبل قيمتها؛ كنوع من رَدّ الجميل..
ورغم إلحاح الرجل؛ إلا أنه يرضخ جبراً بخاطر والدي.. ويأخذه في حضنه (ربنا يديم المعروف.. يارب)
،،،،
ولم يكن أبي يأخذ عمولة من بقّال أو مَغْسَلة أو مكوجي.. إلى آخره؛ نظير اختصاصه بطلبات العِمْارة.. حرصاً منه على الحصول على الخدمة على أعلى مِسْتَوى.. وألا تكسر ذاته أبداً..
وكثيراً ماكان يفاصل ويفاضل؛ مثل صاحب الحاجة وأكثر.. وبذلك يكتسبُ احترام الجميع.. وظلت رأسه ورأسنا مرفوعة؛ دون إحساس بنقص؛ أو كسر نفس..ويرفضُ عملي في الصيف.. فقط أساعده لحدّ ما في خدمات العمارة.. ويدفعني لمزيد من الدورات في اللغات.. وكورسات الكمبيوتر.. (يابني إنْت وأختك مِشّ أقلّ مِنْ أيّ طالب.. والعلم هو الحياة وأكبر استثمار للوقت..)
،،،،،
هذا أبي (حارس العمارة) وليس (البوّاب)..
ولحبّ وثقة عَمّ (جابر) مالك العِمْارة بأبي، يكلفه بتأجير شقة خالية.. وقانون أبي عدم تسكين العذّاب.. أو الطلبة.. فقط؛ طالبات الجامعة.. لقرب سكننا من جامعة القاهرة.. ويستقبل كُلّ حالة.. ويعمل لها كشف هَيْئة.. وقسم خاص بالأجندة.. يسجّل به حالتها الاجتماعية؛ وتليفوناتها؛ وأسماء أولياء أمورهم؛ وأقاربها؛ وأماكن عملهم بالقاهرة والمحافظات.. وصورة البطاقة الشخصية..وإنْ لَمْ يقابل وليّ أمْرَها؛ يسافر ليتأكّد من العائلة والبيت وبيانات الطالبة.. ويضع جَدْوَل لمواعيد الحضور؛ ويتابعهن وكأنه والدهن.. وكان يأخذ رأي والدتي قبيل صلاة الجمعة، ونحن نفطر بشأن البنات ومواضيعهن.. (إحنا عندنا ولاية يا أم الباشمهندس.. وبكره مراته تبقى واحدة من بناتنا!)
ثم يجلس مع المالك؛ ليقرّرا اختيار أنسبهن من الملتزمات والمتفوقات للعيش معنا.. وإنضمامهن لأسرة العمارة.. ولا أعرف كان أغلبهن من كليات الطبّ والهندسة والصيدلة والإعلام والسياسة والإقتصاد.. ونادراً؛ بعض الحالات الخاصة من الكليات والمعاهد الأخرى.. وفي منتصف كل عام دراسي يقيّم الطالبات؛ ومن لاتلتزم بقواعد أبي في الانضباط؛ لايجدد لها، ويعطيها مدة زمنية للبحث عن مكان آخر..ويرعى الله فيهن كوالدهن.. ويحرص على شراء كل مستلزمات شقتهن.. وكثيراً؛ يجعل والدتي تساعدهن كأمّ.. وفي نفس الوقت تكون عينيهاً عليهن.. وتوفر لهنّ الوقت اللازم للدراسة.. ولكنها كانت ترفض اختلاط أختي الصغيرة بهنّ..
وإذا ما تصادف وتقابل وإحداهن في فترة متأخرة ليلاً (الوقت بيسرق البني آدم.. والفرق بين الشاطر وغيره؛ هو الحرص على الوقت.. لو نظمتيه واستغلتيه صَحّ؛ إنت الكسبانة.. وحاتعملي كل حاجة حلوة في حياتك.. إطلعي يابنتي.. اكتبي كل اللي إنت عايزاه.. وسأبعته لك فوراً..)
