الكاتب : سقراط |
02:57 am 22/06/2023
| رأي
| 1310
يتهادي قطار الزمن علي سكه الحياه يشق فيها عباب المسافات ويخلف وراؤه الكثير من الحنين والذكريات . وهاهي ايام رحله العمر بحاضرها تأتي ومعها الكثير من ذكريات هذه الايام الجميله عنها وعن احداثها .
من رأي مكه منذ ثلاثون عاماً او اكثر ستقفز الي مخيلته ايام الحج في ماضي ذلك الزمان .
كانت رحله رحله جمه الصعاب والتحديات ، كانت بحق الرحله التي لا تضمن معها عودتك من حيث اتيت يسود الجمع والاهل في وداع هذا المسافر قلق و خوف كامن في الصدور . كل ظروف الرحله صعبه فالاجواء قارصه الحراره ، الزحام في المشاعر لا تضمن معه حياتك ابداً ، و عندما تهل عودته يضج الجميع بسعاده لا توازيها سوي سعاده تحقيق حلم بعيد منال تحقق علي غفله تنطلق فيه الزغاريد وتتردد فيه الاناشيد وينصب لها الزينات والافراح ، وعلي الرغم من ذلك لم يتوقف او يخبو هوي الناس لاداء تلك المناسك مهما كان القلق و التضحيات فهم علي ثقه ويقين أن الرحمات تهبط مع امطار الموقف الكبير لتجرف امامها كل حزن وخوف والكثير مما لا تدركه العقول.
جبال مكه شاهده وحرمها سيظلوا شاهدين علي دوران عجله هذا الزمن . هناك ايام كان التصوير فيها حراماً وممنوعاً داخل الحرم او اي من المشاعر المقدسه الي زمن اصبح التصوير بالتليفون والفيديو الحي لكل خطوات اداء المناسك وارسال التحيات والتمنيات للأهل والاصدقاء ، سيظلوا شهوداً علي قوافل اتوبيسات حجيج ضخمه تأتي من كل فج بعيد ، من اعماق تركيا وافغانستان وايران واوزبكستان والشيشان وتركمستان، اسابيع وشهور ليلا ونهاراً تقضيها تلك الحافلات الروسيه العتيقه و ركابها في سفر شاق قطعت فيه الاف الكيلو مترات من طرق و وديان وعبور بحار لتصل الي وجهتها المنشوده . و تراها عند وصولها و هي متراصه في طوابير طويله لا نهايه لها تري الحجاج علي سقف هذه الاتوبيسات اضعاف ماهو موجود داخلها . تجد اعمارهم وقد تجاوزت السبعين و تندهش من قدرتهم علي الصبر والتحمل . كل عدتهم في هذه الرحله الطويله ملابس احرام بسيطه و بعضاً من المشغولات اليدويه البسيطه من جلود ونحاس وكثير من التوابل الاسيويه الاصيله يبتغون بها فضل الله من عده ريالات تقيم وأدهم وتعينهم علي اقامتهم في تلك الرحله ، كانت ارض مكه كلها مقراً واقامه لهم . انتهي كل ذلك الي حاضر انيق بدايه من الطائرات العملاقه والمطارات الحديثه البارده في بلاد ساخنه ، تصل بركابها الي ابواب الحرم في اقل من عده ساعات مهما كان بعد المسافه وتلك الفنادق الفاخره ذات الغرف الفندقيه المكيفة و المصاعد و صالات الافطار الصباحي العامر بكل مالذ وطاب من مأكولات ، وشاشات عرض تليفزيونيه و خيام حديثه ذات الفراش الوثير . ظلت مكه وحرمها شاهدين ايضاً علي منسك ذبح الاضحيه و كان من الصعوبه بمكان في الازمنه السابقه . فلم تكن هناك تلك المجازر الحديثه ولا غرف التبريد الهائله . كان صاحب الاضحيه يختارها ثم يقف علي ذبحها بتسميه الله ودعاء الهدي ثم يتركها ويمضي لحال سبيله ليتحلل من احرامه . وتتراكم الاضحيات بشكل هائل كجبل من الاغنام المذبوحة لتجد طريقها في النهايه الي الدفن في الصحراء نتيجه تعفنها من قيظ مكه الساخن . وها هي الايام تجود بحداثتها في هذا النسك فتجد المجازر الضخمه والثلاجات الحديثه طريقها الي المشاعر للاستفاده من تلك الثروه وتصدير ما يفيض من لحوم الاضاحي الي فقراء المسلمين في شتي بقاع الارض . حتي هوي الناس لهذه الفريضه تغير عبر الزمن و ستندهش عندما تعلم بأنه كان بإمكان مجموعه من الناس او الاصدقاء ان تقرر الذهاب الي تلك الرحله مجتمعه وبدون اي هموم او ترتيبات معقده . لم يكن هناك في ذلك الوقت تعقيدات التأشيرات و اجراءت عصرنا الحديث التي تفرق بين المرء وزوجه والوالد و ولده التي تقف عائقاً في تحقيق حلم الذهاب مجتمعين لاداء الفريضه في جو اجتماعي من الاسره او الاصدقاء . ظلت مكه وجبالها الخالده شاهداً علي كل هذا وذاك .
