للاعلان

Sun,24 Nov 2024

عثمان علام

مروة عطيه تكتب : مخلوقات غريبة من التراث القديم (2)

مروة عطيه تكتب : مخلوقات غريبة من التراث  القديم (2)

07:28 am 05/05/2023

| رأي

| 926


أقرأ أيضا: Test

مخلوقات غريبة من التراث  القديم (2)

 

واستكمالا لما بدأناه سابقا نواصل عرض بعض المخلوقات والكائنات الخرافية والعجائبية التي جاءت على ذكرها أساطيرنا وموروثاتنا العربية ، سواء إن كانت مورثات دينية مقدسة أو شعبية أو مناطقية ، أي تختص بمنطقة محددة من الوطن العربي الساشع والممتد .
 
(1) العنقاء
تذكر العَنْقَاء المُغْرِبُ أو عَنْقَاءُ مُغْرِبِ دائما كأحد المستحيلات الثلاثة في الحكمة العربية الشعبية ، والعنقاء أو الفونيكس ، هي مخلوق خرافي تواتر ذكره في كافة الحضارات ولدي كل الشعوب القديمة تقريبا ، وبالنسبة للعرب قبل الإسلام فقد عرفوا العنقاء كأحد المخلوقات الأسطورية التي أمنوا واعتقدوا بوجودها ، وقد سرد " ابن منظور " في عمله الموسوعي لسان العرب عن العنقاء ما يلي :
(والعنقاء: طائر ضخم ليس بالعقاب، وقيل: العنقاء المغرب كلمة لا أصل لها، يقال: إنها طائر عظيم لا ترى إلا في الدهور ثم كثر ذلك حتى سموا الداهية عنقاء مغربا ومغربة، قال: ولولا سليمان الخليفة، حلقت به، من يد الحجاج، عنقاء مغرب وقيل: سميت عنقاء لأنه كان في عنقها بياض كالطوق، وقال كراع: العنقاء فيما يزعمون طائر يكون عند مغرب الشمس )


وقد ارتبطت العنقاء بعدة صفات خارقة ، منها ندرة وصعوبة مشاهدتها ، واعتزالها وعيشها منعزلة عن سائر المخلوقات في مناطق لا يعلمها إلا الله ، وكذلك قوتها وجمالها وهيمنتها على جنس الطيور ، كما عُرفت في القصص الشعبية غير العربية بقدرتها المدهشة على التجدد ومحاربة الفناء ، عن طريق ولادتها الإعجازية من رمادها المحترق ، وقد يكون أصل ( العنقاء ) هو بعض الطيور العملاقة التي اندثرت قبل ظهور الإنسان ، وربما بقيت بعض الأفراد الناجية منها حتى شهد على وجودها الإنسان ، وسجل ذكراها في قصص وأساطير لا تزال تتداول ويتناقلها الناس حتى اليوم !
 
(2) القطرب
برغم أن أسطورة المستذئب أو المذؤوب أو الرجل الذئب تعتبر قصة شعبية غربية صرفة ، فإنه من المدهش أن نجد لها صدي لدي العرب في حكاياتهم ، بل ونجد وصف له في مؤلفات تتسم بالطابع العلمي أيضا ، وليس هذا فحسب ، بل اعتبر القطرب ( وهو يعني الجنون الذئبي ) مرضا حقيقيا توصف أعاضه ، حيث نعثر على اشارات غريبة وصريحة في مراجع ومؤلفات عربية قديمة وشهيرة جدا تشير إلي ذلك المرض الغامض ،وتصفه تفصيليا فمثلا يقول ابن دريد واصفا القطرب بأنه (قطرب وقطروب ذكر الغيلان ) ، أما " ابن سينا" الطبيب المسلم ، صاحب الإنجازات والمؤلفات الطبية الخالدة ، فله قطعة كاملة وصف فيها المرض وصفا دقيقا ، وقبل أن نحيل القارئ إلي تلك السطور الغريبة ، فإننا نبدي دهشتنا لوصول أسطورة كتلك إلي متون كتب مفعمة بالمنهج العلمي الصارم ، ونتساءل هل كان " ابن سينا " وغيره يصفون مرضا أسطوريا حقيقيا ، أم أنهم كانوا يعرضون لنوع غريب من الكائنات المتشبهة لم نعرفه بعد ، أو لعله أنقرض وباد في أزمان لم يصل إليها وعينا وسجلاتنا المعاصرة ، يقول ابن سينا واصفا القطرب بدق:


