الكاتب : سقراط |
09:58 am 28/07/2023
| رأي
| 1387
لا يوجد في شعوب الدنيا من يعيش مع اجداده السابقين مثل الشعب المصري . فالعديد من ملوكه وشخصياته تلك التي كانت ملئ الزمان منذ اكثر من اربعة آلاف عام مازالت موجودة حاضرة بين احضان احفادة حتي الآن ، ويستقبل هؤلاء الاباء في صناديقهم الزجاجيه الاف من احفاده ومن كل شعوب الدنيا كل يوم لرؤيته والسلام عليه و تري في نظراتهم التي يشع منها الدهشة والاعجاب من استمرار بقاؤهم كل هذه السنين بنفس اجسادهم وملابسهم . لن تجد شعب في العالم مازال يعيش بجوار مباني القدماء المشيدة من الآف السنين .فهضبة الاهرام احاطتها مساكن وطرق الاحفاد من كل جانب . ——————-
ويعيش اخرين جنوباً بجوار مباني المعابد وحولها بعد ان كانو حتي وقت قريب يعيشون داخلها .ورث الاحفاد عن اباؤهم اغلب اخلاقهم وحرفهم . فمازال المصري المعاصر يعشق البناء في كل وقت وفي اي مكان . ولك ان تسأل اي عابر عن امنيته سيقول لك من فوره عايز ( ابني بيت) . وظل الاحفاد علي عهد الاجداد في عشق الوظيفة الحكومية والقلم والقرطاس كما علمهم الكاتب المصري القديم . واستمر النيل هو سر الحياة منذ عهدهم وحتي ألان.
————————-
تواصل غريب لا تجده في الكثير من الحضارات ، تشعر فيه بأن القدماء هم نفس من يعيشون حالياً ما عدا الزي الذي يرتدونه . عاصر القدماء حروب و مؤمرات كثيرة استهدفت بلدهم واستقرارهم . وتبدو نفس الحروب والمؤمرات قائمة حالياً كأنها لم تتغير .مؤمرات الامم المحيطة و محاولات السيطرة علي منابع النيل هي هي لم تتغير من الاف السنين . حتي عاداتهم و تقاليدهم مازالت تتوارثها الاجيال جيل بعد الاخر . فالعين الزرقاء مازالت هي ترياق الحسد ، تري طائراتنا تتشح بشعار حورس رمز الامان والعين التي لا تنام . يعشق المصريون الذهب وكل ماله صله به مثلهم مثل الاجداد الذين شكلو منه فن بديع زين حضارتهم وجعلها باقية علي مدار السنين . حتي الاحتفالات والمناسبات لم تتغير ، و ستندهش عندما نري ايقونات الاجداد وهي تصور حياتنا الاجتماعية المعاصرة وهي توثق دور المراة وهي ترعي الرجل والاولاد و تسيطر على مقدرات الاسرة عندهم تماماً مثلما يحدث ألان .
———————-
مرت على هذه البلاد حقب كثيرة واجناس اخرى احتلتها وحاولت السيطرة عليها ولم ينصهر العنصر المصري القديم في اي منها حتى عندما دخل العرب وادخلو الاسلام معهم . أمن المصريين بالاله الواحد لأن هذا اعتقادهم من الاف السنين ولم يذوبوا ابداً في الثقافة او المجتمع العربي الوافد عليهم .حتى اسلامهم بات يعتريه بعض الاختلافات الخاصة بهذا الشعب فقط . بقي العنصر المصري معدناً غير قابل للذوبان او التفاعل علي الرغم من كل المؤثرات القوية عليه .جاء الهكسوس والبدو والفرنجة والعرب والاتراك ولم يتأثر العنصر المصري بكل هؤلاء وبقي علي معدنه و عاداته وثقافته التي يتميز بها ولم يتخل عنها او يستطيع احد محوها او تغييرها .
