مروه عطية تكتب : حجر القدر

في السادس من مايو الحالي تم حفل تنصيب ملك المملكة المتحدة الجديدة، الملك تشارلز الثالثCharles III، وأثناء المراسم الفخمة والمبهرة التي تمت في دير وستمنستر التاريخي، حيث تتم مراسم تتويج ملوك بريطانيا، ظهر حجر كبير تم استخدامه بشكل طقوسي أثناء مراحل التتويج يسمي حجر القدر The Stone of Destiny، والذي ظهرت عدة روايات وأساطير حول منشأه وموطنه الأصلي، ونسبته الحكايات إلي عدة أصول ومواطن، من بينها مصر التي قيل أنه أخذ منها أصلا، وغيرها، في كل الحالات فإن التسمية الأصلية لقطعة الصخر الملهمة هذه هو حجر سكون Stone of Scone، نسبة لمدينة تسمي سكون بالقرب من مدينة بيرث الاسكتلندية، وليس بمعني حجر السكون من السكينة، برغم توفر معلومات قليلة حول أصل هذا الحجر، واختلاطها بالقصص الخرافية والأساطير، فإن ثمة معلومات مؤكدة قليلة لا يزال يمكن الحصول عليها، فأول ظهور لها في تاريخ انجلترا لا يتجاوز أخر القرن الثالث عشر ( 1296م)، حين غزت قوات الملك إدوارد الأول من انجلترا اسكتلندا، ونهبت بلدة سكون وديرها التاريخي الأثري، فوجدت هذا الحجر محفوظا فيه، فاستولت عليه ونقلته إلي انجلترا، كانت هناك أساطير محيطة بالحجر، منها ما ترجع أصله إلي العهد القديم، وتنسبه إلي عصر النبي داود، وأنه وصل ايرلندا القديمة مع النبي " أرميا"، أحد أنبياء العهد القديم !
أساطير أخري ترجع  أصل حجر القدر إلي ايرلندا، التي كانت تعرف بجزيرة القدر، ومنها اشتق الحجر اسمه، ووفقا للأسطورة فقد كان هذا الحجر يستخدم لتتويج ملوك إيرلندا، قبل أن يستولي عليه " فيرجوس بن أرك"، أول ملك معروف لإسكتلندا، وينقله من موطنه الأصلي إلي ( أرجيل) الاسكتلندية، حيث تتم تتويجه كملك عليه، وتوارث ملوك اسكتلندا هذه السنة من بعده.
 وبسبب ذلك تم اعتماده كعنصر أساسي في مراسم تتويج ملوك بريطانيا، بعد أن كان يستعمل لتتويج ملوك اسكتلندا، وكانت طريقة استعماله في البداية هي أن يجلس الملوك المتوج، خلال الطقوس، فوق الحجر مباشرة، ثم تم اضافة منصة خشبية لتستوعب الحجر في كرسي التتويج، وبدأ استعماله منذ ذلك الحين لتتويج جميع ملوك المملكة المتحدة، وبقي محفوظا في دير وستمنستر، حتى عام 1953م حين استخدم الحجر في تتويج الملكة اليزابيث الثانية ( 1953- 2022م)، وهي أطول حكام بريطانيا بقاء على العرش، بقي حجر سكون ( أو حجر القدر) بعيدا عن موطنه الأصلي لحوالي سبعمائة عام، وفي عام 1996م تم اعادته إلي اسكتلندا، وحفظه في قلعة أدنبرة مع مجموعة جواهر نادرة تتبع التاج الاسكتلندي .
المثير حقا هو وجود نظريات تشكك في أصلية حجر دير وستمنستر وتعتبره زائفا، وليس هو ذاته الحجر المأخوذ من دير سكون، وممن تبنوا هذه النظرية كاتبة الروايات التاريخية الاسكتلندية " ماري ماكفيرسون" Marie MacPherson, والتي نشرت خطابا يعود إلي عام 1819م، يشكك في أن رهبان دير سكون أخفوا حجر القدر الحقيقي، وخدعوا الملك إدوارد الأول بقطعة حجر مشابهة، وذلك لأهمية الأول الكبيرة بالنسبة إليهم، ويدلل أصحاب هذه النظرية على صحة وجهة نظرهم من خلال مقارنة أوصاف حجر القدر الاسكتلندي القديم بأوصاف الحجر الموجود حاليا، والتي تظهر عدم تطابق أوصاف الحجرين ووجود اختلاف واضح بين مقاسات كلا منهما، والشكل العام له !
ومنذ عودته إلي اسكتلندا بقي الحجر في قلعة أدنبرة، حتى توفيت الملكة اليزابيث الثانية في الثامن من سبتمبر عام 2022م، وبدأت الاستعدادات لتتويج ملك جديد على المملكة المتحدة، فأعلن في نفس الشهر أن الحجر سيؤخذ من أدنبرة إلي دير وستمنستر في لندن ليتم استعماله في مراسم التتويج، وبالفعل تحرك الحجر في حراسة فرق شرف من أدنبرة يوم 27 ابريل 2023م، ليصل إلي مقر حفل التتويج بعدها بيومين، أي في التاسع والعشرين من نفس الشهر .