الكاتب : سقراط |
08:07 am 17/07/2023
| رأي
| 1569
هو احد اهم الامثال الشعبية الداله علي عدم اكتراث بتكرار الطلب وعدم الوصول الى نتيجة محددة في اي موضوع أو مشكله من مشاكل الحياة المتعددة والمتجددة . تأتي عبقرية هذا المثل في اختيار كلماته فالاذان ليس مجرد كلام ، هو نداء يسمعه الجميع ولا يمل من التكرار ، و مالطا هي جزيرة هادئة وبعيدة عن الانظار والاسماع .
لم يبنى المثل على مجرد (الكلام في مالطا) ولكنه اتجه الى (الاذان ) تحديداً رغبة في توضيح الالحاح في النداء و عمومية السماع.
ويظل المصريون يتداولون هذا المثل عندما تصطدم ارائهم أو افكارهم بحائط منيع من الصمت وعدم الاكتراث. (الاذان في مالطا) كمضمون يوحي بعدم القدرة على سماع أو التعامل مع الاخر فيما يبثه و يظهره من رغبات او شكوي .
ظلت ثقافة التعامل فيما بيننا يملؤها الشك بين الطالب و المطلوب منه. فتجد قناعه اغلب من يتولى وظيفة او مسئولية وخاصة اذا كانت تتعلق بالإتصال المباشر مع الجمهور بأن ما يتم تقديمه من طلبات أو اوراق اليه اغلبها غير صحيحة او غير مستحقه وان الشاكي دائماً يبالغ او يكذب ولا يقول الحقيقه. أو ان طالب الخدمة او مقدم المظلمة أتى في الاصل بفعل مخالف للقانون ثم يسعي لتقنينه او تمريره غفوه .وعلي جانب اخر فقد يكون المسئول عديم الحيلة قليل الخبرة أو ان يكون الطلب خارج حدود عمله او سلطته والكثير منهم يستصعب بذل اي مجهود لن يأتي عليه سوى بالتساؤلات وبعض المسئولية وهو في غنى عن كل ذلك .
لم تتولد ثقافة الريبة بين الموظف او المسئول والمواطن بين عشية وضحاها .تعمقت تلك الثقافة وترسخت لعوامل اكثرها اجتماعي وبعضها اداري . وتأتي علي رأس المشاكل الاجتماعية قدرتنا الدائمة والمستميتة في مخالفة قواعد اي قانون ينظم حياتنا. فأذا فرض القانون مثلاً ربط حزام الامان اثناء قيادة السيارة ستجد اغلبنا يوثق الحزام خلف ظهره حتى لا تصرخ تحذيرات السيارة و نقوم بأرتداء قميص عليه علامه الحزام الاسود. على الرغم من ان ربط الحزام اسهل من كل هذا بكثير و جاء تشريعه محافظة على سلامة وروح قائد السيارة ولكن بلا جدوي .
هذا مثال بسيط لظراهر لا نهاية لها موجودة في مجمل حياتنا . وهنا يبرز التساؤل : لماذا ترفض الناس في بلدنا الانصياع لقواعد للقوانين التي تنظم الحياة فيما بينهم ؟ هل المشرع لتلك القوانين منفصل عن المجتمع و ظروفه ؟ هل ما يتم اصداره من قوانين لا تناسب طبيعة حياتنا، وبالتالي تجد معظمها في مهب الاحتيال ودائماً هي في مرمي التجاوز في تطبيقها ؟
ليس لدي اجابة محددة لهذا السؤال. ولكن اظل اعتقد ان خبراء التشريع لدينا لا بد لهم من الحكمة والخبرة لادراك كل هذا . ويبرز تساؤل اخر ، هل تطبيق القوانين المنظمة لحياة الناس هو امر صعب المنال في الدول التي تعاني من الزحام والتكدس السكاني ؟ اخلاقيات الزحام هي فرع معروف في علم الاجتماع وفيه يأتي من البشر من الافعال و التصرفات التي تختلف عن نفس تصرفاتهم في الاماكن الواسعة قليلة الكثافة ، وهذا التساؤل مردود عليه بما نجده من اتباع متقن للقوانين في بلدان مكتظه بالسكان مثل الصين واليابان وغيرهم .
وهناك تساؤل اخر يفرض نفسه علي ساحه هذا النقاش ، هل عدم الحسم القانوني السريع للمخالفات والجرائم و طول خطوات التقاضي و تشعبها يتيح للمخالفة ان تبقي وتترسخ وتصبح امر واقع .
وتأتي ايضاً سياسه التوظيف الحكومي العتيقه التي كانت احد اهداف ونتائج ثورة يوليو ٥٢ كأحد العوامل المؤثرة في العلاقة بين الموظف والمواطن . فأذا كان المواطن دائم الشكوي والطلب فأن الموظف على الجانب الاخر قد وجد في ما يتقاضاه يمثل اعانة اجتماعية هزيله ، لا تفي باحتياجاته وتطلعاته فلم يعد لديه القابلية لا في بذل الجهد ولا تحمل المسئولية الادارية تجاه ما يعرض عليه واصبح حيادياً يلقي بالمسئولية في أي اتجاه اخر بعيداً عنه . وهكذا تشعبت الاسباب والدوافع و ترسخ معها مبدأ (الاذان في مالطا) واصبح واقعاً يتعايش معنا ويؤدي الى المزيد من الاحباط واللامبالاة . ولكن بتغير دورة الايام لم يعد (الاذان في مالطا) مقبولاً في كل مجالات الحياة .
فالجميع حالياً يري العالم واحداثه في نفس لحظة وقوعها ، مفاهيم الناس وادراكها اختلف كثيراً عن ذي قبل .ولم تعد سياسة الصمت والمواربة مجديه في كل الحالات .
هناك احداث ومتطلبات لم يعد يصلح معها سياسة( الاذان في مالطا ) فستكون عواقب ذلك وخيمه و تبعاتها غير محتمله . على المرؤوس ان يستمع لمرؤوسيه ولا يهمل شكواهم وأفكارهم وهموهم ، على مسئولي التعامل الجماهيري من تغيير مفاهيم التواصل مع الناس . ولكن الاهم من كل ذلك ان نتغير نحن وننفض عنا سياسة( الكذب) المستمر رغبة في تحقيق مصلحة ضيقة او ( ادعاء ) أو تهويل مشكلة ليست موجودة .
لقد اصبح لزاماً اعادة اخلاق (احترام) القانون الى قاموس حياتنا، فلم يعد ذلك ترفاً ، وعلى القائمين عليه ايضاً مسئولية تطبيقه على الجميع بدون تفرقة او مجاملة وبمنتهي السرعه والحسم لاعاده الانضباط والاحترام في العلاقات المجتمعيه والانسانيه لدينا، و ما عدا ذلك كله ستظل الثقه مفقوده فيما بيننا و نصبح في حاله دائمة من عدم المصداقية مع انفسنا ومع بعضنا البعض وتصيبنا الريبه في التعامل او عدم الاكتراث بمشاكل الاخرين وهو مايؤدي حتماً ان تدور الدائره وتأتي الينا ونواجه نحن بنفس ما قمنا به تجاه الاخرين من عدم الاكتراث و فقدان الثقه .
بدون المصارحة مع النفس وتغيير ما نشأنا عليه و اعتدناه سنظل نؤذن في مالطا حتي قيام الساعه .والسلام ،
#سقراط