الكاتب : سقراط |
01:10 pm 14/04/2023
| رأي
| 1110
حلقات يكتبها: سقراط (22)
لكل عمل من أعمال الدنيا بداية ونهاية . فأن اتممت عملك فلك اجره.
هكذا درجت الدنيا علي ذلك وأعتاده البشر قانونا والتزاما فيما بينهم.
فصيغه وكلمة (العمل) قد ارتبطت بالكد والتعب وبذل الجهد والتفكير والأتقان لأتمامه وذلك في مفهومه العام ويتبعه بالضروره منح الأجر والعطاء وهذا من طبائع الأمور بين الناس.
تبرز فلسفة العطاء بين الناس فلا عطاء يبذل ويمنح الا بما يقابله من عمل مطلوب او مشروط . فأن اتممته فبها وأن اتقنته وأبدعت فيه فلك في العطاء منح اخري علاوه علي أجرك كالثناء والدعاء لك بالمزيد من رغد الرزق والسيرة الحسنه الطيبة في حياتك وذكراك.
وتظل هذه الفلسفه في عملك لربك وما تؤجر به علي ماهو مطلوب منك ووضعت شروطه وطبيعته الأديان السماويه.
فكل الأديان كانت بمثابه العقد بين السماء وسائر البشر فرداً فرداً لا شعوب ولا قبائل . وضعت فيها كل ماهو مطلوب منك عمله علي مدار عمرك كله ووضعت شروطاً ومواصفات لأداء تلك الأعمال وقواعد عليك الألتزام بها كشروط او قواعد حاكمه فأن أديتها نلت منها أجرك الدنيوي ويبقي لك الحساب النهائي الى اجله .
وأن اتقنت وتفانيت فلك اضعاف اجرك فالمانح لا يعتد بقوانين البشر في فلسفه منحهم وعطاؤهم بين بعضهم البعض ويعطيك ويجزل لك في الدنيا عطاياه كرزق خاص بك فتحمده وتشكره على ذلك ويستبقي لك مالاتدركه او تحسبه في ختام الحساب.
وبنفس القواعد السابقه ستري نتيجه عكسيه حين تسرف علي نفسك وتستهين بالعقد وشروطه وتفقد معها صيغه العمل وفلسفته فلا عمل لك ولا أتقان بالطبع. ولن يعقد لك حق في الأجر او العطاء وتفقد نعمه المنح بدون حساب وليس لك الا انفاسك وايامك تعيشها بنصب و بكد وعمل زائل غير مشكور فهو لك حتي وان كان غير منصوص عليه في عقدك مع السماء فلا قيمه له ولا عائد الا مايقيم قوتك ودنياك.
هذه هي صيغة العلاقة بين الناس بعضهم ببعض وبين الناس وخالقهم ومدبر امرهم .
وكتاب العقد بين الخالق وعباده كبير وبه الكثير من الصفحات والشروط والأحكام وبه العديد من المسئوليات والمواصفات ولكل منها اجره ومنحه فمنها ماهو منفصل بذاته ومنها ماهو مرتبط بعضه ببعض.
ويأتي بند (صيام شهر رمضان) كأحد البنود الرئيسيه في هذا العقد واحد اهم ابوابه . فهو عمل سري وطاعه لا يراها الا صاحب العقد نفسه ونيته غير ظاهره وتأديته تخضع لأمانه وطيب خاطر . وأتقانه عبء اخر علي عبء الصيام.
فأن كان لك من السهر والنصب واتقاء شر الاعمال وقراءه كلام صاحب العقد في كتابه المنزل وتدبره والبعد عن النميمه والحسد نصيب . فقد اصبت بعضاً من الأتقان يقدره من بذلته له و لا احد سواه.
وتنقسم عطايا تنفيذ هذا البند من التعاقد فيما هو دنيوي تصيبه وتدركه في نفس شهر التنفيذ ومنها ماهو مؤجل لأيام اخري قادمة ومنها ماهو محسوب لك في خزينه عطاياك وأعمالك لتكون لك عوناً في الحساب الأخير .
فأما ماتدركه في شهرك بعطيه فوريه تقتضيها وتقر بها فلك منها صفاء النفس وهدوء الشهوه وصحه البدن ووصل الاراحم وسعاده الأرتواء بعد الظمأ والشبع بعد الجوع والاهم رضاؤك عن نفسك بما اديته من واجب وما حظيت به من سكينه بعد الرضا. وتكون علي قناعه بأنك اضفت الي خزينه اعمالك رصيداً يكون لك عوناً في يوم الحساب الأكبر .
ولكن المثير في أفضال هذا الشهر فيما ليس ظاهراً من عطاء يأتي بغير شرط واضح ولا عمل صريح ويكون اضعافاً مضاعفه . وقد تقتضيه سريعاً وفي وقته لتكون الفرحه غامرة والمفاجاءه مذهله .
وهذا العطاء الأضافي وضعت له علامات ومواقيت محتمله وليست شروطاً لتدركه . فأن اصبت تلك العلامات او المواقيت فأنت من المحظوظين وأن لم تدركها فليس عليك من شئ وتأخذ اجرك كاملاً نظير عملك وجهدك الذي بذلته في رمضان.
اشترط التعاقد في بند (رمضان) ثلاثون يوماً من العمل والصيام والقيام وقراءه كلام الله والعمل به والبعد عن كل مايفسد هذا التكليف . والي هنا والجميع يتفق علي ذلك ويعرفه ويطبقه بحقه وكلاً بنيته وصدقه.
