الكاتب : عثمان علام |
07:59 pm 12/10/2018
| شخصيات
| 2045
قال الدكتور محمد سعد الدين إبراهيم، رئيس مجلس إدارة جمعية مستثمرى مصانع تعبئة الغاز السائل، رئيس لجنة الطاقة المتجددة والغاز المسال باتحاد الصناعات، إن مصر «عائمة على بحر» من الغاز الطبيعى، منوهاً بأن إمكانياتها تؤهلها لتكون مركزه الإقليمى، موضحاً أن اكتشافه بكميات وفيرة فى مصر مؤخراً أحد أسباب توتر علاقاتها مع قطر وتركيا، مشيراً إلى أننا «زاحمنا الدوحة» فى إنتاجه، واختطفنا دور «المركز الإقليمى» الذى كانت «أنقرة» تطمح إليه.
«سعد الدين» لـ«الوطن»: «السيسى» أدار ملف الغاز باقتدار.. والنتيجة اكتفاء ذاتى وقدرة متنامية على تصدير الفائض
وأضاف «سعد الدين»، فى حواره لـ«الوطن»، أن «الرئيس عبدالفتاح السيسى أدرك جيداً أهمية الغاز، فسابق الزمن لترسيم حدودنا البحرية، واختصار الوقت للبدء فى إنتاج حقل (ظهر)، فقطع الطريق على مشروعات إقليمية منافسة»، مؤكداً أن الرئيس أدار مواردنا من الغاز بشكل كفء، والنتيجة اكتفاء ذاتى وقدرة متنامية على تصدير الفائض، وأوضح «سعد الدين» أن فتح باب استيراد الغاز من إسرائيل له اعتبارات كثيرة، ولا يمس أمننا القومى لأن الهدف تصديره للغير، وليس لسوقنا المحلية، منوهاً بأن القرار السياسى فى مصر هو عدم تصدير الغاز خاماً، ولكن استخدامه فى صناعات البتروكيماويات وبيع المليون وحدة حرارية منه بـ50 دولاراً بدلاً من 5 دولارات. إلى نص الحوار:
منذ 30 عاماً لم يكن الغاز مهماً.. كيف تحول الآن لأحد أهم مصادر الطاقة فى العالم؟
- تغير التكنولوجيا هو السبب، قديماً كانت شركات التنقيب عن النفط حين تجد غازاً فى بئر تغلقه أو «تولع فيه» لعدم قدرتهم على الاستفادة منه، وحتى تستفيد يجب نقله عبر أنابيب أو عن طريق الإسالة، والأنابيب كانت دائماً متاحة لكنها صعبة ومكلفة، لأنها تخترق ممرات مائية وحدوداً دولية، أما تكنولوجيا الإسالة فلم تكن متاحة، وبدأت تظهر للوجود منذ نحو 30 عاماً فقط، ما أحدث طفرة هائلة فى الاهتمام بالغاز، والأهم من الإسالة الآن تكنولوجيا جديدة ظهرت مؤخراً تمكننا من نقل الغاز الطبيعى بدون أنابيب أو إسالة، وتعتمد هذه على نقله مضغوطاً فى شاحنة، تماماً مثل أنبوبة البوتاجاز، وتتوجه هذه الشاحنة لأى محطة غاز لتغذى السيارات مباشرة، وقبل أن تفرغ تأتى شاحنة أخرى لتحل محلها وهكذا.
معنى ذلك أنه أصبح ممكناً أن نتوسع فى محطات الغاز دون التقيد بمسارات الأنابيب؟
- نعم لأن التكنولوجيا الجديدة، التى بدأنا نستخدمها فى مصر، تُحررنا من الحاجة لخطوط الأنابيب والإسالة وكلاهما مكلف جداً، ما يساعدنا على زيادة محطات التزود بالغاز، أضف إلى ذلك أن التكنولوجيا الجديدة اقتصادية للغاية، فإنشاء خط أنابيب للغاز طوله 100 كيلومتر يكلف نحو 470 مليون جنيه مقابل 65 مليون جنيه للتكنولوجيا الجديدة، ما يعنى أنه يوفر 80% من التكلفة، وما أريد أن أقوله إن التطور فى آليات استكشاف واستخراج ونقل الغاز من مواقع الإنتاج إلى مواقع الاستهلاك، هى التى أكسبت الغاز مؤخراً أهمية، خصوصاً أنه نظيف ورخيص، ومتوافر بكميات كبيرة، لذلك أصبحنا نعيش اليوم زمن الغاز، فهو الوقود الأساسى لمحطات الكهرباء ومعظم المصانع وكثير من وسائل النقل تستخدمه كمادة خام رئيسية فى صناعات متعددة منها البتروكيماويات.