وفي إحْدَى المرّات وَجْدني أبي أتطلع لجمال إحدى الطالبات.. وقرأ في عَيْني شجن روح.. وتطلّع هوى.. ولحقني بكل ودّ وبَسْم هاديء.. ويحتضني (ماتستعجلش ياباشمهندس.. بكرا لمّا تبقى مهندس كبير وناجح.. الحب سيطرق بابك.. وسياتيك أكبر رزق عُمْر.. وقتها بسّ تستحقه من الله عَزّ وجلّ.. وسينزل عليك زىّ القضا المستعجّل.. والجمال سيختلف.. وحيكون كتير قوي قُدّامك.. وحتكتر اختياراتك.. ويجيلك الأفضل باستمرار؛ كل ماكنت مع الله أفضل دائماً.. خليك مع الله ياحبيبي.. وأُدخل إتوضى وصلّي ركعتين لله.. إنت دلوقت طالب وبسّ.. وبكره نفرح بيك أكتر وأكتر وأكتر..)..
وأقبل ما أسيب حُضْنه يلاحقني:
ـ ماتنساش دول إخواتك.. إخواتك وبسّ..
وتتسع دائرة المحبين لأبي من أسر وعائلات الطالبات؛ وكثيراً ماتمتلئ شقتنا الصغيرة بالبدروم بهداياهم من الفطائر والزبدة والعسل والجبن القريش والبيض وفواكه.. وغيرها من ثروات القرية المصرية وقتها؛ خاصة مساء الجمعة عند عودة الطالبات من زياراتهم الأسبوعية أو زيارات آهاليهم.. وعند نجاحهن..
وكان أوّل من يهادي منها مالك العمارة؛ ويكاد يقاسمها بيننا وبين عائلة الرجل الفاضل؛ ويلحُّ عليه (ده خير ربنا كتير.. ولولا إني حارس عمارتك؛ ماكانت تأتينا هدية جميلة زىّ كده.. والله ماحاتدخل جوف حَدّ من ولادي؛ إلا وولدك قبلهم..
ياحاج دي هدايا من الله.. فأجبر بخاطر البنات.. وخاطر أمّ الباشمهندس؟)
ثم يسرع أبي بتوزيع ماتبقى بيننا وبين كُلّ من حولنا من المتعاملين مع أبي.. وكُلّ العمال المارّين بالعمارة (دي اللقمة المقسومة على الجماعة بركة ورضى نِفس.. واللي ييجي من الربّ من غير موعد رزق كُلّ العباد.. ربنا يبارك بالعافية والستر على الجميع..)
والأكثر من ذلك؛ اعتراف أولياء أمورالطالبات براحتهم الكبيرة؛ وإحساسهم بالأمن والأمان وراحة البال في ظلّ رعاية أبي لهن.. وأصبح هو مكمن الأسرار واستشاري المشاكل الاجتماعية.. وبديل حضور أولياء أمورهن للزيارة وتوصيل رسائلهن.. وأيضاً مخزن الاحتفاظ بما يورد إليهن لحين حضورهن من الجامعة.. وحلّال المواقف التي تتطلب وجود رجل معهن؛ لإنهاء مصالحهن بالقاهرة..ومن شدّة الاهتمام؛ يمنع أبي أيّ رجل غريب غير الآباء من الصعود لزيارة البنات؛ ويستضيفهم بشقتنا الصغيرة، أو على الأريكة أمام العمارة.. ولايسمح إلا للسيدات فقط؛ بعد التحقق من شخصيتهن.. وغالباً ماتكون أمي برفقة الغريبات.. وتتحقق منهن..
،،،،،
هذه صور ومشاهد بانوراميّة من حياة والدي.. (حارس العمارة) وليس (البواب).
ويرفض أبي أنْ يترك العمل بالعمارة؛ عندما أصبحت مهندساً.. حلم حياته.. وتدرّجت من مكان لآخر؛ ببركة ربنا ودعوات أبي وأمي.. ووفرت له العمل إنْ أراد بإحدى شركات الخدمات؛ التى تتعامل بها شركتي.. وينظرُ إلىّ وابتسامة جميلة تكسو وًجْهه (سيادة الباشمهندس أنا هنا مدير.. كل دور في العمارة قسم خاص بي.. ولي بصمات في كُلّ شقة.. وكُلّ طفل بقى راجل.. وكُلّ بنت أصبحت أمّ؛ شاركت مسيرة حياتها..هنا أنا مدير شركة نظافة.. وضابط حراسة وأمن.. ومكتب خدمات.. ومايستروا نظام.. وعُمْدَة حىّ.. وشيخ حارة المنطقة..