ويبقي شئ واحد لم ولن يتغير . ستري دوما الضيوف علي مر الزمان افواجاً تلو افواج يتدفقون الي ارض المشاعر في تحرك بشري عجيب يثير المشاعر لا يستطيع اي كاتب او اديب ان يصفه او ان يحيط به علماً لجلال وقدسية مشهده . والغريب انك تراهم في تلك اللحظات علي شاكله واحده، الجميع يأخذ نفس الملامح و لا تستطيع في كثير من الاحيان التفرقه بين أمرأه ورجل، هم في لباس واحد ذا لون واحد بدون اعتبار لطبقات او مقامات عيونهم جميعاً في اتجاه واحد ومشاعرهم توحدت بقدره الهيه لا تستطيعها اعتي اساليب البشر في توحيد مشاعر الناس و مقاصدهم.
و يجلجل صوت في السماء هاهم (اتوني شعثاً غبراً) وساغفر لهم وتلكم والذي رفع السماوات الجائزه الكبري . سينالها كل من كان هناك لا فرق في ذلك بين غني و فقير، وجيه وامير ، أو رئيس ومرؤوس ، الكل سواء من اتي بالطائره ومن ركب البر ، من نام علي وثير الفراش ومن تلحف بالفضاء الجميع ينال الرضا بعد ان انقطعت الانفاس و غرقت الجباه في عرق وجهد تأديه المناسك واداء الصلوات يقيناً بمغفره وأجر عظيم .
نعم يظل التعب والنصب والارهاق هو سيد الموقف ، صفه لا تفارق اداء هذه الشعائر ولم تتنازل هذه الفريضه عن هذا ابداً حتي في ايامنا الحاليه وقد تغير وبات كل شئ يسيراً . ستبقي علي الدوام ذات عنت ومشقه ، ولكنها علي الرغم من ذلك تظل ذات شجون في كل تفاصيل احداثها ، وستري عيون من يستعيد ذكرياتها وقد امتلئت بالدموع والحنين شعور غريب لا تفسير له ولا وصف تلك التي تنتاب كل من يتحدث عنها او يتذكرها . ذكرياتها مهما كانت تحمل من صعوبه ومعاناه ستظل اجمل من حاضرها مهما كان جميلاً يسيراً .
دعونا جميعاً نتأمل مواقف حياتنا و نستعيد انفسنا تلك التي تجردت من كل ثمين وغال في هذا الموقف العظيم ، وأعلم بأن هذه كانت نفسك الحقيقيه الصحيحه بكل ما فيها صدق نيه وعزيمه قادتك لتكون هناك . ايمان قوي سري في روحك وجسدك منحك الثقه و الامل في العفو وبدء حياه جديده .
ولكل من مر بهذه التجربه الفريده في اي عصر من عصورها اقول هل تعيش في حياتك الجديده حتي ألان ؟ صدق اجابتك يكون مع نفسك اولاً .
كل عام وانتم بخير ،
سقراط