الكاتب : سقراط |
09:24 am 18/08/2023
| رأي
| 1398
الشارع السياسي في بلدنا قديم و عتيق . مرت عليه من الاحداث ومقادير الزمن الكثير . تبدو المقاهي به عامرة منذ فجر الحركة الوطنية ، ظلت السياسة في هذا الوطن مرادفاً للنضال من اجل التحرر من الاستعمار في بلدنا . كان الشارع السياسي قبل يوليو ٥٢ طبقي الى حد بعيد . الاحزاب والملك والاستعمار من جهة و زعماء حركات التحرر والشعب من جهه اخرى . كان مقهى هذا الشارع مكاناً لتخطيط العمليات الفدائية والمظاهرات الكبري . ودارت رحي التاريخ واندلعت الثورات وتعددت مواقف البطولة والتضحية. نبتت شخصيات ضحت بمستقبلها وأرواحها و ظلت خالده عبر الايام . هناك كان مصطفي كامل ومحمد فريد وتبعهم سعد زغلول ومصطفى النحاس و برفقتهم هدي شعراوي وصفيه زغلول ونبوية موسي واستر ويصا .
—————
كان كفاحهم وقود الوطنية الحقه ومؤسساً للشارع السياسي الذي كان عامراً بالتضحية والفداء وبالكثير من الخطب البلاغية والهتافات المدوية التي هزت اركان الاستعمار . ظلت قضية التحرر من الاستعمار البريطاني هاجسه وهدفه الاكبر . حتى كانت ثورة يوليو ٥٢ ثمرة هذا الكفاح المرير وتتويجاً لارادة الامك في التحرر من الملكية والاستعمار. ——————
تغيرت ظروف الشارع السياسي واختلفت توجهاته بشدة. و اتجهت الثورة لتجميع شتات تلك القوي الوطنية في منظمات وتجمعات كبيرة تؤمن بالتوجه الجماهيري الاشتراكي وتحارب الاقطاع والتسلط .لم تشغل الثورة نفسها بعناصر الحياة السياسية وادواتها في الغرب واتجهت مباشرة الى الحكم الشعبوي والجماهيري من خلال اللجنة المركزية والاتحاد الاشتراكي ومنظمة الشباب والكثير من تلك الكيانات التي كانت تعبر عن التوجه الاشتراكي في الحكم فقد كان ذلك هو فكر (عبد الناصر) وسياسته .
—————-
استوعب الشارع السياسي كل هذا وسار علي النهج واصبح ( عبد الناصر ) زعيماً وطنياً له مكانه تقترب من القداسة في قلوب المصريين. وجاء السادات وكان مولعاً بالحياة الغربية بصفة عامة . وتخفف السادات من تلك المنظمات القوية بعد نصر اكتوبر وحل محلها الاحزاب السياسية وكان هو علي رأس حزب منها . واصبح هناك الحزب الحاكم والحكومة. وعلى الرغم من ذلك ترى في تلك الايام الشارع السياسي قد اصابه الخمول وترعرت فيه خفية الجماعات الدينية المتطرفة .
—————-
بدأت التوجهات الاقتصادية وسياسة السوق المفتوح وفتح باب الاستيراد على مصرعيه بسحب البساط من الحياة السياسية بشكل عام مع عزوف الكثيرين عنها وانخراطهم في الاعمال الحرة والتجارة . اصبحت واقعاً تقتصر على المجالس النيابية وبعض الانتخابات الخاصه بها .واستمر حكم ( مبارك) على هذا النهج بعد ان حاصر التيار الديني المتطرف وجعله في زاوية ضيقة. وازدادت وتيرة الحياة الاقتصادية واتجه معظم الشخصيات العامة لأعمال البيزنس في اشكاله المختلفة وتركت الغالبية العظمى من صفوة المجتمع ومفكريه اعمال السياسه بكل متاعبها و اتجهو الي نشاط التجارة والانفتاح على العالم وتحقيق الارباح وامتلاك الفيلات والسيارات الفارهة والسفر الي الخارج. ونتيجة لهذا الاضمحلال السياسي حاول بعض الفنانين والصحفيين مثل احمد رجب ومصطفي حسين خلال تلك الفترة احياء بعض من الحياة السياسية بأقلامهم عن طريق نقد اداء الحكومة في مختلف المجالات وظهرت شخصيات افتراضيه في المقهى السياسي علي صفحات الجرائد فكان ( الكحيت) و ( الاليت) و ( عبده مشتاق) . ثم ظهر ( فلاح كفر الهنادوة) ممثلاً عن الشعب البسيط الذي يستجوب الحكومة علي صفحات الجرائد ويكيل لها التقريع والاتهامات . وكان للمرحوم ( عاطف صدقي) والمرحوم ( الجنزوري) الجانب الاكبر من هذا النقد اللاذع . بينما ظلت المجالس النيابية في احضان الغالبية المعتادة للحزب الحاكم بلا توترات مؤثرة .
————-
انتهي عصر المقاهي السياسية في هذا الزمن واتجه الى مجالس الوجهاء والصفوة من الحزب الحاكم والحكومة في (مارينا) وغيرها و كان يعبر عن توجهات حزبيه وتوزيع للمناصب واعمال التجارة ليس الا . ولكن المقهى السياسي الشعبي بدأ يفتح ابوابه من جديد ،و على استحياء في نهايات فترة حكم ( مبارك) فقد كان الملل بدأ يدب من طول فترة رئاسته واصبح البيزنس متوحشاً لدرجة فاقت قدرة الشعب مع التخوف من توريث الحكم لنجله . وتدافعت الاحداث بسرعة ليتنحى عن الحكم بضغط شعبي هائل . —————-
فقدت البلاد بعدها الهوية السياسية تماماً و ظهرت عناصر شبابيه و تاريخية حاولت ركوب موجة الثورة و التحرك الشعبي. واحدث هذا شرخ كبير في المجتمع المصري بعدما اظهرت الدلائل و الاحداث تعامل معظم هؤلاء مع جهات خارجية يتلقون منها مساعدات مادية هائلة. وانتشر المال السياسي القادم من الخارج لفرض حالة معينة علي مستقبل هذا البلد . وتفرق هؤلاء الى جماعات متناحرة يدعي كل منهم بأحقيته في قطف ثمار ثورة يناير .
