من مذكرات المهندس على والى أول وزير بترول فى مصر..حيث كتب في مجلة البترول بعددها العاشر عام 1997 عن قصة تأسيس الشركة العامة قائلاً:،-
بادر الرئيس جمال عبد الناصر بتأميم قناةالسويس سنة 1956 بعد أن تراجع البنك الدولى عن تمويله للسد العالى وأحتدت انجلترا وفرنسا غضباً وكلاهما كانتا من الدول العظمى فى ذلك الوقت وقررتا إستعادة القناة بالقوة بالأستعانة بإسرائيل .
وقاموا بتوجيه إنذار مرعب إلى مصر تطلب منها الجلاء عن منطقة القناة وإلا فستدمر تدميراً.
فى ذلك الوقت كنت مديراً لمنطقة الصحراء الشرقية ( رأس غارب والغردقة ) بشركة آبار الزيوت الأنجليزية المصرية وحدثت أمام أعيننا معركة ليلية بين الأسطول البريطانى وفرقاطة مصرية رفض قائدها الإستسلام وقتل فى المعركة ، ووصل إلى الشاطئ ثلاثة من البحارة المصريين الذين إستطاعوا السباحة للشاطئ بينما المراكب الإنجليزية تحاول إنقاذ السفينة وخاصة قائدها لتحيته لشجاعته الفائقة .
وفى صباح اليوم التالى أذاعت إذاعة لندن أن الأسطول الأنجليزى سيتقدم لإحتلال السويس ، وأن أى مقاومة ستسحق ،وتوجه الآلاف من الجنود الأنجليز إلى السويس .
ولكن حدثت المعجزة فالمقاومة الشديدة التى قوبلوا بها فى بور سعيد جعلتهم يترددون فى الهجوم على السويس ورأينا فى المساء الأسطول يعود ومن حيث أتى .
عزيز صدقى
وفى هذا الجو المرعب ، ثلاث دول تتكالب على القضاء على مصر وحكومتها وتطالب برأس جمال عبد الناصر الذى وقف الشعب بأجمعه يشد من أزره وكانت أيام لها تاريخ تموج بالشجاعة والتضحية ، وضعت الممتلكات الفرنسية والبريطانية تحت الحراسة وعين المهندس محمود يونس حارس عام على شركة شل وشركاتها ويساعده المهندس عبد الحميد أبو بكر والدكتور طاهر الحديدى وآخرون...توقف حقل رأس غارب عن الإنتاج لعدم إمكانية شحن السفن لوجود الأسطول البريطانى ،وعند ذلك طلبت من الحراسة أن نشحن البترول على عربات نقل إلى معامل التكرير بالسويس حتى لاتحدث مجاعة بترولية ووافق على ذلك .
وبدأت مئات من العربات فى نقل البترول الخام على طريق السويس رأس غارب وكان الرئيس جمال عبد الناصر طلب منى إنشائه أثناء زيارته غير الرسمية إلى رأس غارب سنة 1954 ومن حسن الحظ أن أكتمل العمل فيه قبل العدوان بأيام عند ذلك طرأت فكرة لماذا لانبحث عن البترول بأنفسنا ونؤسس شركة وطنية تقوم بالبحث والإنتاج مستعينة بالمعلومات الموجودة لدى شركة آبار الزيوت عن 62 منطقة كانت الشركة ترغب فى الحصول على إمتيازها بعد أن قامت بأبحاث عليها ولكنها لم توفق لأنها عرضت شروطاً لم تقبلها الحكومة ( كان نصيب الدول العربية حينذاك 2 شلن إتاوة عن كل طن بترول).
م.عبد الحميد ابوبكر
ناقشت الفكرة مع الجيوفيزيقى أحمد البرقوقى والمهندس توفيق شوقى ووافقوا عليها ،فتقدمنا بمذكرة إلى الدكتور عزيز صدقى وزير الصناعة فى ذلك الوقت ( وهو صديق حميم منذ أيام الدراسة ) بفكرة تأسيس شركة وطنية للبحث وإنتاج البترول ،وكان هذا التفكير ثورياً فى ذلك الوقت لأن البترول فى ذلك الزمان كان يحتكره ويتحكم فيه الشقيقات السبع ( شركات شل – البريطانية للبترول –ستاندرد كاليفورنيا – ستاندرد نيوجرسى – تكساس – جلف – موبيل ) ولا يتجرأ أحد على الخروج على الشروط التى يفرضونها ، وقد مات أوقتل ماتيى رئيس شركة ENI عندما أراد كسر هذا الإحتكار ،ولم يكن هناك شركة وطنية فى العالم سوى المكسيك التى أممت بترولها فى العشرينات من هذا القرن بتشجيع من الشركات الأمريكية لضرب شركة شل .
