دائما ما يحرص الآباء على تعليم أبنائهم الطريقة الصحيحة لعبور الشوارع والطرق من جانب إلى جانب، ودائما ما يُشدِّدُوا عليهم بأن ينظروا يمينا ويسارا أكثر من مره قبل أن يُقَرِّروا العبور وأن ينتظروا حتى تصبح كثافة مرور المركبات قليلة ولا يضعوا أنفسهم في مخاطرة مع قرار قائد سيارة سريعة قد يقف وقد لا يقف. ليس هذا وحسب، بل يجب أن تعبر الطريق سريعا بدون أي تلكع وأن تقوم بتقييم سرعة مرورك مقارنة بسرعة السيارات القادمة وخاصة إذا كنت تحمل أي أوزان مثل طفل صغير، شنطة سفر، إلخ.
ما يقوم به الشخص عند عبور الطريق هو تقييم للظروف المحيطة والأخطار الموجودة والممكنة الحدوث ثم يقرر العبور ومِن ثَمَّ يعبر الطريق عندما يمكن ذلك...كل هذا يحدث في وقت قليل مصاحَبا بالتركيز الشديد وقوة الملاحظة حتى تسير الأمور على ما يرام بدون أي إصابات أو حوادث لا قدر الله.
"وفاة طبيبة بمستشفى المطرية بسبب ماس كهربائي في سخان الحمام الخاص بسكن الطبيبات"، "حريق هائل بمخزن للكاوتش في شبين الكوم يكلف صاحبه ملايين الجنيهات"، "مصرع طفل صعقا بالكهرباء داخل منزله ببني سويف"، "مصرع شاب تحت عجلات القطار أثناء عبوره المزلقان بقنا"، ........إلخ.
بعيدا عن الإهمال ومن المسئول وماذا حدث، ما سيأتي في مقالي لاحقا هو من باب التوعية والتذكير من أحد العاملين في أكثر مجالات العمل خطورة في العالم.
هناك مبدأ هام يجب أن يعلمه ويدرسه جيدا الشعب المصري من كبيره إلى صغيره، ألا وهو أهمية تقييم المخاطر المحيطة، مثل الذي ذكرناه في مقدمة المقال وهو ما نقوم به قبل وأثناء عبورنا للطريق.
أي مكان في العالم ملئ بالمخاطر وأنا أعني بأي مكان أنك على سبيل المثال معرض للمخاطر في منزلك بل وفي داخل غرفة نومك. الأمر كله يتوقف على احتمالية حدوث هذه المخاطر والأضرار الناتجة عنها.
أبسط مثال هو انفجار إطار السيارة. هذا خطر ممكن الحدوث، واحتماليته ليست بالنادرة، وإذا حدث لا قدر الله قد يكون سبب في وفاة قائد السيارة والمرافقين جميعا.
إذاً هناك خطر وهناك احتماليه متوسطة لحدوثه وهناك أيضاً نتائج خطيرة ناتجة عن هذا الخطر تصل للوفاة.
عندئذٍ يخبرنا صوت العقل أن نقوم بفحص الإطارات جيدا ونقوم بتغييرها متي انتهت صلاحيتها ونسير بالسرعة القانونية للطريق. ليس هذا فحسب، بل يجب أيضا أن نحرص على توافر وسائل الأمان في السيارة مثل الوسائد الهوائية وخلافه، بالإضافة إلى القراءة والتعلم عن الخطوات الواجب اتخاذها في حالة انفجار إطار السيارة، وأثناء القيادة يجب ارتداء حزام الأمان بصورة دائمة.
إذا طبقنا كل ذلك، فأن احتمالية انفجار الإطار لا تزال موجودة ولكن ما تغير هو أن الاحتمالية ستصبح ضعيفة والأضرار ستصبح أقل إذا انفجر إطار السيارة.
مثال آخر، عندما تذهب بطفلك للعب في مكانٍ ما. لا يجب أن تتركه يلعب وفقط. يجب أن تتجول في المكان وتقوم بتحديد ما إذا كان المكان مناسب للعب طفلك أم لا. قد يكون المكان مناسب للعب ولكن طفلك نفسه غير مناسب نظرا لازدحام المكان وصِغَرْ عمر الطفل مما قد يعرضه للإيذاء الغير متعمد من الأطفال الآخرين.
