يعمل فى صمت، ولأن القطاع الذى يتولى مسئوليته متجدد باستمرار، يستحوذ المستقبل على جزء كبير من تفكيره، ويسعى دائمًا إلى مواكبة التطوير العالمى فيه، ما يتيح له ولقطاعه تقديم أفضل الخدمات للمواطنين.
إنه المهندس طارق الملا، وزير البترول والثروة التعدينية، الذى تزخر حياته الشخصية، غير المعروفة لدى كثيرين، بالعديد من الأسرار والحكايات، تلقى «الدستور» الضوء عليها فى السطور التالية.
الأم والابنة الصغيرة الأهم فى حياته.. ووالده احُتجز فى سجون الاحتلال
ولد طارق أحمد عبدالقادر الملا فى حى «جاردن سيتى» بالقاهرة عام ١٩٦٢، وحصل على الثانوية العامة ١٩٨١، ثم التحق بكلية الهندسة قسم الميكانيكا جامعة القاهرة، وتخرج فيها عام ١٩٨٦، وبعد ذلك بعام بدأ عمله داخل شركة «شيفرون» العالمية واستمر بها حتى نهاية عام ٢٠١٠.
وتدرج «الملا» فى الوظائف المختلفة بالشركة، وتولى بها مسئوليات متعددة بالهندسة والعمليات والتخطيط والمبيعات إلى أن أصبح مديرًا للمبيعات وعضوًا بمجلس الإدارة عام ١٩٩٨، ثم عضوًا منتدبًا للتسويق فى ٢٠٠٨، قبل انتقاله للعمل فى المقر الرئيسى لـ«شيفرون» بجنوب إفريقيا، ليصبح مديرًا إقليميًا لمنطقة وسط وجنوب.
وفى ٢٤ يناير ٢٠١١، التحق للعمل بالهيئة المصرية العامة للبترول، نائبًا لرئيس هيئة البترول للتجارة الخارجية، وخلال الفترة من أغسطس ٢٠١١ حتى فبراير ٢٠١٢ تولى منصب نائب رئيس هيئة البترول للتجارة الداخلية، بالإضافة إلى عمله كنائب للتجارة الخارجية.
ومنذ مارس حتى أغسطس ٢٠١٣، شغل منصب نائب رئيس هيئة البترول للعمليات، وفى ٢٢ أغسطس من نفس العام تم تكليفه برئاسة الهيئة المصرية العامة للبترول.
خلف هذه المسيرة الوظيفية الناجحة تقف عوامل عدة، من بينها «دعوات الأم» عائشة هانم، وعلاقتها بابنها «طارق» تستحق أن تروى، إلى جانب الدعم من عائلته الصغيرة التى تتكون من ٣ أولاد هم «أحمد» و«حبيبة» و«عائشة»، التى سماها على اسم والدته.
يقول: «أنا فى السن والمركز ده لا أنكر إطلاقًا أهمية دعاء أمى ليا ورضاها عنى وإنى أكون دائمًا عند حسن ظنها وألبى طلباتها.. وجدت على مدار السنين إن فعلًا بركة الواحد فى الحياة ونجاحه وربنا حافظ الواحد لاقترانه ببركة الأم ودعائها، فربنا يخليهالى».
لذلك كان طبيعيًا أن يسمى ابنته الصغيرة على اسم والدته: «ربنا رزقنى أنا وزوجتى بـ٣ أولاد أحمد وحبيبة، وجات عائشة بعد ٩ سنين، وكان الاختيار لو ولد يبقى محمد على اسم حمايا ولو بنت تبقى عائشة على اسم أمى، فالحمد لله كان فيه توافق على الاسم مع زوجتى، وهى كمان فى نفس الوقت بقت الحفيدة المدللة عند جدتها».
ويقول: «مع تقدم الزمن نرى الفرحة والسعادة فى عيون والدتى، اللى شايفة امتدادها فى ابنها وفى عائشة صغيرة».
ويعرف المقربون من الوزير أن السيدة عائشة والدته متابعة جيدة لأخباره ولنجاحاته المتتابعة، فدائمًا ما يجد منها همسات تشجيع وصبر ودعم، أما العتاب فيكون خاصًا بينهما، وسببه غيابه عنها لفترات لا تزيد على الـ٤ أيام بسبب ظروف العمل، لكنها طول الوقت تقدر هذه الظروف.
أما والده، فهو السفير البطل أحمد عبدالقادر الملا، الذى احتجز فى سجون الاحتلال الإسرائيلى عام ٦٧، لمدة تجاوزت الـ٦ شهور، وقتما كان قنصلًا عامًا لمصر فى القدس، وقد ترك الرجل- الذى صدر له قرار من رئيس الجمهورية محمد أنور السادات، برقم ٨٧٨ لسنة ١٩٧٥ فى تاريخ ٢ ١٠ ١٩٧٥، بتعيينه الوزير المفوض بديوان عام وزارة الخارجية، مندوبًا فوق العادة ووزيرًا مفوضًا بلقب سفير لجمهورية مصر العربية لدى حكومة غينيا بيساو، وظل هناك حتى توفى فى مارس عام ٢٠٠٤- تأثيرًا كبيرًا فى حياة ابنه.
