الكاتب : سقراط |
06:00 pm 21/07/2023
| رأي
| 1696
ارتبطت مشاكل الكهرباء اجتماعياً بهذا المخلوق المقزز . حيوان صغير مخرب يعيث في الارض فساداً وكأنه خلق لعقاب البشرية علي ذنب ما . تم تحميله ذنب انقطاع الكهرباء على مدار عشرات السنين مضت .
الكهرباء اصبحت الحياة ذاتها . نحن نتنفس ونعمل ونأكل بالكهرباء . واذا كان الخالد (طه حسين) قد قال بأن التعليم حق للجميع كالماء والهواء فكذلك الكهرباء الآن . كل انشطة البشرية تتعلق بها ، آلاف الحواسيب التي تتحكم في منظومات العالم كله من انترنت وطائرات وبنوك واضاءة تصبح كلها غير ذات قيمة بدون الكهرباء وعن ما قريب السيارات، وبدونها يختل نظام العمل العالمي بأكمله. و اذا كانت المياه هي احد اهم اسباب الحروب بين الدول ، فتبدو الكهرباء ألان تتأهب لتدخل حلبة هذا الصراع. فأثيوبيا ومن خلفها دول و مصالح كبيرة تتحرق شوقاً لتوليد الكهرباء من سدها اللعين على نهر النيل لتدخل عصراً من التطور تتوق اليه منذ عقود وكذلك تنزانيا و الكونجو و كلهم في سباق محموم لدخول عصر توليد الكهرباء .
———————
أما امريكا و اوروبا فتحاول منع العديد من الدول من توليد الكهرباء من المفاعلات النووية خوفاً من استخدامها لأغراض عسكرية تسبب لها مشكلات مستقبلاً . الدول اصبحت تدخل في تحالفات ذات شكل واهداف جديدة ، ويبرز شكل التحالفات الجديد في ربط الشبكات الكهربية فيما بينها للتحكم في النقص والزيادة في الاحمال والاستهلاك و تصبح كلا منها في مأمن من نقص الكهرباء او تصدير الزيادة يحقق عائداً مادياً لها . فالكهرباء اصبحت أمن قومي للدول.
منظومه جديدة بدأت تنشأ في العالم لها اساليبها وحساباتها وتكاليفها ايضاً .
——————
تبدو المنطقة العربية اقل معاناة في توليد الكهرباء . فمناطق الخليج والسعودية و ليبيا تنتجها بحرق المواد البترولية المتوافرة هناك بدون قيد او شرط ، بالاضافة الى توافر رؤوس الاموال اللازمة لاقامة محطات التوليد . و في مصر صاحبة السكان الذين يعادولون سكان دول الخليج مرتين ،فتاريخ توليد الكهرباء بها عريق وقديم .
و بدأت بتوليد الكهرباء منذ ستينيات القرن الماضي من ( السد العالي) على النيل . ثم دخلت عصر اكتشافات البترول واستخدمت حرق المازوت والمنتجات الثقيله في عمليه التوليد . ثم دخلنا عصر الطاقه الاقل تلويثاً باكتشافات الغاز الكبيرة وبدء توليد الكهرباء من حرق الغاز وهو انظف بمراحل من عملية حرق المازوت.
وكلما زاد التطور التكنولوجي زاد الاعتماد على الكهرباء و تزداد بالتبعيه اهميتها الاستراتيجية يوما بعد الاخر حتي اصبحت احد ركائز الامن القومي .
ظل انقطاعها وعدم الانتظام في توليدها يمثل حرج بالغ لحكومات متعددة منذ قيام ثوره يوليو ٥٢ وحتى عام حكم الاخوان في ٢٠١٢ . وظل تبرير انقطاع الكهرباء على مر هذا الزمن مثيراً للسخرية والجدل . فبدأنا بمشكلة (فار السبتيه) الذي ينشط كل صيف ليأكل اسلاك وكابلات محطه الكهرباء هناك حتى وصلنا الي عامل التحويلة الذي يتقاضي ٢٠ جنيهاً حتي ينزل بسكينة الكهرباء ليقطعها على الناس . لا تتعجب فهذه المبررات كانت من تصريحات رؤساء و مسئولين بالدولة يعلمون مدي اهمية ما يصدر عنهم من تصريحات ، وعلى الرغم من ذلك فكانت تلك التصريحات تشعل الحس الكوميدي والفكاهي المكتوم في صدور المستمعين له . فالمبررات واهية ولا تليق بتصريحات رئيس دولة أو مسئول. ولكن يمكن التماس العذر لهم لأن ايج مبررات تخص الشح الكهربي لن تكون مقبولة لدى عموم الناس فلجئوا مضطرين الى كل ما هو تخيلي من اسباب و مبررات .