إذا كان الغاز متوافراً بكميات كبيرة فلماذا الصراع عليه؟
- لأن أى سلعة يرتفع عليها الطلب تزيد الرغبة فى الاستحواذ عليها، والبترول ينضب والغاز مقبل، كما أنه بزنس مربح فى التنقيب عنه وفى نقله وإسالته، ثم إن الأقمار الصناعية كشفت توافر الغاز فى مناطق محددة فقط من العالم، ومنها مصر التى تضم كميات وفيرة منه فى الصحراء الغربية والبحرين «الأحمر، والمتوسط»، وتقدر احتياطات مصر فى المتوسط وحده بنحو 200 تريليون قدم مكعب، أى نحو 6 أضعاف حجم حقل ظهر العملاق ونحو 100 تريليون قدم مكعب فى البحر الأحمر، حقيقة الأمر مصر عائمة على بحر من الغاز.
هل إدراك القيادة السياسية لهذه الحقائق هو الذى دفعها للإسراع بترسيم حدودنا فى البحرين المتوسط والأحمر؟
- بالتأكيد، فقد سارع الرئيس السيسى لترسيم الحدود مع اليونان وقبرص فى المتوسط، وكذلك فعل فى البحر الأحمر مع السعودية، ورغم كل الجدل الذى صاحب ترسيم الحدود مع المملكة، لكن كثيراً من الناس لم يكن مدركاً لحتمية الانتهاء من ترسيم الحدود حتى تقبل الشركات الكبرى بدء عملية استكشاف الغاز هناك، فلن تقبل شركة المخاطرة بالاستثمار فى منطقة مُتنازع عليها، وهناك مناطق لم تكن محل نزاع لكنها أصبحت كذلك، بعد اكتشاف الغاز بها كما حدث بين تركيا وقبرص.
الاكتشافات الأخيرة والموقع الجغرافى لمصر سيجعلانها أكثر جذباً للاستثمار وإسرائيل وقبرص ليس لهما منفذ غير مصر لتصدير إنتاجهما.. و«إينى» لم «تضحك علينا».. فالشركة استفادت مرة ونحن استفدنا أكثر من مرة.. و«شل» انسحبت لمّا «المسئول المصرى» حاول «يتشطر عليها»
كيف ساهم اكتشاف الغاز بمصر فى توتر العلاقة بينها وبين تركيا وقطر؟
- قطر من أكبر منتجى الغاز المسال فى العالم، وكانت تخطط لإرسال غازها لأوروبا عن طريق سوريا ثم تركيا التى تستورد الغاز، لكنها كانت تطمح أن تكون مركزاً إقليمياً لتجارة الغاز، ما حدث أن مصر دخلت منافساً لقطر كمنتج للغاز، ما ينتقص من حصة الدوحة فى السوق، خصوصاً أنك أقرب لأوروبا أى أرخص، ما يجبرها على خفض أسعارها، أما بالنسبة لتركيا فقد اختطفت مصر لنفسها الدور الذى كانت تطمع فيه أنقرة، ونحن فى طريقنا لنصبح المركز الرئيسى لتجارة الغاز فى المنطقة.
وكيف تفوقت مصر على تركيا واختطفت منها هذا الدور؟
- مصر أهلت نفسها لهذا الدور بشكل أسرع من تركيا، فلديها مصانع الإسالة وخطوط الأنابيب والموانئ، فضلاً عن إنتاج وفير من الغاز، وهى الدولة الوحيدة التى تملك كل هذه الإمكانات بالمنطقة، إذ إن إسرائيل وقبرص، البلدين الوحيدين فى شرق المتوسط اللذين اكتشفا الغاز فى أراضيهما، لا يملكان هذه الإمكانات، ويفضلان أن يصدرا الغاز عن طريق مصر بدلاً من تركيا إلى أوروبا، لأن مصر تمتلك بنية تحتية جاهزة، فلديها محطتا إسالة فى إدكو ودمياط، وخط أنابيب قديم كان ينقل الغاز المصرى لإسرائيل والأردن، وكان مخططاً له أن يصل إلى سوريا، ويمكن استعماله لاستقبال غاز إسرائيل حتى يتم تسييله لدينا ونقله لأى مكان فى العالم، كما أن حقل ظهر موجود على بعد نحو 200 كيلومتر من شواطئنا على البحر المتوسط، أى إن لدينا خطوط أنابيب بطول 200 كيلو تنقل لنا إنتاج الحقل، وحقول إسرائيل وقبرص على مسافات تتراوح بين 20 و30 كيلومتراً من «ظهر»، ومن المؤكد أن إقامة خط بطول 20 و30 كيلومتراً أسهل بكثير من خط جديد بطول 200 كيلومتر.
