الكاتب : سقراط |
06:12 pm 22/07/2023
| رأي
| 1159
يهل يوليو من كل عام يحمل معه حرارة الطقس و تتجدد فيها ذكريات ثوره مصر الخالدة في ١٩٥٢ كنسائم رقيقة من زمن جميل لم يعشه اغلب الجيل الحالي .ربما شاهده في الاعمال الدراميه وسمع عنه في الاذاعه ، فعاش معه ومع احداثه التي يري تأثيرها في حياته حتي الان . ربما سمع بها ايضاً من حكاوي الاجداد في مقاعد السمر والذكريات و اسهب كل منهم في سرد ايام (جمال ) و ( حرب ٥٦ ) و ( تأميم القناة) وكثير من الاحداث التي ظلت علامات فارقه في تاريخ هذا الوطن .
ثورة يوليو ، ثورة اجتماعية من الطراز الاول لها اثر عميق في محيطها وفي العالم واصبحت تضاهي الثورة الفرنسية العظيمة في نتائجها وتأثيراتها الاجتماعية والسياسيه الممتدة عبر الزمن .
لم تطلق فيها رصاصة واحده ولم يسجل التاريخ مقتل او حتى جرح مواطن او جندي فيها . ثورة قام بها الشعب بمجموعة من ابناءه في الجيش المصري. ظلت ثوره يوليو تفتخر بأنها ثوره شعب لتغيير نظام الحياة في مصر .لم تكن لها جذور او قواعد حزبية أو سياسية تحكمها لاقتناص حكم او سلطة .كل ما قامت عليه هو رغبة ابناء الغلابة الذين يخدمون في جيش هذا البلد في التخلص من الحكم الملكي اولاً ثم تطهير مصر من الوصاية الانجليزية التي فرضتها ظروف الحروب والسياسة العالمية في هذا الوقت .
مطالب مشروعة لم تلوثها خفايا دهاليز السياسة و لا التوازنات والمصالح الشخصية والحزبية .كان شعور هذه المجموعة الفتيه أن شعبهم وأهلهم غرباء في وطنهم يعملون اجيراً أو سخره في اراضي الاقطاع والاثرياء كعمال وعبيد ليس لهم حقوق سوي بعض من طعام يقيم وأدهم ليستمروا في العمل .
كانت الحياة الاجتماعيه في مصر قاسية لا عدل فيها ولا رحمه واغنياء البلد من اصحاب النفوذ و السرايات يتحكمون في عموم الشعب البائس و كانت الاحزاب السياسيه تعيث فساداً في البلاد ما بين مؤيد للملك لمصالحها المحدوده واخرين يدورون في فلك الاحتلال الانجليزي .
انتشرت اجواء تظلل البلاد مفعمه بالظلم والفقر والفساد .
وينطلق الضباط الاحرار مساء ٢٢ يوليو ٥٢ ليسيطروا على وزاره الحربيه والمنشآت العسكريه الهامه في القاهره وتشرق شمس ٢٣ يوليو ليجد الشعب ان د البلاد دانت لأولادهم من الضباط الاحرار وانطلقت من توها شراره الثوره الشعبيه بين جموعه في مظاهرات عارمه تؤيد وتبارك ما قامو به من عمل جرئ و مجيد ، وجد الضباط الاحرار مسانده شعبيه منقطعه النظير فقويت شوكتهم و اجبرو الملك علي مغادره البلاد ، ورجعت مصر الي اصحابها الحقيقين من عموم الشعب من الفلاحين والعمال .
لم يشترك في هذه الثورة اي حزب او جماعه او اي من باشوات هذا العصر او إقطاعيه . جميع من قامو عليها من اولاد المصريين البسطاء في الجيش ، فجمال عبد الناصر من (بني مر ) اسيوط وكان ابوه عامل بريد وعبد الحكيم كان من قرية ( اسطال ) المنيا . والسادات كان من (ميت ابو الكوم) المنوفية ولم يكن يملك قوت يومه ، خالد و زكريا محي الدين كانو من (كفر شكر ) قليوبية و من اسره عاديه .كان هذا هو السر الحقيقي لنجاح تلك الثورة وخلودها . ظلت مثال حي لتماسك العلاقه بين الجيش والشعب علي مر الايام . أوفي الجيش بعهده ولم ينفصل ابداً عن نبض الشعب منذ قيام الثورة في كافة نواحي الحياة المختلفة . و رد الشعب ايضاً الجميل و وقف مع مع جيشه في كل الحروب و كان الشعب وحده هو من اقام الجيش من عثرته بعد حرب ١٩٦٧ وتحمل شظف العيش ومراره الهزيمه وقسوه اعاده بناء القوات المسلحه حتي يتم تحقيق النصر واسترداد الكرامه الوطنية. و حقق معه النصر في ٧٣ في ترابط فريد لا يوجد الا في بلدنا .
