الانهيار داخل أسواق النفط شكل مفاجأة للجميع تقريباً، ففي غضون أسابيع قليلة تحولت أسعار الخام من أعلى مستوى في 4 سنوات إلى سوق هابط كامل، بحسب تحليل نشره موقع "سي.إن.إن".
وهبطت أسعار النفط بنسبة 30% تقريباً مقارنة مع القمة الأخيرة في بداية أكتوبر الماضي، بفعل سلسلة من العوامل التي تجمعت معاً لتحطم تكهنات التجار الذين كانوا يروا أن سعر 100 دولار لبرميل الخام تلوح في الأفق.
"الهبوط الحاد في أسعار النفط يثير ذكريات غير سارة تعود لعامي 2014 و2015"، وفقاً لما ذكره "مايكل تران" مدير استراتيجية الطاقة العالمية في "آر.بي.سي كابيتال ماركتس".
وشهد يوم الجمعة الماضي خسائر حادة لأسعار النفط قاربت 7% ليهبط خام "نايمكس" دون 51 دولاراً لأول مرة في 13 شهراً.
واحتفل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بهذا الانهيار في أسعار النفط.
وكتب في تغريدة عبر "تويتر": "أسعار النفط آخذة في الانخفاض، عظيم، إن الأمر يمثل تخفيضاً ضريبياً للولايات المتحدة والعالم".
كما أضاف: "شكراً السعودية، دعونا نخفض الأسعار أكثر".
لكن هبوط أسعار النفط لا يمكن تفسيره عبر تغريدة فحسب.
خدعة إيران
تستحق السعودية نصيباً من الفضل في هذا الهبوط من هذا الهبوط، لكن بالتأكيد ليس جميعه.
وفي وقت مبكر من العام الحالي تعهدت الإدارة الأمريكية بخفض صادرات إيران النفطية إلى مستوى صفر، وهذا الموقف المتشدد تجاه عقاب إيران تسبب في زيادة الأسعار بشكل كبير.
ومع المطالب المستمرة لترامب، قامت السعودية بزيادة إنتاجها النفطي ليصل إلى أعلى مستوى على الإطلاق، وهو أمر هام كون السعودية تشبه البنك المركزي للخام.
والسعودية هي أكبر مصدر للنفط حول العالمي والدولة الوحيدة التي لديها القدرة على زيادة إمداداتها بشكل كبير، كما قامت روسيا والولايات المتحدة بتسريع إنتاجهم من الخام كذلك.
لكن الإدارة الأمريكية فاجئت أسواق النفط في وقت مبكر من هذا الشهر بعد إتباع نهج أقل تشدداً مع إيران، حيث منحت تنازلات مؤقتة عبر السماح للهند والصين ودول أخرى بإبقاء مشترياتهم للخام من طهران.
وترك التحول في النهج الأمريكي بشأن إيران سوق النفط فجأة في مواجهة احتمال تخمة المعروض من الخام.
طفرة النفط الصخري الأمريكي
رغم إشادة ترامب بالسعودية، إلا أن تغريدته تجاهلت الدور المركزي الذي لعبته الولايات المتحدة في هبوط أسعار النفط.
وبفضل طفرة النفط الصخري، تفوقت الولايات المتحدة مؤخراً على روسيا والسعودية لتصبح أكبر منتج للخام حول العالم لأول مرة منذ عام 1973.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يقفز الإنتاج الأمريكي بأكثر من مليوني برميل يومياً في العام الحالي، كما ترى أنه سيرتفع أكثر في عام 2019، ولم تزيد دولة أخرى إنتاجها إلى هذه الدرجة.
ويتمثل الخوف بين صفوف تجار النفط في أن العالم ربما ليس بحاجة لكل هذا النفط الصخري الأمريكي القادم للسوق، وهو الأمر الذي ساعد في الانهيار الأخير بأسعار الخام.
وبحسب أحدث الأرقام، فإن مخزونات النفط الأمريكية تواصل الصعود للأسبوع التاسع على التوالي.
مخاوف الطلب
لكن هذا الاتجاه الهابط في النفط غير مقتصر فقط على تفاقم المعروض، حيث يبدو أن التباطؤ في نمو الاقتصاد العالمي بدأ بالفعل في عرقلة الطلب على الخام.
وكانت الشهية نحو النفط في الولايات المتحدة قوية للغاية لكن وكالة الطاقة الدولية خذرت في الأسبوع الماضي من ضعف نسبي في الطلب من جانب أوروبا الدول الآسيوية المتقدمة.
