الكاتب : سقراط |
01:35 am 25/07/2023
| رأي
| 2120
والحقيقة أنني لا أعرف سبباً واحداً يجعل شخصاً ما يغضب أو يدخل في حالة هيسترية تفقده توازنه وعقله إذا قيل له أنه سيُنقل من مكانه لمكان أخر ، أو انه سيترك منصبه وسيتولاه شخصاً أخر ، معظم الموظفون في مصر وخاصةً الكبار منهم عاصروا آبائهم وأقربائهم وحتى مديريهم "وقد كانوا ملئ السمع والبصر" ، وهم يودعون مناصبهم ويجلس بدلاً منهم أخرون .
———————
والحقيقة أن كرسي رئيس الشركة أو الوزير أو أي كرسي ، مثله مثل كرسي "الحلاق"، كل واحد يجلس عليه لفترة ، طالت أو قصرت ، حسب ما إذا كانت "الحلاقة شعر وذقن أم شعر فقط "، المهم أنك ستغادر الكرسي بعد فترة ، وهذه نماذج وأمثلة لا يستوعبها الناس رغم أنهم يعيشونها ويمارسونها في حياتهم ، بل والادهى من ذلك أنهم دائماً يحكون عنها ويشبعوننا ورعاً وزهداً فى المنصب والكرسي ، إذن لماذا الغضب !
——————-
مع اقترب حركات التنقل والتغيير في قطاع البترول ، ينبري المتابعون بكتابة ملامح للحركة ، قد تكون شبه صحيحة وقد تكون مخطئة وقد تكون مجرد تكهنات من بنات وأبناء أفكار من يكتبها ، وللأسف تجد من يذكر إسمه غاضباً شائطاً من ذلك ، ويشعل الدنيا صراخاً وعويلاً ، والأخطر أنه يدخل في حالة فكر وصراع دائم مع النفس ، وقد يصاب بجلطة أو يأتيه مرض السكر ، كل هذا لأنه قيل عنه أنه سيترك منصبه لمكان أخر ، وكأن المنصب الذي يتولاه خلفه له الأجداد وورثه كابراً عن كابر ولا يمكن زحزحته منه ، ويتناسى أنه تولى هذا المنصب دون أن يكون له تاريخ فيه ولا صولة ولا جولة واحدة ، ويتناسى أيضاً أن اقرانه الذي هم أكفأ منه لا يزالون قابعين في اماكنهم الواحد منهم لم ينل نصف ولا ربع ما نال هذا الشخص ذاته .
———————
والحقيقة أن هذه عادة الموظفون في مصر ، هذه العادة تحكمها عادات متوارثة منذ بدأت الوظيفة العامة تكون تشريفاً وليس تكليفاً ، تكون بغددة وعطاءًا وليس مهمة ومسئولية وخدمة عامة ، وطبعاً لا يمكن لك بحال من الأحوال أن تنكر على أحد غضبه ، فأسطول السيارات والبدلات والعضويات والميزات والسفريات ، والمصايف والمشاتي وكوبونات كنتاكي وبونات البنزين ، تفقد البني آدمين صوابهم وعقولهم ، فهذه كلها عطايا تذهب عندما يذهب المنصب ، إذن من حق صاحب الوظيفة أن يغضب ويحزن ويمرض ، ويصاب بكل الأمراض ، هو في نظره المميزات أفضل من صحته وراحة باله والأيمان بالقدر .
——————-
ولو كانت لدينا ثوابت راسخة وقوانين حاكمة "شرط أن تكون معدلة"، لما بكى صاحب منصب على كرسيه ، ولما غضب من كلمة تكتب ، ولما اتشح وجهه بالسواد من مجرد الكلام ، فالوظيفة هو يعتبرها تشريفاً وليس تكليفاً ، وعطايا وليست عطاء ، ومن ثم لابد وان يحزن ويغضب ويموت ويستقتل .
————————
الغريب أن معظم الموظفين وليس جميعهم حصلوا على هذه الوظائف لأسباب عدة ، منها: أنه مطيع ولا يتحدث ولا يظهر وليست له حدود لأنه غير موجود أصلاً ، وعدم وجوده ليس إنكاراً للذات ، ولكن لخوفه من صدور قرار بإبعاده لأنه تبسم وقت الحزن وتكلم وقت الصمت واستيقظ وقت النوم ونام وقت الصحو ، لذا هو خاضع خانع مستكين ومسكين ، ودون أن يُطلب منه تجده مادحاً ممجداً في من خدمه ومنحة مكان لا يستحقه .