ثم حدثت النهضه التي تحققت في هذا المجال عندنا في الفتره من ٢٠١٤ وحتي ألان . واسهمت فيها محطات شركة سيمنز الالمانية العملاقة في تحقيق طفرة كبيرة في توليد الكهرباء و صاحب ذلك ايضاً لحسن الحظ تحقيق اكتشافات غازيه ضخمه اتاحت لتلك المحطات ان تعمل بكافة طاقتها واصبحت ازمات الطاقة الكهربية في مصر مشكلة من الماضي .
ولا يعني ذلك عدم وجود مشكلات فنية مثل التي تواجه اي من فروع الصناعة في مراحل عملها . فالمحطات لها جداول للصيانة باهظة التكاليف . و بعضها لا يعمل بكفاءة ميكانيكية عالية وبالتالي يزيد استهلاكها من الغاز عما هو مخطط لها ويقل معامل تحويل الطاقه بها . ايضاً تتعرض آبار الغاز للعديد من المشاكل الميكانيكيه التي قد تؤدي الى اغلاقها وفقد انتاجها لمدة من الزمن الى أن يتم اعادتها على الانتاج مره اخرى مما يؤثر بصورة مرحلية على انتاج الغاز . هي مشاكل كما ترى موجودة في كل نشاط صناعي اقتصادي لا غرابة فيه . و هي تبتعد تماما عن اسباب مثل ( فار السبتية) و عم محمود ( عامل التحويلة) .
——————-
ولا ادري لماذا لا يتم شرح ذلك للناس بصوره مبسطة لتعرف اسباب الانقطاع أو عدم الانتظام في التوليد وخاصة في ظل الاستهلاك المخيف الذي نراه حالياً لارتفاع حرارة الطقس بشكل لافت و كذلك استهلاك النشاط السياحي الصيفي المعتاد .
يجب على مسئولي اعلام الحكومة المختصه بالبترول و الكهرباء امداد الاعلاميين بمقاطع مختارة بعناية توضح للناس ببساطه عظمة وتشعب شبكه توزيع الغاز والكهرباء في ربوع مصر كلها والتي لا وجود لها في اي بلد عربي او افريقي و ربما اوروبي لتغذية كل اوجه النشاط الصناعي و الكهربي و المنزلي في بلدنا الكبير . وكيف ان المحافظة على ضغط شبكة الغاز الشاسعة هي عملية غايه في التعقيد ليصل الغاز بضغط مناسب الى ابعد نقطة في اصقاع مصر . وان ضغط هذه الشبكة هو بمثابة ضغط الدوره الدموية في الانسان ارتفاعه مثل انخفاضه مميت . علي الناس ان تعلم و تفهم ان ضغط هذه الشبكه يتأثر حتمياً بآبار الغاز المغذيه لتلك الشبكه والتي قد تتعرض لمشاكل فنيه مفاجئة، فنحن لا نتعامل مع آله ميكانيكية وانما نتعامل مع مجهول متقلب في باطن الارض ،فينخفض ضغط الشبكه وتتأثر بالتأكيد معدلات انتاج الكهرباء .
——————
و على الناس ان تعلم ايضاً بأن للمستثمرين الشركاء في قطاع البترول حق في الغاز المنتج واننا لا نملكه بأكمله طبقاً للقانون ، بعد مليارات الدولارات التي انفقوها لأنتاج هذا الغاز . يجب عرض الحقيقة على الناس بشكل مبسط يفهمونه ليدركوا القصد منه . فلا احد يريد ان يقطع الكهرباء عن الناس في هذا الطقس الصعب ولكنها الظروف القاهره والتي يأتي اغلبها فني وليس عجزاً .