معنى ذلك أن هناك التقاء مصالح بين مصر وإسرائيل وقبرص ودول شرق المتوسط حال اكتشاف غاز لديها وأوروبا التى ترغب فى تنويع مصادر الغاز؟
- نعم مصالح كل هذه الدول تتوافق مع مصر، لأنها تمتلك القدرة على الإنتاج وخطوط أنابيب ومحطات إسالة، ما يمكنها من أن تصبح مركزاً للغاز HUB لكل منطقة شرق المتوسط التى تضم الدول المنتجة للغاز مثل إسرائيل وقبرص واليونان وليبيا والجزائر وأى بلد آخر قد يكتشف غاز فى أراضيه مثل لبنان وسوريا.
اتفاق «السيسى» مع اليونان وقبرص على إنشاء «منتدى شرق المتوسط» يعنى أن مصر ستصبح بورصة الغاز فى المنطقة خلال شهور
لكن ما معنى أن تكون مركزاً إقليمياً لتجارة الغاز ومتى يمكن أن يتحقق ذلك؟
- المركز الإقليمى معناه أن تأخذ مصر إنتاج الدول المحيطة وتقوم بتسييله ونقله إلى أوروبا. وهذا ما سعى لتحقيقه الرئيس السيسى منذ فترة طويلة وبدأ يتحقق بالفعل عندما اتفق مع رئيس قبرص ورئيس الوزراء اليونانى، الأربعاء الماضى، على إنشاء «منتدى غاز شرق المتوسط» يكون مقره القاهرة، ما يعنى أننا سنصبح ببساطة فى غضون شهور، أى خلال العام المقبل، مقراً لبورصة الغاز فى المنطقة، حيث تتركز كل أنشطة البيع والتوزيع وتتحدد الأسعار. وهذا هو المقصود بكلمة مركز إقليمى أو «HUB». وأى دولة أخرى، مثل تركيا، تريد منافستك لن تستطيع لأنك قطعت عليها الطريق، والسبب فى ذلك يرجع لعنصر السرعة، والرئيس السيسى ضغط بشدة ليسابق الزمن وينفذ ما كان يمكن أن يتم فى 5 سنوات لأقل من عامين حتى يخرج حقل «ظهر» للوجود، ولو انتظر كان من الممكن أن تتعاون إسرائيل مع تركيا وتصبح الأخيرة مركزاً للطاقة وتضيع فرصة مصر، لكن سرعة اكتشاف «ظهر» قطع الطريق على هذا السيناريو، حيث كانت تل أبيب وأنقرة فى مرحلة التفكير، ونحن كنا قد انتهينا من التنفيذ وتعاقدنا فسبقنا ولم يعد لمشروعاتهم جدوى تذكر.
لكن ما الذى يمنع أياً من هذه الدول من امتلاك ما نملكه من خطوط أنابيب ومحطات الإسالة؟
- لا شىء يمنعهم سوى الوقت والتكلفة، فحتى ترسل الغاز من موقع الإنتاج لموقع الاستهلاك يتم ذلك إما من خلال خط أنابيب مباشر أو تسييل الغاز عن طريق محطات إسالة ثم يتم نقله فى حاويات ثم يتم تحويله لغاز مرة أخرى عن طريق محطات «تغييز»، وكلاهما مكلف جداً ويستغرق وقتاً، وتكلفة مصنع إسالة، على سبيل المثال، تتراوح بين 10 و12 مليار دولار، ويستغرق إنشاؤه مدة تتراوح بين 4 و5 سنوات.