((هو نوع من المانخوليا أكثر ما يعرض في شهر فبراير/شباط ويجعل الإنسان فرَّاراً من الناس الأحياء، محبّاً لمجاورة الموتى والمقابر، مع سوء قصد لمن يغافصه ويكون بروز صاحبه ليلاً واختفاؤه وتواريه نهاراً كل ذلك حباً للخلوة وبعداً عن الناس، ومع ذلك فلا يسكن في موضع واحد أكثر من ساعة واحدة؛ بل لايزال يتردّد ويمشي مشياً مختلفاً لا يدري أين يتوجَّه مع حذر من الناس، وربما لم يحذر بعضهم غفلة منه وقلة تفطن لما يرى ويشاهد‏.‏ ومع ذلك فإنّه يكون على غاية السكون والعبوس والتأسف والتحزّن أصفر اللون جاف اللسان عطشان وعلى ساقه قروح لا تندمل وسببها فساد مادته السوداوية وكثرة حركة رجله وتنزل المواد إليها، ولاسيما هو كل وقت يعثر ويساك رجله شيء أو يعضّه كلب فيكون ذلك سبباً لكثرة انصباب المواد إلى ساقيه فيكون فيها القروح ولبقائها على حالها وحال أسبابها لا تندمل ويكون يابس البصر لا يدمع بصره ويكون بصره ضعيفاً وغائراً كل ذلك ليبس مزاج عينه‏.‏ وإنما سمي هذا قطرباً لهرب صاحبه هرباً لا نظام له ولأجل مشيه المختلف فلا يعلم وجهه وكما يهرب من شخص يظهر له فإنه لقلة تحفظه وغور صواب رأيه يأخذ في وجهه فيلقى شخصاً آخر فيهرب من الرأس إلى جهة أخرى والقطرب دويبة تكون على‏:‏ وجه الماء تتحرك عليه حركات مختلفة بلا نظام وكل ساعة تغوص وتهرب ثم تظهر وقيل دويبة أخرى لا تستريح وقيل‏:‏ الذكر من السعالي وقيل‏:‏ الأمعط‏.‏ والأشبه لموضعنا القولان الأولان وسبب هذه العلة السوداء والصفراء المحترقة ))
وباستقراء بسيط لتلك الإشارات نقول بأن تلك الأوصاف والأعراض ربما كان المقصود بها هو شكل مبكر من متلازمة أمبراس Hypertrichosis ، والتي ينتج عنها نمو مفرط وغير طبيعي للشعر في وجه المريض وجسده ، ولابد أن الشكل المرعب للمصاب بذلك المرض النادر كفيل بإثارة عقليات في مراحل رشدها العلمي والمنهجي ، وجعلها تربط بين مرض طبيعي ، لم يتم تعريفه ووصفه طبيا بشكل كافي ، وأشد الأساطير الشعبية اغراقا في الخيال والعجائبية !
 
(3) النداهة
وعلى عكس المخلوقين السابقين فإن النداهة تكاد تكون أسطورة مصرية خالصة ، وإن كان لها مثيل وشبيه قوي في معظم الحضارات والثقافات القديمة ، والنداهة في الأصل تنويعه على أسطورة عروس البحر ، الحورية نصف البشرية التي كان بعضها يجذب البحار سيئ الحظ بصوت غنائهن وتهويدهن ثم يختطفن الضحايا إلي قاع البحر لالتهامهم .
وفي نسخة شعبية تقوم النداهة ، التي تسكن نهر النيل ، باستدعاء الضحايا عن طريق نداء أسماءهم بصوت شيطاني مغري ، يدفع ( المندوه ) ، أو الضحية ، إلي ترك أهله وبيته ، ما لم يتم منعه بالقوة ، وتتبع مصدر الصوت ، وينتهي به الحال كضحية جديدة من ضحايا الوجود الشيطاني المخيف المتمثل في النداهة .


القصة ارتبطت في أذهان البسطاء والطبقات الشعبية بالتطلعات التي تفوق قدرات الإنسان ، وتدفعه للبحث عن حياة لها متطلبات أكبر بكثير مما يستطيع الشخص تحمله ، كما استعملت النداهة كرمزية للمدنية والمدينة التي تستهوي القرويين والبسطاء ، وتغرقهم بفيض من السلع والخدمات والأحلام ، مما يجعلهم يتخلون بسهولة عن كل ما تربوا عليه وألفوه من تقاليد وأخلاق ومثل !
عُرفت أسطورة النداهة بنسخ مختلفة في حضارات متعددة ، لكن المنهجية العلمية الصارمة حاولت التوفيق بين الخرافة والمشاهدات العتيقة الموثقة ، عن طريق ربط مشاهدات البحار المتعبين ، والذين يقضون الشهور الطويلة بعيدا عن بيوتهم وزوجاتهم ، لبعض الحيوانات البحرية التي تبدو من مبعدة وكأنها تحمل بعض الصفات والملامح البشرية ، ومن هذه الحيوانات المرشحة لتكون أصل خرافة عروس البحر هي الفقمة seal، وخروف البحر manatee ، إنه لشيء مخيب للآمال حقا أن تكون حورية البحر الفاتنة المغرية ليست إلا فقمة أو خروف !

أقرأ أيضا: توقيع اتفاقيتين للمساهمة المجتمعية لقطاع البترول في دعم الرعاية الصحية بمطروح وبورسعيد

التعليقات

أستطلاع الرأي

هل تؤيد ضم الشركات متشابهة النشاط الواحد ؟