————————
يرتبط الناس بهذه الارض ارتباطاً غريباً، تجده مسافراً أو مهاجراً لم يستطع الذوبان في المجتمع الجديد و يمتلك حنيناً متدفقاً للعوده اليها ولولا احتياجه للمال ما تركها .
لم يحظ هذا الشعب بالثراء علي مر عصوره . وربما كان هذا من احد اسباب تميز هذا الشعب في ابتكار سبل الرزق . فالحاجة دائماً هي مبعث الابتكار والعمل والاختراع . لم يكن لهذا الشعب من الموارد الطبيعيه التي تمنح الثراء بسرعة ووفره . فكل موارده تأبي الا ان تكون نتاج جهد وعرق وعمل وابتكار . فمنحه الله الارض ليكد فيها ويزرعها ولم يمنحه غابات ذات ثمر متجدد يقطف ويأكل منها . وهكذا في كثير من المجالات . كلها تتطلب عمل شاق و تفكير متجدد حتي تستمر الحياه. لم تكن ارض مصر علي مر العصور منجماً هائلاً لذهب اصفر أو اسود . وما هو موجود يظل مستتراً و يظهر بقدره من جيل لأخر .
———————-
ولكن ظلت هذه الارض عامرة بثروة لا تجدها في اماكن كثيرة . ثروه تنبع من كل من يعيش علي ارض هذا البلد و هي الرغبة العارمة لدي كل المصريين للعمل من الصبا وحتي الممات . العمل بالنسبة لهم هو الروح والحياة والكرامة . منذ اجداده الفراعين والعمال يكدحون لا يعنيهم حراره شمس او بروده جو . فالاف منهم استخدموا في بناء اهرامات الجيزة ومات منهم الكثير برضا نفس و شيدت اياديهم احدي عجائب الدنيا الباقيه حتي ألان . خرج منهم احفاد استطاعوا بناء السد العالي احد معجزات البناء في العصر الحديث . واذا تركت للمصري العنان سيوسع الارض بناء وعماره . وها انت تري ما حدث من تشييد علي ارض هذا الوطن في اقل من عشر سنوات .
——————-
مئات الكيلومترات من الطرق الجديدة والبنايات الجديدة و عشرات الكباري علي التقاطعات . التكلفة كانت كبيرة ولكن القدرة علي الانجاز والتحدي كانت اكبر . ومهما اختلف الكثيرين علي ذلك فسيظل ما حدث شاهداً علي قدرة المصري الهائلة في البناء والتعمير .
——————-
لم نسرد هذا الموضوع كوصله انشائيه في مدح هذا الشعب او لبعض الانجازات لم يكن هذا هو المقصد ابداً . ولكن مقصدنا كان توضيح ان الشعب المصري علي مر العصور لم يكن من اصحاب الثروه ولم يعتد الحياة الناعمة علي مر اجياله . وانما ظل من اصحاب القسم على لقمة العيش التي تكفيه وتسد رمقه راضياً قانعاً بها . ولن تجد من يحترم رغيف الخبز مثل هذا الشعب . لم يقسم المصريين علي مالذ وطاب من انواع الطعام الفاخر الذي يذخر به العالم . ولكن كانت تطلعاته ابسط من ذلك بكثير واكتفي بحفنة من دقيق وماء ليس الا.
————————
العمل هو حياته وهدفه . بدونه يفقد الهوية والرغبة في الحياة . ليس المهم نوعيه العمل المهم ان يعمل ويظل يعمل حتي يموت وهو يعمل . يكره الراحه ويخاف منها فقد تكون نذير نهايته . مصر ارض العمل لا ارض الثروات . ارض الخبز الذي يطلع من الارض لا ارض الذهب والبترول حتي ان وجد . هذه هي مصر منذ فجر التاريخ سلسله متواصله من المعاناه والعمل ومن يجد لنا غير ذلك فليقل .
العمل هو الرابط السحري بين (امنحتب) حتي (عبد السلام) . ولعلك ايقنت ان عنوان حديثنا لم يكن مدعاة للسخرية .والسلام ،،
#سقراط