———————
يجب توضيح ما يتحمله قطاع البترول من اعباء ما لا يطيقه اي قطاع اقتصادي في الدولة. وان هذا القطاع بكل عامليه يكافح من اجل استمرار الانتاج وتغطيه احتياجات الدولة ويضغط على موازنته وعلى ابناؤه ايضاً حتي يستطيع الاستمرار في القيام بدوره، وأنه يسمح بتأخر مستحقاته لدى الاخرين مساهمة منه في تخفيف الاعباء عن المجتمع ككل . و أن لديه من المسئوليات والتحديات تجاه الدولة وشركاؤه مالا يمكن تصوره. عليهم ان ينقلوا للناس صورة واقعيه توضح كيف ان العاملين بالحقول وخطوط الانابيب يعملون في ظروف انتحاريه من اجواء مناخيه غاية في القسوه براً وبحراً وظروف عمل بها العديد من عوامل الخطوره حتي لا تنقص قطرة غاز او زيت من انتاج البلد.
————————
ويقع ايضاً علي اعلام وزاره الكهرباء نفس العبء . فعليه توضيح كيفيه العمل بالمحطات ومعدلات التوليد واهمية الصيانه وتكلفتها وتوضيح قدرة الشبكة وتشعبها لتغطي عموم الجمهورية وانها احد أهم ممتلكات هذا الشعب التي لا يمكن تعويضها وضرورة الحفاظ عليها من الانهيار في تلك الاجواء الصعبة . وكذلك توضيح كيفيه العمل بمركز التحكم الكهربي لعموم الجمهورية الذي يمثل العقل المفكر للتوزيع والاستهلاك . كل هذا يجب ان يكون بصوره مستساغه وسهله ليراها الناس ويعرفوا قدرات بلادهم الحقيقية وما طرأ عليها من اضافه وتطوير.
——————-
نحن هنا لا نحاول ايجاد المبررات ولكنها الحقيقة والواقع الذي يجب علي الجميع ان يعلمه ، وان الكهرباء كأي سلعة تتعرض للشح عند تكالب الاستهلاك والطلب عليها . و بهذا لا نترك الفرصة للأخرين من استغلال الفرصة لتشويه كل انجاز والحط من مجهود العاملين بقطاع البترول و كذلك الكهرباء .
————————
لم يعد يخرج احد من المسئولين ليعلن عن (فار سبتيه) او (عم محمود) عامل التحويلة فقد اصبح ذلك من الماضي . ولكن على الرغم من ذلك لم نجد شرحاً وافياً لعملية توليد كل كيلو وات من الكهرباء ليعرف الناس كم المجهود و الانفاق الذي بذل من اجل ذلك ليكون ذلك رداً دامغاً على حديث الاسفاف و الشماته والتهييج .
——————-
دعوات الترشيد التي تنطلق حالياً صحيحة و واقعية . ولكنه يجب ان يكون اختياراً لا امراً . فأذا ادرك المواطن حيثيات المشكلة بكل عناصرها منذ بداية انتاج الغاز حتى توزيعه علي المحطات ومدي ضخامة الاستهلاك فسيعلم ان عليه ان يحافظ علي منشآت بلده وثروتها وسيكون الترشيد طواعية واختياراً شخصياً له .
———————
و سمعت ايضاً تصريحات (تخفيف الاحمال) وهي عملية فنيه بالدرجه الاولي كما اتصور وليس نوعاً من انقطاع الكهرباء العاجز . ولكني لم الحظه ابداً لا في مسكني بالقاهره ولا في المصيف في اقصى شرق الدلتا . وهو ما يوضح انه ينفذ بطريقة محدوده جداً.
كل ما ارجوه بعد كل هذا ان نتوجه للناس بالمعلومه في صورتها المبسطه وبشكل ودود ليكونو معنا في نفس القارب ويكونوا على دراية ووعي بأهمية الحفاظ علي منشآت وثروه بلدهم في ظروف طقس استثنائيه بحق، ويعلم الجميع ان المسئولين لم تعد تجري لملاحقة فأر السبتيه . والسلام ،،
#سقراط .