وعلى مدار عمري؛ بقيت جزء من العمارة.. وهى جزء مني.. تربيتكم.. لعبكم.. فرحتنا وأحزانا.. لمّة شقتنا الصغيرة.. وريحة أنفاسكم في كُلّ جزء.. على الحيطة والفرشة.. بتقابلني أوّل ما أدخل للبيت.. وتودّع تعبي أول ماتخرج منه.. وتستقبلني بريحة جلبيّة أمك.. هنا يابني عالمي.. دُنْيتي اللي رزقني بيها الله.. ولايزل يرزقنى ويزداد يقينى برضاه عنى..
حُبّ أمّك وعطفها وحنيّتها.. وأخوة عَمّ (زاهر) وعمك صاحب العمارة.. والبقال والسبّاك والمُحَصّل.. وغيرهم..دول دُنْيتي الحِلوة.. زيّ السمكة أموت لوخرجت منه.. هنا أنا سَيّد نفسي.. وإخوّة عمك (جابر) فوّضتني بكل شيء في العمارة.. زىّ ما أكون صاحبها.. وعُمْره ماعاملني كمستخدم عنده.. واللا مَالك وحارس.. بل مُدير إدارة لأعمال العمارة..
فلا أنا موظف بيتحكّم فيّ حدّ.. ولا مَمْشي حياتي على مرتب ثابت.. وربنا النهاردة مستورة، وبُكْرَا مقضية، وبعده زاهية وزىّ الفلّ.. دُنيا ورزقها عند ربّ العباد.. وربنا بعت لنا بالكتير قوي..)
وبعد صعوبة.. وتحت ضغط أختي.. وزميلاتها.. يوافق أبي على أن أؤجر له الروف الخاص بالعمارة التى يعمل بها كما تقول (بوّاب).. على ألا يترك الأستوديو الذي تربينا به.. وشهد كفاح أبي وأمي.. ووافق عم (جابر) المالك الطيّب.. لأنه يعرف أنه أصبح قطعة من أبي.. وحتّة منه.. مثلنا تماما نحن أولاده وأمي..
ويفاجأنا الرجل الطيب:
ـ يا إبني أبوك أخويا.. والرووف هدية منّي له.. مكافأة نهاية الخدمة زىّ مابيقولوا.. إحسبها كده.. وسأكتب له عقد إيجار بتاريخ وقيمة قديمة.. ليبقى به مدى الحياة.. دا أنا يابني قعددتي كلها وسطيكم..ولأوّل مرة أبي وأمي وأختي يرون الشارع من أعلى.. ويطلون على الناس من فوق..وأصبح لأختي؛ التي على أبواب كلية الصيدلة؛ حجرة خاصة بها كل شيء.. مثل أفضل البنات.. وحجرة لي.. وأخرى لأبي وأمي.. وفرت له فيها كُلّ حاجة.. وريسيبشن جميل..وأعددت وفرشت الرووف على أعلى مستوى عربي.. وأصبح حديث ومَزار أغلب المحبّين لأبي وأمي.. وكأنه منتدى للشارع كله؛ مساء كُلّ خميس ونهار الجمعة..وتفترش ينع خضرته جميع جوانبه.. وترمي النجوم سحرها ونجواها للسّاهرين وأبي.. وتشع الأضواء الخافتة عيون ساحرة جميلة من ألف ليلة وليلة.. تحرس الرجل الطيب وأحبائه وضيوفه..
وترحاب أبي وكرم أمي.. جعلنا الملاذ النفسي للجميع.. خاصة في فترة الصيف..والبرجولات نشرتها بكل جوانب السطح الكبير.. بحيث تجدني أنا وزملائي بأحدهم خلال فترة أجازاتي، والثانية بها أبي ورفقاء العمر الجميل..وماكان عم (جابر) يدخل شقته؛ إلا ويمرّ علينا قبلها.. وكثيراً مكان يغادرنا إلا وتناول العشاء معنا.. ويغلبه النوم وغفلة السّلطنة في الجو الصيفى الجميل..
وغدا (رووف أبى وأمى).. أو كما يطلقون عليه قطعة من جنة الربّ..!
،،،،،
وتتساءل سيّدي؛ لِم أعرض عليك مَشْاهد من واقع حياة أبي..؟لأنني عاتب على كُلّ من يظنّ؛ أنه موصوم بعار مهنة (بواب العمارة).. وقرنها بالمِهَن سَيْئة السُّمعة..