———-
كل هذا اتاح لتنظيم ( الاخوان) ان يخترق الصفوف عنوة فهو كيان منظم له كوادره وقدرته التنظيميه القائمة علي السمع والطاعه .لم يكن( الاخوان) حزباً سياسياً علي مر تاريخه .ولكنهم كانوا يملكون الذكاء في توظيف توقير المصريين لكل ما يخص الدين في كسب الاصوات الشعبية في القرى والارياف والاستحواذ على عدد لا بأس به من مقاعد السلطة التشريعية والمجالس المحليه . وكان فراغ الدولة حينئذ مع تناحر القوى المدنية الهشة في هذه الفترة فرصة سانحه للأخوان ان يقتنصوا رئاسة الدولة والحياة السياسية بعد تربص امتد لأكثر من ثمانين عاماً .
——————
يظهر في الشارع السياسي مره اخرى جذوه (النضال) ضد سطوة الجماعة المتطرفة والتي كان حكمها كالصاعقة علي رؤوس الجميع وافرغت ثورة يناير من مضمونها وا هدافها . و بدأت الجماهير في الالتفاف مره اخري حول من ينقذها من هذا الاحتلال . وحدثت التغييرات التي نعيشها حتى الآن. وعادت وتيرة الحياة السياسية من تلقاء نفسها الي دائرة الالتفاف حول الزعيم الوطني الذي يحارب في جميع الاتجاهات ويعاني من الحصار الاقتصادي و المعنوي مثلما حدث مع عبد الناصر والسادات حتي حرب اكتوبر وكأنها صورة كربونية تتكرر بنفس ابعادها من عصور سابقة .
—————
الخلاصة تقول ان الحياة السياسية لدينا ارتبطت (بالنضال) والمناضلين وازاحت عدو او أحتلال من علي صدر الامه. لم يقتنع الشعب يوما ما او يهتم بأدواته العملية السياسية كما هي في العالم الغربي .كانت (اجواء ثوره يناير) وما صاحبها من فوضي عارمه واستغلال الكثيرين لكل ما هو مخالف للقانون وتغليب المصلحة الشخصية على المصالح الوطنية بدعوى الحرية والديمقراطية جرس انذار هائل ما زال يدوي في المجتمع و عند من يتصدى لقيادة هذه البلاد حتي ألان . لم تترسخ فينا ثقافه العالم الغربي في تطبيق مفهوم الديمقراطية ابداً وكان مرادفها عندنا الفوضي للأسف .
——————
العملية السياسية في بلادنا منذ يوليو ٥٢ تعلو وتنخفض بالهموم اليوميه للناس . ولا يعني معظم المصريين الانخراط في الحياة السياسية في حاله عيشه في اجواء اقتصادية جيدة . لم يتقبل الكثير حتى الآن موجات الزعيق والهجوم اليومي علي المواقع الالكترونيه فليس كل من يعارض سياسة او موقف او قرار بالضرورة ان يكون رئيساً أو زعيماً .لم يري الشعب من اي من هذه الشخصيات اي جهد او نضال او مواقف تجعله في مرتبة الزعيم او البطل .ستجد معظمهم يملك من الاموال والعقارات ما يجعله في وضع معيشي مريح وتصبح العمليه السياسية عنده مجرد وجاهة اجتماعية أو استعادة امجاد ايام ماضية لن تعود وتحقيق لابأس به من المكاسب ايضاً . لذا تجد الشارع السياسي الحالي اصبح حافلاً بالبنايات الحديثة الضخمة والفيلات المليونية واساطيل السيارات الفارهه لا بالشخصيات ذات الثقل الجماهيري ، وانطفأت انوار المقاهي السياسيه ولا تسمع الا اصوات خافته من التباكي علي الديمقراطية والحياة السياسيه من شخصيات لا يعرفها الكثيرين .
——————
لن ادخل في معترك كيفية انشاء حياه سياسيه متكامله فهذا الامر هو هدف يحدوه عوامل لانهايه لها بدايه من اصلاح التعليم والثقافه والمستوي المادي للمجتمع عبر عشرات السنوات . ولكننا هنا نشير الي الواقع الحالي مجرداً خالياً من ايه توجهات او دراسات .
——————
ما نعرفه جيداً ان التصدي لحكم هذا البلد منذ عهد عبد الناصر وحتي ألان و بكل ما تحفل ارضه من طوائف ومشاكل واحتياجات ليس نزهه او حقل للتجارب وانما تجربه مؤسسيه فعليه وقدرة على التفاعل والسيطرة ، مع تحقيق احتياجات المجتمع والتعامل مع الوضع الاقليمي والدولي، وتحريك سفينته بكل ما تحمله من هذه الهموم ومصاعب بهدوء في بحر لا يعلم الا الله نهايته او شواطئه .
وهذا كما تري حمل هائل لا يحتمل الشطط او المراهقه.
—————
هذه هي ثقافتنا و احتياجتنا الفعليه حالياً والتي يجب علي الجميع احترامها ولن يوجد في الدنيا عبر ازمنتها من كان علي صواب مطلق او خطأ مطلق .
والسلام ،،
#سقراط