قام الدكتو عزيز صدقى بعرض الفكرة على جمال عبد الناصر الذى أشار إلى أن الفكرة جميلة ولكنها خطيرة لأنها ستضرب الأساس التى تقوم عليه العلاقة بين الدول العربية وشركات البترول ولذا يجب التأكد من أن هذه الشركة الوليده سيكتب لها النجاح، فأستدعانى الدكتور عزيز صدقى وقال أنه موافق على الفكرة ولكن لابد أن أساهم فى رأس مال الشركة ثم أستطرد وسأل ما مقدار مساهمتى ففكرت بسرعة حيث كان لدى أسهماً أضارب بها فى البورصة وقد تعلمت هذه اللعبة من الموظفين اليهود أصدقاء رأفت الهجان بشركة شل ( فأجبت عشرة ألاف جنيه تساوى ثلاث ملايين جنية بمقياس جنيهات هذه الأيام (فرد الدكتور عزيز صدقى على بركة الله ،وفوجئت بتأليف الشركة برأس مال قدره ستة ملايين جنيه ،وذهبت للدكتور عزيز صدقى وسألته لماذا لم يشركنى فى رأس المال فقال أنا أردت أمتحانك والتأكيد من أن الشركة سيوافيها النجاح لأنك خاطرت برأس مالك .وعينت مديراً عاماً للعمليات بالشركة كما عين د. طاهر الحديدى مديراً عاماً للإستكشاف والمهندس توفيق شوقى مهندساً لامقيماً لموقع الحفر والذى بدأ من مسكن وحيد متواضع برأس غارب وعربة نصف عمر وجهاز حفر مستأجر من شركة آبار الزيوت مما أثار ضحك الكثيرين فى رأس غارب ولكن أكتشف البترول من أول بئر وكان قد سبق حفر أربعة آبار بواسطة شركة ستاندرد ولكنها لم تكلل بالنجاح .
صالح عوض الله
وأنتج البئر الأول بكر (5) بترولاً ولكن بكميات ضئيلة وحفرنا السادس والسابع وتزايدت كمية الإنتاج ثم حفرنا كريم وأنتج من أول بئر كريم (1)
عين المهندس حلمى المصرى مديراُ للإنتاج، وبدأ التعاقد على معدات الأنتاج وجهازى حفر ووضعنا اليد على منطقة عجرود لتكون مخازن وورش للشركة كما بدأنا فى تعين العديدين من خريجى كلية الهندسة والتجارة والعلوم وكان الأمتحان بطريقة I.Q.Test وكان يساعدنا فى ذلك محمد الحصرى والذى أنضم للشركة بعد أن أغلقت شركة Sahara أبوابها وسألته ما المطلوب من الشركة العامة فأجاب إنتاج البترول وقلت له أن المطلوب أولاً تخريج رجالاً للبترول .
عبد الخاق عياد
والشركة العامة أنجبت الكثيرين من الذين قادوا البترول فى مصر والدول العربية ومنهم على سبيل المثال وليس الحصر أحمد نصر البرقوقى – محمد معبد –عبد الخالق عياد- على عوض-نبيل عبد الهادى –توفيق شوقى – عبد الوهاب رخا -سمير تادرس-وفيق الجندى – أحمد أدريس – فكرى مصطفى –فؤاد عبد العظيم – صالح عوض الله وغيرهم كثيرين.
وقامت الشركة بأبحاث كثيرة أهمها المساحة السيزمية لخليج السويس والتى أثبتت أن معظم البترول يقع تحت الماء ولم يكن لنا طاقة مالية لإستكمال هذه الأبحاث حيث أن ميزانية الدولة أصبحت تعانى عجزاً شديداً بسبب الحرب فى اليمن ، وكان لابد من دعوة الشركات الأجنبية لإستكمال العمل فى الصحراء أو تحت الماء وأن يترك للشركة العامة المناطق البرية المحيطة بخليج السويس وكذلك المناطق التى يقل فيها كثيراً عنصر المخاطرة، وفازت شركة أموكو بمنطقة خليج السويس ودفعت للشركة العامة تعويضاً قدره مليون ونصف مليون دولار نظير أبحاثها ولم يكن أحد يتصور بأنها فازت بأغلى درة فى الخليج وهى حقل المرجان .
وأخيراً وليس آخراً عندما وقع فى يدى ميزانية الشركة العامة ورأيت ما وصلت الي تحسرت على الملايين التى فقدتها بسبب عدم السماح لى بالمساهمة فى الشركة العامة للبترول