فأبي كان يُردّد دائماً:
ـ ياولدي.. نحن مثل أىّ عائلة مستورة.. متواضعة الحال.. تجري على أكل عيشها.. وتربي أبناءها أفضل تربية.. وتريد أن تراهم في أفضل حال.. وكُلّ العائلات المصرية بدأت مثلنا.. أولاد الفلاحين والأجراء والموظفين البسطاء.. وكثير زيّنا كدا.. ولهم مهندسين وأطباء؛ و بأعلى المراكز.. وأنا وأمك نخالط كُلّ عائلات المارة.. وتعرفنا على كُلّ الحياة.. وعلّمتنا الدنيا بخبرتها.. وأطالع الصُّحف من عمك زاهر.. وأتناقش أنا وأمك في كُلّ شيء..ولم نقصّر في رفع رأسكم أمام عائلات أصحابكم.. والحمد لله يابني؛ صرفنا كل مليم رزقنا الله به على تعليمكم.. ودا كان أكبر حلمنا.. وأفضل استثمار لنا.. ولا بنينا في البلد.. ولا اشترينا آراضي.. ولاحلمنا نرجع تاني للقرية اللي إتولدنا فيها أنا وأمّك.. حلمنا أنْ نرفعكم؛ ونترفع بكم؛ ومعكم بتربيتكم؛ زَىّ أحسن ناس..
وإيّاك يابني تخجل من كلمة بَوّاب.. ولا أيّ مِهْنة شريفة؟
فيه مُهندس ويعمل بمحل ميكانيكي وورش صيانة سيارات.. وفيه حامل ماجستير؛ وعنده محل فاكهاني على سور نادي الزمالك.. وفيه فلاح وعنده قيراط وقيراطين؛ ويزرعهم بيده.. وفيه خريج جامعة؛ وبيعمل في السّوبر الماركت الكبير.. وعلى أوبر وكريم.... وغيره.. وكلهم عندهم أولاد زىّ الورد مثلكم..!)
وأبي يستضيف بالرووف كل تصنيفات البشر.. ويكثر السّهر تحت سقف السّما.. وتماوج أضواء النجوم.. ومغازلة برق الشهب للظالم الحالك.. وتشعرُ بالأحلام تتوالد مع حكاوي من هنا؛ وأطلال ذكرى من هناك.. وضحكات بريئة من القلب؛ تدفئ الروح في ليال الشتاء؛ مع دخان شاى أمّي الكشري أبونعناع المقطوف من زَرْع السطوح..كثيراً ما يختلي بي وأختي وحدنا على السطح:
ـ المكان إنسان ياولاد..
إوعوا تنسوا تعلم ولادكم من بَعْدي.. إنّ الحياة إنسان..
هكذا كان يردّد أبي..المكان إنسان.. المنصب إنسان.. الوظيفة إنسان.. ومادون ذلك يأتي بعده..هيّ دي حِكْمة أبي..ألا تجد سيدي؛ أنه يحقّ لي أنْ أفخر به.. وأعتب علي كل من وضعه في مكانة؛ هو بريء منها..
وبيني وبين ربي؛ كان وعدي؛ بإنني لن أتم زواجي بحبيبة عُمْري؛ إلا بعدما يستقبل أهلها والدي ووالدتي بأكبر ترحاب؛ قبيل أن يوافقوا أو يرفضوني زوجاً لإبنتهم الوحيدة..
هذا أكبر تقدير أقدمه لأبي وأمي في حياتهم..
،،،،،،
وأحبّ أن أعلمك سيّدي..
رغم عدم موافقة والدة زوجتي عليّ؛ إلا إن والدها الكريم.. أصبح من مدمني رفقة أبي؛ على جَنّة أرضنا.. ولكن بطبيعة الحال بدون ابنته.. حبيبة العمر.. وأوحد رزقي من نساء الأرض..
ولهذا قصّة أخرى..!
وأدعوا من خلال منبرك والدة زوجتي لزيارتنا.. ربّما يتغيّر رأيها..
مَنْ يدرى..!
وذاك هو والدى..
هو وأمى؛ أغلى وأدرّ ما وهبنى ربي في الحياة.. أبى الذى ترفضنى من أجله والدة حبيبتى.. صاحبة العائلة البترولية العريقة.. والثراء البترولى الوراثى..
،،،،،
(3)ولامَفرّ..!
وهنا تنتهي رسالة مُهندس البترول.. الشاب العاشق..ويتساءل كثيرون منّا: هل يقبل إبن (البوّاب)؛ الذي حصل على المراكز الأولى في الثانوية العامة زوجاً لابنتك الجميلة، عندما توظفها بمركز مَرْموق، أو حتى لم توظفها؟