كم يبلغ إنتاجنا الآن؟
- كنا نستورد 1.5 مليار قدم مكعب يومياً (ندفع فيها سنوياً 2.5 مليار دولار) لتغطية الفجوة بين إنتاجنا المحلى واحتياجاتنا، والآن نستطيع تغطية هذه الفجوة دون حاجة للاستيراد وتوفير الـ2.5 مليار دولار، وأصبح لدينا فائض للتصدير يتزايد مع الوقت، فإنتاجنا حتى منتصف سبتمبر الماضى بلغ 6.7 مليار قدم مكعب يومياً، واحتياجاتنا نحو 6.5، أى إننا حققنا فائضاً بـ200 مليون قدم مكعب، وهذا الرقم آخذ فى الزيادة، ما يعنى أنك غطيت العجز خلال عامين، وبدأت تدخل فى مرحلة الفائض الذى قد يصل إلى 4 مليارات قدم مكعب إضافى يومياً خلال العامين المقبلين.
ما القطاع الأكثر استهلاكاً للغاز فى مصر؟
- 65% من إنتاج الغاز يذهب لمحطات الكهرباء، و25% للصناعة، و5% للاستخدام المنزلى، و5% يتم تصديرها.
هل الكميات التى تنتجها مصر كبيرة بحيث تمثل تهديداً لروسيا أكبر منتج للغاز فى العالم؟
- عاملان يثيران القلق من دخول مصر سوق الغاز، الأول: المسح السيزمى بالأقمار الصناعية الذى كشف امتلاك مصر لكميات كبيرة من الغاز، والثانى: التقنية الجديدة التى استخدمتها شركة إينى الإيطالية التى تقلل من تكلفة استخراج الغاز، وبالتالى أصبح من الممكن استكشاف واستخراج كميات كبيرة لم تكن فى الحسبان، وحقل ظهر مثال جيد على ذلك، ثم إن روسيا هى المصدر الأكبر وليس الوحيد لأوروبا التى تحصل على الغاز من مصادر أخرى مثل الجزائر وقطر وغيرهما، وليس شرطاً أن تغطى 60 أو 70% من احتياجات أوروبا حتى تهدد مصالح روسيا، فلو غطيت 20% ستصبح مصدر ضغط، ولو استعانت أوروبا بإنتاجك مع ما تنتجه قبرص وإسرائيل، وبلدان أخرى مستقبلاً، مثلاً لبنان وسوريا، فنحن نتحدث عن كميات ضخمة.
الغاز أحد أسباب توتر العلاقات بين مصر وقطر وتركيا.. فقد زاحمنا «الدوحة» فى إنتاجه.. واختطفنا دور «المركز الإقليمى» الذى كانت «أنقرة» تطمح إليه.. والتكنولوجيا الجديدة التى بدأنا استخدامها فى مصر تُحررنا من الحاجة لخطوط الأنابيب والإسالة وتسمح لنا بالتوسع فى استخدام محطات الغاز
إذا كان لدينا اكتفاء ذاتى وفائض يمكن تصديره.. فلماذا فتحنا الباب للشركات لاستيراد الغاز من إسرائيل وغيرها؟
- هناك عدة أسباب أولها: أننا لا نملك فائضاً كبيراً فى الوقت الحالى، فالفائض يتحقق بالتدريج، والمصانع ومحطات الإسالة تريد أن تعمل الآن حتى تربح، وعندما يتحقق فائض كبير لا داعى للاستيراد، ثانياً: كانت لدينا عقود تلزمنا بتزويد شركة كهرباء إسرائيل بالغاز وعقود أخرى تلزمنا بتزويد محطات الإسالة بدمياط وإدكو بالغاز، وإخلالنا بها أدى لخسارتنا قضيتى تحكيم أمام الجانبين، واستيراد الغاز من إسرائيل كفيل بإقناعهما بعدم مطالبتنا بالتعويضات المفروضة علينا، ثالثاً: فتح باب الاستيراد من إسرائيل مسألة تحكمها الربحية، لأن الغاز الإسرائيلى مغرٍ للمستوردين لأنهم يستطيعون الحصول عليه بسعر رخيص، وبيعه بسعر جيد للمصانع التى توقفت نتيجة نقص الطاقة الخام، وإسرائيل مضطرة لبيع خامها رخيصاً لنا، لأنها لا تمتلك منافذ أو وسائل لتصدير الغاز إلا من خلال مصر، أى ليس لها «زبون» غيرنا، كما أن القرار السياسى فى مصر هو عدم تصدير الغاز خاماً، لأن تصدير المليون وحدة حرارية خام يتراوح ثمنها بين 5 و7 دولارات، لكن لو استخدمنا هذا الغاز فى صناعات البتروكيماويات سنحقق أرباحاً عالية، وبدلاً من 5 دولارات يمكن أن نبيع نفس الكمية بـ50 دولاراً، وبدأنا هذه السياسة، وتم بالفعل توقيع عقد إنشاء أكبر مجمع للبتروكيماويات فى الشرق الأوسط، بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس بالعين السخنة باستثمارات 10.9 مليار دولار.
