للاعلان

Sun,24 Nov 2024

عثمان علام

إذا أردت أن تقول الحقيقة للناس فاجعلهم يضحكون

إذا أردت أن تقول الحقيقة للناس فاجعلهم يضحكون

الكاتب : فيصل ج-عباس |

01:50 am 26/10/2023

| رأي

| 1348


أقرأ أيضا: Test

إذا أردت أن تقول الحقيقة للناس فاجعلهم يضحكون

 

 

يقول أحد الأمثال الإنجليزية القديمة: «إذا أردت أن تقول الحقيقة للناس فاجعلهم يضحكون، وإلّا فسوف يقتلونك». ولا يمكن لهذه الفكرة أن تكون أكثر وضوحًا مما كانت عليه خلال المقابلة الأخيرة التى أجراها الإعلامى المصرى الساخر باسم يوسف مع مقدّم البرامج الشهير بيرس مورجان.

وقد حصدت المقابلة 17 مليون مشاهدة على الإنترنت، مما جعل منها المقابلة الأكثر مشاهدةً فى تاريخ برنامج «بيرس مورجان أنسينسورد». فلم تنجح هذه المقابلة فى شفاء غليل الكثير من العرب التواقين لتمثيل عادل لهم على القنوات الغربية فحسب، بل قد تشكّل أيضًا نقطة تحوّل من حيث الطريقة التى نروى بها نحن، كعرب، قصتنا دوليًا.


أولًا، أودّ أن أوجّه تحيةً للسيد مورجان وفريقه لسعيهم الدائم لاستضافة الأشخاص المعنيين الأكثر إثارةً للاهتمام، وطرح الأسئلة الصعبة عليهم، وذلك على الرغم من مدى صعوبة تحقيق هذه الصيغة، كما يعلم كلّ من يعمل فى إنتاج البرامج الحوارية اليومية. ويتوجّب علىّ أيضًا أن أشيد بهم لأنهم لم يتردّدوا فى دعوة باسم يوسف مع العلم بأنّه سينتقد إسرائيل مُسبقًا، وهو قرار كان يمكن ألّا يلقى استحسانًا بين مشاهديهم (ومن الواضح أن أرقام المشاهدة التى حصدتها المقابلة على موقع يوتيوب قد أثبتت عكس ذلك).

إلّا أن الحوار الناجح هو حتمًا رقصة تانجو تتطلب شخصين. وخلال المقابلة أظهر يوسف قدرةً متميّزةً على إيصال الرسالة بطريقة فعالة للغاية. وبالنسبة لى، كانت اللحظة الأهم عندما قال للسيد مورجان: «إذا ما كنت تريد سماع رأيك فقط، يمكننى أن أكتفى بإدانة حماس وأن أعود إلى منزلى».


كان هذا الأمر مرضيًا للغاية، لأنه كان الردّ الأفضل على ما يبدو وكأنه هوس قصير النظر لدى الإعلامى الغربى يقتصر على دفع الضيوف العرب والمسلمين إلى إدانة ما فعلته حركة حماس فى يوم السابع من أكتوبر. وتفترض مثل هذه السرديات أن الصراع بين إسرائيل وفلسطين بدأ منذ أسبوعين فقط، وأنه لا وجود لقصة عمرها 75 عامًا، كما تفترض أيضًا أن أى عربى أو مسلم سيدعم حركة حماس بشكل تلقائى.


ويأتى هذا على الرغم من أن كافة حكوماتنا تقريبًا قد أصدرت بيانات أدانت فيها استهداف المدنيين من كلا الجانبين، حيث يتجاهل أيضًا حقيقة أن العديد من سياسيينا والمثقفين لدينا وحتّى مواطنينا العاديين قد حذّروا باستمرار وعلى مدى سنوات من تعميم صفة واحدة على المجتمع الفلسطينى بأكمله، وتهميش السياق التاريخى لهذا الصراع المؤلم جدًا، كما المعاناة التى تسبّب بها الاحتلال الإسرائيلى ولايزال.

