لا تحقق العقوبة للجماعة نفعا إلا إذا أتسمت بالقسوة التى تجعل كل شخص على بينة من أنه إذا أقدم على أرتكاب الجريمة ، فإنه سيخضع لعقوبة يفوق أذاها المنفعة التى ينبغى تحقيقها من وراء الجريمة تفوقا يجبره على أن يحجم عن ارتكاب الجريمة ، فالعقوبة الرادعة كفيلة بتحقيق المنع العام ..
وخلال السنوات السبعة الماضية لم تعد العقوبة ذات ردع أو منع عام، حتى وصل الحال إلى المطالبة بتطبيق عقوبات رادعة لأنها تشعر أن فكرة العقوبة تلاشت فى العديد من القضايا ، فالأرهابى والجاسوس فى السجن ولم يتم إعدام أحد، وقضايا المال العام من رشاوى واختلاسات للمال العام وتسهيل الحصول عليه انتهت بالتصالح لأن الدولة تنازلت عن حقها فى العقاب بالتصالح ، لذلك دفتر أحوال الجرائم والحوادث يوميا جرائم رشوة وفساد بالملايين ووصلت إلى المليارات فلا عقوبة للسرقة ، فلو سرق مواطن فقير رغيف خبز يحكم عليه بالسجن ، ولو سرق آخر مليار دولار يتم التصالح وكأن شئ لم يكن .!!
وكل عقوبة لا يراها الناس بأعينهم مجهود ضائع لأنه يحقق الردع العام ، لهذا يجب أن يشعر الناس بهول العقوبة وجسامتها . فعقوبة البلاغ الكاذب مثلا يجب أن تتمثل فى ثقب لسان الجانى بأبرة يعقد طرفاها بحيث تحول دون دخول لسان الجانى ويعرض على الناس بحالته هذه حتى يرتدعوا ..!!!
وعقوبة التزوير يجب أن تتمثل فى ثقب يد الجانى بآلة حديدية على شكل قلم ، والمرتشى والمختلس يجب أن تقطع أيديهم قبل الذهاب إلى السجن حتى يكونوا عبرة للجميع !!
العقوبة بدورها يجب أن يكون وراء التجاء الجماعة إليها منفعة إجتماعية وألا فقدت مبراراتها ، لأن العقوبة وسيلة دفاع تدرأ بها الجماعة عن نفسها مستقبلا وقوع جريمة مماثلة للجريمة التى وقعت ، سواء من جانب الجانى نفسه أو من جانب غيره من الكافة ..
لقد وصلنا إلى مرحلة التشبع من الفساد ولم يعد للعقوبة أى أثر ، فأصبحت الجريمة فى حياتنا وكأنها من طبائع الأمور وعادة مألوفة لدى الكثير ، حتى أنك تسمع مقولة هو مين اللي دخل السجن ؟؟ سرقوا مليارات وطلعوا براءة لأن الدولة تنازلت عن حقها فى العقاب من خلال التصالح مع اللصوص برد المبالغ المسروقة فى مقابل الإعفاء من العقاب ، فمن الطبيعى أن أى مسئول عارف نهاية الموضوع التصالح فى نهب المال العام !!
الغالبية العظمى من الجرائم الواقعة خلال الفترة السابقة تشير إلى أن الجهات المختصة بالإشراف والمتابعة والمراقبة المالية لم تعد فوق مستوى الشبهات ، وأصبحت المناصب القيادية التنفيذية العليا عملية تجارية لتحقيق المنفعة الخاصة ، فقد تجد مسئول يعتقد أن المنصب ملكية خاصة له تسعيرة فى سوق الفساد !!
تم إعدام الفضيلة والعقوبة معا ، فلم يعد للفضيلة وجود لأنها لا تحقق للإنسان منفعة مادية ، فالشعور بالراحة النفسية والطمأنينة الروحية لا قيمة لها ، لذلك لا تندهش إذا وصل المبلغ المختلس مليار دولار ، لأن عدم فعالية العقوبات وتحقيق الردع العام يجعل حجم الفساد فوق التريليون !!! كله بيخلص بالفلوس ، والضمير المهنى ، والضمير الوظيفى ، والأخلاق والأمانة ، من يسقط حدود الله بالتصالح فى السرقة فهو لا يعرف الإسلام !!