ولكن هناك منحه مخفيه وعطاء غير ظاهر او منصوص عليه يسمي (ليله القدر) ابله واحده دون سواها . ليست لها شروط ولا ضوابط ولها بعض العلامات وبعض المواقيت المحتمله . هذه المنحه قررها الخالق وصاحب العقد وله في ذلك مايراه من حكمه ولم يطلع المتعاقدين علي اجرها وثوابها فان كان دنيوياً فسيبلغك امره وتراه عاجلاً وأن كان غير ذلك فهو لك كنزاً مؤجلاً في حسابك الختامي يعتقك من اهوال يوم مشهود ويسكنك في قصور وجنات بدون حساب.
اذا فالكل يتوق الي تلك الليله وما فيها من منحه وعطاء ولما لا ؟ فألانسان بطبعه يحب العطاء واصابه الخير.
ويبقي عدم تحديدها وعدم وجود شروط لها حظاً قد يصيبه من هو غير مستحق ولا يدركه من هو أهل له؟ اليس في ذلك من ظلم وغبن؟
فد يغيب عن ادراك البشر بعض أو كل الحكمه فيما هو مكتوب في صفحات اللوح المحفوظ وعقد الحياه ذاتها مع البشر اجمعين . وليس مطلوب منك ان تفسر وتفلسف مايغيب عنك من تلك الحكمه . فبهذا تصيب راحه نفسك وهدوء بالك.
فأذا كانت حكمه إخفاء ليله القدر قد اصابتك ببعض الحزن فليس لك من الامر شئ . وان كنت علي الرغم من ذلك قد اعطيت لها بعض العلامات لتتحراها فلربما تصيبها .
ولكن دعنا نتجه بعيداً عن مسأله كونها حظاً من الحظوظ بكل ما يحويه من عدل أو غبن .
نعم الحظ يلعب دوره في حياتنا ولكن بتفكيرنا البشري كم يمثل الحظ ونتائجه من مجمل اعمالنا الدنيويه . لا يمكن لأي عاقل علي وجه الأرض يعتقد بأن كل ماحققته البشريه هو مجرد حظ. ابداً لم يكن هذا .
ولكن العمل والدراسة والجهد والعمل والتفكير كان لهم الباع الأكبر في هذا بل ان العمل والتفكير والالحاح فيه كان عاملاً في تخليق وتوليد الحظ نفسه وهو ما أدي الي تحقيق بعض الأختراعات التي غيرت حياه البشريه كلها بمحض الصدفه وكانت هذه الصدفه من رحم عناء دراسه وعمل كان مبتغاه ان يحقق ما منحته الصدفه ذاتها . وفي ذلك امثله كثيره جداً.
اذا فعمليه توليد الحظ هي عمليه واقعيه تؤتي بنتائج فلماذا لا تقوم بها لتصيب حظاً تراه بعيد المنال في ادراك تلك الليله الشريفه. لؤلؤه الشهر القابعة في مياه بحره الواسع؟
فاجمل الحظوظ ما كان منها مرتبطاً بالعمل والجهد . فأذا كانت (ليله القدر) حظاً من حظوظ و عطايا شهر رمضان الثمينه فلا تنتظر ان تصلك وأنت خامل بعد ان اديت عملك الرئيسي وهو الصيام وأكتفيت بذلك.
اعمل جاهداً فيه وبعده ، اتبع العلامات وكل مايشير اليها في كل الكتب والأحاديث وتعامل بذكاء معها فالطمع في منح الله مشروع والنيه والذكاء فيه ايضاً مطلوب.
اتجه بقلبك في لياليه الأخيرة بالدعاء في اوقات متفرقه بل في كل وقت علها تكون ساعه إجابه وانت لا تدري.
اسهر لياليها مسبحاً سائحاً موجهاً نظرك للسماء في كل وقت علها تكون الأن. لا تنشغل بألامور الدينويه المرتبطه بنهايه شهر الأعمال والاستعداد للعيد او قل للتحرر من شروط هذا الباب في عقدنا مع السماء.
فليالي نهايه هذا الشهر عامره بالجوائز فلا تفوتك. عليك بألألحاح في الدعاء والسهر وبأصرار علي ان تنال الجائزه . عندها بكل تأكيد سينظر لك صاحب المنحه ويسوق لك الحظ و ربما رأيتها رؤي العين او تدركها وهي خفيه غير منظوره . فلا عليك في ذلك او ذاك ستصلك منحتك العاجله وتري تحقيق الأحلام وقد تدهش بما اوتيت ولم تطلبه ولم يدر بخلدك.
عندها ستعرف انك ادركتها وأن غمت عليك وانك كنت قادر علي تخليق الحظ بالجد والسهر والنيه والالحاح والذكاء ايضا . فهنيئاً لك كدك وتعبك وابشر بما اصابك في الدنيا والدين ولك الحق في الفرح والسرور ووجب عليك الشكر والسجود .
هذا هو دليلك لأدراك حظك في ليله مشهوده ومنحه عظيمه و لا يدركها الا كل مجتهد وصاحب نصيب ونية طيبه .
ولعلها ايضاً تكون قد اصابت من هو علي غير ذلك فما يدري عن حكمه ربك في خلقه الا هو فلا دخل لنا في ذلك ولا رأي .
ولكننا اخذنا بألاسباب علي قدر علمنا وقدرتنا وهذا هو غايه جهدنا وأدراكنا . فأن اصبناها فهو والله الجزاء الأكبر ومبلغ السعاده وغير ذلك فيكفينا ان نلنا شرف الجهاد ولا تضيع عند الله الأعمال ولا النوايا.
جعلكم الله من اصحاب الحظوظ وبلغكم منحته السماويه وكونو فيها اتقياء اذكياء بأن ادعو لأنفسكم ولبلدكم والبشر فيها اجمعين لعلها تصيب الجميع من دعوه واحده .
كل عام وانتم بخير ورمضان كريم ..
#سقراط #حكاوي_علام