وإلى أى حد مصر جاذبة للمستثمرين فى هذه الصناعات؟
- جاذبة جداً، لأن المستثمر يفكر فى خفض النفقات وزيادة الأرباح، ولذلك سيفضل إقامة مصانعه فى البلاد التى يتوافر فيها الغاز، وحتى تفهم الصورة جيداً تخيل أن لديك مصنعاً يعتمد على الغاز الطبيعى فى بلد ليس فيه غاز، ستضطر لاستيراده عن طريق خط أنابيب لو كانت متوافرة أو تسييله ثم نقله ثم تغييزه، حينها سيصلك الغاز بـ11 دولاراً، مقسمة تقريباً كالتالى، سعر الغاز بـ4 دولارات، وتسييله بـ4 دولارات، ونقله 2 دولار وتغييزه بدولار، أما لو كان المصنع بجوار مصدر الغاز، ستختفى كل تكاليف النقل الإضافية التى تبلغ 70% من إجمالى التكلفة، وبالتالى مصر ستكون منطقة جاذبة لكل الصناعات التى تعتمد على الغاز مثل الأسمدة الأزوتية، والبتروكيماويات، ثم إنه بحكم موقع مصر الجغرافى يمكن توفير بعض تكاليف الشحن للمنتجات المتجهة للشرق الأوسط وأفريقيا، مثلاً الصين واليابان لا يملكان الغاز، ويستوردان الغاز لتصنيع الأسمدة الأزوتية، ثم بيعها لنا مرة أخرى، مع توافر الغاز فى مصر سيكون أفضل لهما إجراء عملية التصنيع هنا.
استيراد الغاز من «تل أبيب» لا يمس أمننا القومى لأن الهدف تصديره للغير وليس لسوقنا المحلية
قلت إن فتح باب استيراد الغاز يمكننا من عدم دفع التعويضات لشركات الإسالة وإسرائيل.. كيف؟
- محطتا الإسالة فى إدكو ودمياط كانتا متوقفتين عن العمل منذ 5 سنوات بعد اندلاع ثورة 25 يناير، نتيجة توقف إمدادات الغاز لهما، وكسبتا قضية تحكيم بـ2 مليار دولار مؤخراً ضدنا، وأصحاب هاتين المحطتين أقاموهما فى التسعينات من القرن الماضى اعتماداً على أن لدى مصر كميات وفيرة من الغاز، لكن ما حدث أننا توسعنا كثيراً فى استخدام الغاز لتغذية صناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الحديد والأسمنت، إضافة لمحطات الكهرباء، و«نمنا فى العسل»، ولم نواصل الإنفاق على تطوير الحقول والتنقيب والبحث عن حقول جديدة، فقل الإنتاج من 6 إلى 4 مليارات قدم مكعب يومياً، وساءت الأمور بعد ثورة 25 يناير، والنتيجة أن مصر تحولت من بلد مصدر لبلد مستورد، ولم يعد لديها ما يكفى من الغاز لتشغيل هذه المحطات التى تعتمد على فائض غاز تتم إسالته بهدف تصديره للخارج، وشركة كهرباء إسرائيل رفعت قضية أخرى، وكسبتها نتيجة عدم تنفيذ تعاقدنا بإمدادهم بالغاز بعد ثورة 25 يناير، وإذا وافقنا على استيراد الغاز من إسرائيل ليدخل إلى هذه المحطات لتسييله وتصديره للخارج سيستفيد الجميع، وإسرائيل تصدر غازها، ومحطات الإسالة تعمل، ونحن نشترط إسقاط قضايا التحكيم ضدنا ونحصل على مقابلين، أولهما رسوم نظير مرور الغاز من أراضينا، والآخر يتمثل فى عائد للحكومة من رسوم تسييل الغاز بحكم أن الحكومة المصرية تملك 24% من هاتين المحطتين.