أما النوع الأخر : فهو الذي جاء بتوصيات لا يستطيع أحد الوقوف ضدها ، هذه التوصيات من موظفين أكبر منه واعلى شأناً فى الخضوع والخنوع .
طبعاً هناك نوع أخر ، وهو الذي يدير دولاب العمل بكل ثقة وتفاني ، وهذا النوع مطلوب وجوده ولا يمكن الاستغناء عنه ، وهؤلاء يطلقون على أنفسهم لفظ "الفواعلية"، لأنهم يعرفون كل شيء وهو الترس المحرك لمنظومة العمل ، وغالباً هؤلاء لا يحصلون على مزايا ولا عطايا ، بل يحصلون على الملامة عند الفشل والصمت عند النجاح ، بالبلدي كده "فى الفرح منسية وفى الهم مدعية"، لأنهم لا يطلبون ترقية ولا منصب أكبر ، وغالباً يخافون من الطلب ، فليس لديهم عائل أو حائط صد ، ومن باب "إن جالك الغصب خده بجميله"، يعتبرون العمل عبادة ، ويتأصل فيهم ذلك ، فينسون الميزايا ويقدمون العطايا .
—————————
تركيبة الموظفين تركيبة غريبة ومخيفة ، وهي أعقد من التراكيب الجيولوجية للأرض ، كل ما هنالك أن من يستطيع اكتشافها وإدارتها مثله مثل الجيولوجي الشاطر الذي يعرف أن يوجد الزيت والغاز والذهب ومتى يستخرجه ومتى يتركه قابعاً في مكانه ، وهذا ما عهدنا عليه الآباء والجداد وسيمتد للاحفاد واحفاد الاحفاد .
————————-
ومن قبل كتبت عن ضرورة تغيير هذا النمط وهذه الصورة السيئة والتي كانت سبباً في إضاعة حقوق المبدعين والمتفوقين وقتل المواهب و وأدها للأبد ، وهذا يتحقق بوضع الرجل المناسب فى المكان المناسب ، واختيار من يحقق المصلحة العامة لبلده ومؤسسته ، وجعل المنصب تكليفاً وليس تشريفاً ، ووضع تصنيف مثلا لرؤوساء الشركات A B C ومن الممكن إكمال بقية الحروف ، فلا يُمنح رئيس شركة تخسر "وهو السبب في ذلك" كل المزايا والعطايا ، ومن يتحمل ثقيل الأحمال لا ينوبه إلا تقطيع هدومه ، والأمثلة والنماذج كثيرة ، وأن لا تأخذ القيادات من مكان واحد وتوزعهم على القطاع ، هناك أماكن اقدر واحدى وافيد ، وأن تكون عينك على أهل الخبرة وليس أهل الثقة ، وأن تمنح الجميع حرية القيادة والتصرف ، ومن يخطئ تقطع رقبته ويحاسب ، ومن يُحسن العمل يكافئ ويشد من ازره .
————————
والأمور عندما توزن بميزان واحد وتُرى بعين واحد وتكون هناك وجهة نظر واحدة هي الحاكمة والفاعلة ، سيصل بك الأمر فى النهاية أنك لا تجد قيادات رغم كثرة الموجودين ، وفي طريقك للبحث عن رئيس شركة تجد مئات الجثث وللأسف تراها غير صالحة ، لأنك ساهمت في تحللها عندما منحت ما لا تملك لمن لا يستحق .
———————-
لستُ هناك في معرِض ذكر نماذج موجودة بالهيئة والشركات القابضة والشركات ذاتها ، حتماً هناك العديد والعديد من الشخصيات الناجحة والمؤثرة والقائدة والوطنية الشريفة العفيفة ، لكن هناك أيضاً ما لا يستحق وهو مؤثر وفاعل ، والماء العذب يصيبه العكر من أبسط الأشياء ، لذا نتمنى أن يرزق من يختار حُسن الاختيار ، ويلهمه الصواب .
———————
وأتمنى أيضاً من البعض أن لا يغضب ولا يحزن ، حضرتك هتسيب الكرسي هتسيبه ، ولك أحد الاجلين ، إما الموت وإما الإبعاد ، لذا لا تبكي على شيء لا تملكه ، فطالما أنه ليس ملكية خاصة فابتعد ، وخذ العبرة ممن سبقوك ، ولما تروح للحلاق حاول تتدبر حال الناس هناك ، ساعتها سترى وتعلم أن دوام الحال من المحال ، ولو دامت لغيرك وا وصلت إليك ، ولو ظل كرسي الحلاق مشغولاً لطال شعرك وكسى عينيك فلا تُبصر بعدها أبدا .
#سقراط