لا يمانع فى ترتيب السفرة.. المسقعة باللحمة المفرومة أكلته المفضلة.. و«مالوش فى المطبخ»
طارق الملا من مواليد برج الجوزاء، ومواليد هذا البرج يمكن أن ترى فيهم شخصيتين مختلفتين تمامًا، وهو ما يعبر عنه بقوله: «على قد ما بكون عصبى لما بهدى بطيب خاطر اللى اتعصبت عليه، ولما بزعق بيبقى صوتى عالى، لكن بيصعب علىّ أسيب حد يروح وهو زعلان منى أو ينام وهو مكسور الخاطر، يعنى ببساطة أنا أزعق أزعق بس فى الآخر بهدى وأطيب خاطر اللى زعلته».
يرى أن بعض الأوقات تتطلب العصبية، خاصة أن الوقت الحالى يتميز بالسرعة البالغة و«كله بيجرى»، ويرفض دائمًا «الشغل يتأخر أو يتعمل بأقل من الجودة المطلوبة»، وفق ما يقوله، لكن ما يحكمه فى ذلك أنه «بغض النظر عن العصبية أو غيره، أنا طيب القلب، يعنى ممكن شخص يزعلنى ويصالحنى علطول وأنا هتصالح».
هذه الشخصية طيبة القلب انعكست على علاقته بزوجته: «أنا من الرجالة اللى بتحب البيت، مش المطبخ بس، يعنى معنديش مانع أرتب السفرة، أحط الحاجة فى مكانها المظبوط، وأساعد فى رص الحاجة على البوفيه مثلا، حتى أقل الحاجات بعملها».
ويوضح: «مثلا لو لقيت البرواز على الحيط معوج أقوم وأعدله، لو لقيت شراشيب السجادة مش مظبوطة أظبطها، الستارة مقفولة لنصها أقوم أقفلها كلها أو أفتحها، مبحبش الحاجة النص نص، الحاجات دى أحب أعملها وببقى مبسوط، إنما المطبخ مليش فيه، ومليش أى شروط للأكل، يعنى لو موجود أى نوع أكل مش بعترض». وعن أكلته المفضلة أجاب دون تفكير: «المسقعة باللحمة المفرومة».
ولا يمكن أن تتحدث عن المهندس طارق الملا دون أن تتحدث عن علاقته الخاصة جدًا مع المهندس شريف إسماعيل، مساعد رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء السابق، فبعدما ترك «شيفرون» وانضم لهيئة البترول قبل «٢٥ يناير ٢٠١١» بيوم واحد، كان المهندس شريف إسماعيل وكيل وزارة البترول والمسئول عن الشركة القابضة لجنوب الوادى.
وخلال العمل، تعرف «الملا» على «إسماعيل»، وحسبما يقول: «كنت مستجدًا على القطاع، والمهندس شريف إسماعيل كان بيبص علينا من فوق، من منظور قيادى، طبعًا لفرق الخبرة».
رغم أن «الملا» كان قادمًا من خارج القطاع، وبمجرد دخوله «الهيئة العامة للبترول» اندلعت ثورة ٢٥ يناير، إلا أن التعارف بينه و«إسماعيل» كان سريعًا، خاصة بعدما شاهد أدائى فى قطاع البترول، وفق ما يقول.
ومع تعاقب الأيام منذ ثورة ٢٥ يناير مرورًا بحكم جماعة الإخوان الإرهابية ووصولًا إلى ثورة ٣٠ يونيو، كانت هناك اجتماعات بصفة مستمرة مع «إسماعيل»، بصفته عضو مجلس إدارة الهيئة، وهى الاجتماعات التى خرج منها «الملا» بأن رئيس الوزراء السابق «رجل دقيق النظر قليل الكلام، يسمع كويس ويكتب الملحوظات، ولديه قدرة على تقييم وتقدير المواقف».
وعندما تكون هناك مشاكل أو أزمات أو مشروعات وتحديات جديدة، خاصة فى قطاع الغاز، كان المهندس شريف إسماعيل يستعين بـ«الملا» لما لديه من خبرة وعلم وقدرات تؤهله لأداء المطلوب بدقة، ومع تطور الوقت وتولى «إسماعيل» وزارة البترول أصدر قرارًا وزاريًا بتعيينه رئيسًا تنفيذيًا للهيئة العامة للبترول.
كلاهما «مهندس ميكانيكا»، صحيح أن «إسماعيل» خريج جامعة عين شمس و«الملا» خريج جامعة القاهرة، إلا أن أفكارهما وطريقة أدائهما «الإصلاحية المتطورة وليس البيروقراطية التقليدية»، تشابهت كثيرًا، حسب وزير البترول.
وفى ٢٠١٣، تولى «إسماعيل» رئاسة الوزراء، وكان «الملا» الرئيس التنفيذى للهيئة العامة للبترول، وبمثابة ذراعه التنفيذية، إذ كانا يعملان كفريق واحد، أى أن كل الخطط التى يضعها وينفذها ويطرحها يكون «الملا» ومن معه أدوات تنفيذية لها.
وكان «إسماعيل» يثق فى «الملا» جدًا، والأخير يضعه فى منزلة أستاذه، الذى يتعلم منه كل شىء