ولماذا لم نلجأ لهذا الحل من قبل؟
- بسبب حساسية الرأى العام تجاه أى معاملات مع إسرائيل، وهذا تفكير عقيم يعنى هل من المعقول أن أصدر لها الغاز ولا أستورده منها؟ ومن يحتج خوفاً من أن يضر ذلك بالأمن القومى، أقول له: «مخاوفك ليس لها محل من الإعراب لأن مصر لن تستورد الغاز الإسرائيلى لسد احتياجات سوقها المحلية، إنما لتصدره للأسواق الأخرى، وهذا يعزز أمنك لأن هذا الوضع يدفع إسرائيل للاعتماد عليك وليس الإضرار بك».
ما حقيقة أن شركة إينى تحصل على معظم الأرباح ولا تحصل مصر إلا على الفتات؟
- هذا كلام غير صحيح، ويستند إلى منطق أدى إلى صرف الشركات الكبرى عن العمل فى مصر، وعلى سبيل المثال شركة «شل» كانت تعمل فى مياهنا الاقتصادية فى شرق المتوسط قبل «إينى» لكنها قررت تصفية أعمالها وانصرفت لأن المسئول المصرى أراد أن «يتشطر عليها»، وعرض أن يعطيها 20% لتغطية تكاليف الاستكشاف والباقى يقسم بنسبة 85% للحكومة و15% للشركة، هذا عرض مقبول لو كانت الشركة تنقب فى الصحراء، لكنه غير مقبول لشركة تبحث عن غاز فى أعماق المياه بتكلفة عالية جداً، فى هذا الوقت عرضت تل أبيب 40% على شركة نوبل إنرجى الأمريكية لتغطية التكلفة، والنسبة المتبقية تقسم بنسبة 35 للشركة و65% للجانب الإسرائيلى، والنتيجة أنها وصلت للغاز قبلنا، وتساءلت مع آخرين وقتها: لماذا لا نقدم عرضاً مشابهاً لإينى؟ وقد حدث واكتشفنا «ظهر».
القرار السياسى فى مصر هو عدم تصدير الغاز خاماً.. واستخدامه فى صناعات البتروكيماويات وبيعه بـ50 دولاراً بدلاً من 5 دولارات فقط.. و65% من إنتاجنا من الغاز يذهب لمحطات الكهرباء.. و25% للصناعة.. و5% للاستخدام المنزلى.. و5% للتصدير
إذا كان الأمر كذلك فلماذا يصور البعض الاتفاق وكأننا «مضحوك علينا»؟
- «إحنا مش مضحوك علينا»، وهذا موقف قائم على «أنا أربح وأنت تربح»، فقد ربحت الشركة وربحت مصر أكثر من مرة، فقد حققت اكتفاء ذاتياً وقدرة على التصدير، وأصبحت فى وضع يؤهلها لتكون مركزاً إقليمياً للغاز، ولدينا القدرة أن نشترى حصتها، ما يعنى أن نحصل على غاز بسعر المنبع ما يوفر تكاليف النقل التى تبلغ نحو 70% من سعر الغاز المستورد، ثم إذا لم ندفع جيداً للشركة، فما هو الخيار المتاح؟ وليس لدينا قدرة «إينى» على التنقيب واستخراج الغاز من أعماق المياه، وحقيقة الأمر أن بلدنا كان يمكن أن يكون أحسن من ذلك مئات المرات، لكن طريقة تفكير الحكومات المتعاقبة خصوصاً فى الحقبة الناصرية التى عادت الغرب وشيطنت شركاته، فقد ظهر النفط فى دول الخليج العربى مبكراً واستعانوا بالشركات الأجنبية وقبلوا بشروطها فأصبح «اقتصادهم فى السماء»، أما نحن فاعتبرناهم مستعمرين وقاطعناهم والنتيجة أن اقتصادنا «نزل فى الأرض»، مصر بلد غنية بمواردها، وكانت غبية بإدارتها، والآن يتم تصحيح المسار، وأصبح لدينا إدارة ذكية للموارد الغنية، والنتيجة اقتصاد قوى فى المستقبل القريب، والرئيس السيسى أدار مواردنا من الغاز بشكل جيد والنتيجة اكتفاء ذاتى وقدرة متنامية على تصدير الفائض.