وكثيراً ما نسمع عن سقوط طفل من " المرجيحه" وما شابه.
من الأمثلة القاسية، الأم تقوم بتجهيز الطعام في المطبخ ووضعت صغيرتها صاحبة العامين على منضدة المطبخ حتى تكون بجوارها ولكن للأسف كانت بقرب "الشباك"، فسقطت الطفلة من الدور الثاني. نجت الطفلة من لطف قدر الله، ولكن قد لا يحدث هذا في كل مرة. الأم لم تقيم الخطر الناجم عن اصطحابها للطفل داخل المطبخ، بل ووضعها في مكان قريب من الشباك.
مثال آخر أكثر قسوة، منذ سنوات عديدة، توفي طفل صغير كان وحيد أبويه نتيجة لتناوله أحد مواد تنظيف الملابس بطريقه خاطئة. ما حدث أن الأم لم تقم بتقييم المخاطر الناتجة عن وضع هذه المنظفات في مكان منخفض في متناول طفل صغير لا زال يحبوا ولا يعي الفرق بين الكلور والعصير.
قد لا نسمع عن هذا ولكن هناك مصادر معرفية كثيرة مقروءة ومرئية عن الأمان في المنزل أو ما يطلق عليه "Home Safety". يجب أن يكون لدي الجميع الحد الأدنى من المعرفة بهذا الأمر.
هكذا يجب أن يكون منهجنا في حياتنا اليومية داخل المنزل وخارجه، عند عبور الطريق على الأقدام وعند قيادة السيارة، وفي كل وقت وحين.
في كثير من الأوقات أشعر أن المصريين "مقطعين بطاقتهم"، أو "مستبيعين" و "مش فارق معاهم حياتهم". على قدر فهمي، كل هذا نتيجة لعدم الوعي الكامل والإلمام بالمخاطر الممكنة الحدوث ونتائجها السيئة.
من فضلك، أَدخل مبدأ تقييم المخاطر في كل مجالات الحياة اليومية. مبدأ "ماشية بالستر" لا يجب أن يستمر في القرن الحادي والعشرين ونحن على انفتاح كامل لجميع مصادر المعرفة.
من فضلك، لا تسير ليلا في طريق مظلم وخالي من المارة ثم تشتكي من انعدام الأمان إذا أصابك بعض الرعاع بمكروه. بالطبع هذا ليس مبرر لضعف التواجد الشُرَطي ولكنك لا تملك إلا حياة واحده فحافظ عليها.
من فضلك، لا تقود سيارتك وأنت تعلم الحالة السيئة للإطارات ثم تشتكي من الطرق. بالطبع هذا ليس مبرر لسوء حالة بعض الطرق ولكن حياتك مهمة عند أولادك وأهلك فحافظ عليها.
من فضلك، لا تترك طفلك الصغير بدون مراقبة في المنزل ثم تبكي إذا أصابه مكروه.
وهكذا، لا تلوم الظروف أنها لم تخدمك لأن قوانين الطبيعة لا تجامل، فالذهب إذا وضع في الماء سيغرق بينما الخشب سيطفو.
كل ما عليك أن تغير من طريقة تفكيرك ورؤيتك للأمور وتتعامل بمبدأ تقييم المخاطر في كل نواحي حياتك.
قد يبدو الأمر مرهقا وهو بالفعل كذلك إذ يجب عليك أن تفترض حدوث السيناريو الأسوأ طوال الوقت، ولكن كل هذا أفضل مليون مرة من لحظة ألم أو ندم قد تشعر بها أو يشعر بها من تحب.
الطاقة هي نعمه من الخالق أنعم بها علينها لتسهل حياتنا ولكن في نفس الوقت ولأنها "طاقة" فإنها قد تصبح عدوا وقاتلاً لنا في أي لحظة.
تطبيقات لأمثلة مثل الطاقة الكهربية والحركية والحرارية جعلتنا نعيش حياة الرفاهية أكثر من أسلافنا، لكن في نفس الوقت النار والكهرباء وسقوط الأشياء أو حركتها بسرعة عالية قد يقتلنا في أقل من ثانية...فعليك دائما أن تحذر الطاقة بكافة أشكالها.
في النهاية أوجه رسالة للجميع. حياتك غاليه لا تضيعها بجهلك وسوء تقديرك.