وتوقعت الوكالة الدولية تباطؤ الطلب في الهند والبرازيل والأرجنتين بسبب ارتفاع الأسعار وضعف قيمة عملاتها والنشاط الاقتصادي الآخذ في التدهور.
وفي الشهر الماضي، خفض صندوق النقد الدولي تقديراته لنمو الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019 لكل من الصين والولايات المتحدة بسبب الحرب التجارية.
ومن المتوقع أن يتباطأ نمو الاقتصاد العالمي من 2.9% في العام الحالي إلى 2.5% في العام القادم، وهذه ليست أخبار إيجابية بالنسبة للنفط الذي يغذي الاقتصاد.
فوضى سوق الأسهم
وتضرر كذلك النفط من الوضع داخل "وول ستريت"، حيث دفعت المخاوف من حدوث تباطؤ اقتصادي المستثمرين للابتعاد عن حيازة الأصول الخطرة أياً كانت سواء سهم "آبل" أو البيتكوين أو النفط.
وتراجع سعر النفط بنحو 7% في جلسة الثلاثاء (20 نوفمبر) مع خسائر قدرها 552 نقطة في مؤشر "داو جونز" الأمريكي.
ويعكس انهيار النفط بشكل جزئي موجة بيعية واسعة النطاق عبر السلع والأصول مع استمرار تراكم المخاوف بشأن النمو الاقتصادي، كما كتب "داميين كورفالين" رئيس أبحاث الطاقة في بنك "جولدمان ساكس" في مذكرة للعملاء.
وجادل "كورفالين" بأن الموجة البيعية في النفط تتجاوز الأساسيات، ومع ذلك فإنه يتوقع أن النفط لن يتعافى حتى تقوم أوبك باتخاذ إجراءات وتوفر أدلة بشأن عودة نمو الطلب.
المكاسب السريعة
وتأثرت السلع شأنها في ذلك شأن الأسهم بشكل كبير بالرهانات التي قامت بها صناديق التحوط والمستثمرين الآخرين.
وقال المحللون إن انخفاض أسعار النفط تفاقم بالرياح العكسية للرهانات المتفائلة الكبيرة من المستثمرين في الأسواق المالية.
وتراجعت المراكز الشرائية لشركات إدارة الأموال في خام النفط في أواخر أكتوبر إلى أدنى مستوى منذ أوائل عام 2016 حينما انهارت أسعار النفط إلى 26 دولاراً للبرميل، وفقاً لـ"أر.بي.سي".
البنزين يظل رخيصاً
من المفترض أن يجعل انهيار النفط في اليوم السابق لعيد الشكر في الولايات المتحدة، السفر أرخص بالنسبة لملايين الأمريكيين.
وانخفض متوسط سعر البنزين في الولايات المتحدة إلى 2.58 دولار للجالون يوم الجمعة الماضي بانخفاض من 2.85 دولار قبل شهر واحد، وفقاً لموقع أسعار البنزين "إيه.إيه.إيه".
ومن شأن هذا الأمر أن يوفر دفعة إضافية للاقتصاد المتجه إلى عطلات موسم التسوق.
وكان الرئيس الأمريكي قد شبه انخفاض أسعار النفط بالتخفيض الكبير للضرائب بالنسبة للولايات المتحدة.
وبالطبع، فإن الانخفاض الحاد في أسعار النفط يلقي بظلال قاتمة على النظرة المستقبلية لصناعة النفط الأمريكية.
وأدى التراجع السابق في أسعار الطاقة إلى إثارة العشرات من حالات الإفلاس وإلغاء مئات الآلاف من وظائف النفط الأمريكية في ولايات مثل تكساس وداكوتا الشمالية وأوكلاهوما.
ويتساءل المحلل في "أر.بي.إس" عما يريده ترامب بعد تراجع أسعار البنزين بشكل كبير، مضيفاً أن هذا التراجع عند نقطة ما بدأ في إيذاء المنتجين المحليين للنفط.
وتابع: "جزء كبير من صناعة النفط والغاز هو الداعم الأساسي لترامب".
وتتعرض منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" الآن للضغط من أجل خفض الإنتاج بشكل كبير في اجتماع الشهر المقبل في فيينا للمساعدة في إنقاذ السوق من الوضع السيء الذي قد يصل إليه.