وكان لجوء يوسف للمنطق بطريقة مرحة مثيرًا للإعجاب بالقدر نفسه، حيث جرّد نظيره من أى حجج للرد. فعلى سبيل المثال، سخر الكوميدى المصرى من ادعاء الجيش الإسرائيلى «اللطيف» أنه «القوة العسكرية الوحيدة فى العالم التى تحذّر المدنيين قبل قصفهم». وقد بنى هذا الادعاء على تصريح أدلى به حاكم ولاية فلوريدا والمرشّح الجمهورى للرئاسة الأمريكية رون ديسانتيس.

فقال يوسف إنه «بناءً على هذا المنطق، إذا ما بدأت القوات الروسية فى تحذير الأوكرانيين قبل قصف منازلهم، فلن يكون لدينا مشكلة مع (فلاديمير) بوتين، أليس كذلك؟»، وكان لهذا المثل أهمية خاصة، حيث أدانت كلّ من مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة والكثير من البلدان العربية الأخرى، فى الأمم المتحدة، الغزو الروسى لأوكرانيا فى عام 2022.


لطالما أصررت على أننا، كعرب، يجب أن نروى قصتنا لكى نمنع الآخرين من الاستيلاء عليها. ولطالما انتقدت حكوماتنا لعدم وجود عدد كافٍ من المتحدثين باللّغة الإنجليزية الذين يمكنهم مناقشة قضايانا بشكل منطقى وبطريقة هادئة ومتماسكة، كما حصل مؤخرًا فى المقابلة التى أجراها ولى العهد الأمير محمد بن سلمان مع قناة فوكس نيوز، حيث اختار إجراءها باللّغة الإنجليزية.


وقد شملت لائحة المتحدثين الرسميين المقنعين الذين تطرّقوا إلى التطوّرات الأخيرة فى قطاع غزة العاهل الأردنى الملك عبدالله، ورئيس الاستخبارات السعودية سابقًا الأمير تركى الفيصل، والسفير الفلسطينى لدى المملكة المتحدة حسام زملط.

ولكن بالطبع، يتوجّب على المسؤولين الرسميين أن يتقيّدوا دائمًا ببروتوكولات معيّنة وبالسرديات التى تتبناها حكوماتهم، إلّا أنّ مقابلة باسم يوسف مع بيرس مورجان أظهرت أنه يمكن للعرب أن يتمتعوا بحسّ الفكاهة وسرعة البديهة وأن يتحدّثوا من دون قيود.

وفى حين قد لا يمتلك الشخص العادى حسّ الفكاهة أو الثقة التى يمتلكها إعلامى ساخر ذو خبرة مثل باسم يوسف، إلّا أنّنا نشهد اليوم ارتفاعًا فى عدد الشباب العرب الأكفاء والقادرين والمقنعين والخبراء فى هذا المجال. وأشير فى هذا السياق إلى المقابلة الأخيرة التى أجرتها الصحفية الفلسطينية يارا عيد على قناة «سكاى نيوز» البريطانية، بالإضافة إلى غيرها من الصحفيين الذين لجأوا إلى منصات التواصل الاجتماعى للتعبير عن مواقفهم بشكل سلمى ومهنى.


يتوجّب علينا أيضًا أن نشيد بوسائل الإعلام الغربية التى تبذل جهودًا إضافيةً لضمان إيصال الأصوات العربية. فكما سبق أن ذكرنا، تُعتبر حقيقة أن السيد مورجان قد أجرى المقابلة مع باسم يوسف فى حين كان على علم بموقفه إزاء الأحداث الجارية واستعداده للمخاطرة بذلك أمام جمهوره أمرًا يستحق الثناء. أنا أدرك أنّه لا ينبغى أن يكون هذا الأمر غير اعتيادى فى البلدان الديمقراطية مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة. ولكن مع بروز موجة ثقافة الإلغاء السائدة، أصبحت المقابلات التى توصل وجهتى النظر المتعارضتين حقًا بمثابة عمل ثورى.

أقرأ أيضا: توقيع اتفاقيتين للمساهمة المجتمعية لقطاع البترول في دعم الرعاية الصحية بمطروح وبورسعيد

التعليقات

أستطلاع الرأي

هل تؤيد ضم الشركات متشابهة النشاط الواحد ؟