و لعل الجميع يعلم بوجود شقيق رئيس الجمهوريه وقائد الجيش في طليعة شهداء اكتوبر النصر العظيم وفي اول ساعات نشوب الحرب. انتهت الي غير رجعه التفرقه بين المصريين فلا فرق بين زعيم ومواطن في هذا الجيش ، الجميع علي اهبه الاستعداد للتضحيه بالنفس لحمايه مقدرات هذا البلد . ويظل جيشنا متداخلاً في نسيج الشعب ويشعر بالمسئولية تجاهه . و اصبح من الجيوش المؤسسية النادره التي تهتم بشئون المجتمع وحياته منذ ان نجح في اقامه الجمهوريه علي انقاض الملكيه العتيقه . و منذ عهد الزعيم الخالد (جمال عبد الناصر) تري الجيش وهو مهموم بشئون شعبه وحياته وسبل الرزق له. فكان انشاء المصانع و السد العالي والتلفزيون ومجانيه التعليم وتشعبت شركات القطاع العام بمختلف انشطتها لتقوم علي خدمه ابناء الشعب البسطاء وتوفير فرص العمل لهم و ظهرت الحياه السياسيه المدنيه في شكلها الاشتراكي المعروف .
وجاء السادات للحكم وحطم الغطرسه الاسرائيليه في حرب خاطفه مريره ذهبت بالكثير من الشهداء ودفع الشعب من دماؤه وثروته الكثير . وأعادت تلك الحرب قوه الدفع للمفاوضات علي اساس من القوه . وبعدها انهى حاله الحرب مع اسرائيل بذكاء الثعالب لتحقيق رغبه اكيده داخله في وقف الحروب الشرسه مع اليهود التي لم تحقق اي نتيجه حاسمه . وجلجل صوته في الكنيست الاسرائيلي في احد اكبر معجزات السياسه العالميه مطالباً اسرائيل بالعوده الي صوت العقل و التفاوض . و كانت قناعته الثابته بأن هذا الشعب يكفيه استنزاف لثرواته في تلك الحروب . و اتجه مسرعاً الي الانفتاح التجاري والسياسي علي العالم الغربي رغبه منه في ازدهار الاقتصاد المصري ليشعر المصريون ببعض رغد العيش كما تعيشه الشعوب العربيه من حولنا في الدول البتروليه .
و استمر الرئيس مبارك علي نفس النهج تقريباً وان كانت بوتيره يغلب عليها البطء و الرتابه فهذه كانت طبيعه شخصيته. وكانت عوامل الاستقرار التي حافظ عليها خلال فتره حكمه الممتده اهم ما تحقق خلال تلك الفتره. وعندما قرر الشعب انهاء حكمه وجد الجيش مسانداً له بلا قيد او شرط كعادته مع اي رغبه شعبيه .
وتظل العلاقه بين الجيش والشعب في هذا البلد فريدة المضمون، وطريقتها لا يفهمها العديد من السياسين بل و الكثير من دول العالم . فهذه المؤسسه في حاله استدعاء دائم من شعبها ولم تفرض نفسها ابداً عليه أو علي اي من نشاطاته. فقد قامت على رعاية شعبها وتحملت مسئولية حياته المدنيه الصعبة و حصنتها ضد عوامل التدخل الخارجي أو المتسللين من الارهابين مدعي بطولات التحرير الوهميه منذ عام ٥٢ وحتي ألان . ولسنا في معرض تبرير أو اقناع لأي طرف داخلياً او خارجياً بهذا المفهوم فهذا واقع مصري خاص بنا ولا يهمنا في هذا اقتناع الاخرين به من عدمه .
تحيه تقدير وإحترام لأرواح اعضاء مجلس قياده ثوره يوليو الخالدين العظماء وعلي رأسهم الزعيم الخالد الرئيس (جمال عبد الناصر) قائد الثوره و زعيم مصر الكبير و عميد الوطنيه الثورية المصرية الحديثه . واحمد الله ان حلم جمال عبد الناصر -في رؤية بلاده حديثة متحضره- لم يمت. تحقق الكثير علي يد ابناؤه و احفاده في جيش مصر العظيم ممن تولت المسئولية الثقيلة وظهرت في بلادنا مشاريع وتطور جبار في مختلف المجالات.
تحيه لكل ابناءنا في جيشنا الوطني مؤسسه الشعب الصامده و ذراعه القوي …تحيه وعرفان لإنجازات ثوره يوليو والتي مازلنا نعيش في ظلالها حتي ألان. وكل عام وانتم بخير .
#سقراط .