12:15 pm 07/02/2023
| رأي
| 1329
قليلات هن النساء اللائي سمحن لهن بحمل ألقاب المالك والإمارة علنا ، وذلك تماشيا مع الموقف الديني والفقهي من ولاية المرأة ، لكن برغم ذلك فإن هناك من نجحن فعلا في الوصول إلي أريكة الخلافة ، وإن كان حكم معظمهن أرتبط بتلك الحقيقة الساطعة ، وهي عدم وجود ذكر مؤهل لوراثة العرش ، فيتم استبداله بأنثى ممن لهن الحق في اعتلاء سدة الحكم خلفا لآبائهن أو أزواجهن ، أو كوصيات على أولادهن الورثة الشرعيين الصغار .
(1) شجر الدر المستعصمية:-
——————————-
برغم أنها ليست اول امرأة أعتلت الحكم في بلد إسلامي ، فإن "شجر الدر " هي أشهر هؤلاء النساء ، و"شجر الدر" هي سيدة مجهولة الأصل والمنشأ ، قيل أنها تركية أو ارمنية أو خوارزمية ، غير أن تعمية أصلها لا تنفي تميزها وتمتعها بصفات اهلتها لكي تكون أول امرأة تعتلي أريكة السلطنة في مصر الإسلامية ، برغم ان بعض المؤرخين يعدونها أميرة أيوبية ، فإن " شجر الدر " تعد بحق أول حكام دولة المماليك ، فهي تشترك معهم في الأصل ( كونها جارية في الأساس ) ،وأيضا في أن فترة حكمها القصيرة هي التي مهدت الطريق أمام تولي امراء المماليك لتولي السلطة ، تزوجت شجر الدر من سلطان الأيوبيين " الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل بن العادل الأيوبي " وولدت له طفلا سمي " خليل " ، ومع أنه مات في سن مبكرة ، إلا أنها ظلت تكني ب "أم خليل " بقية عمرها ، في عام 1249 توفي السلطان " نجم الدين " وآلت دولته إلي ابنه " توران شاه " ، ووصل السلطان الجديد بعد ان حقق المماليك النصر على الفرنجة ( الصليبين ) في المنصورة ، وأوقعوا بملك فرنسا القديس "لويس التاسع " ، لكن " توران شاه " ظن أن بإمكانه إعادة الامور إلي ما كانت عليه قبل أن يستكثر أبيه من شراء وتدريب وتقريب المماليك ، وتقوي شوكتهم ويشتد نفوذهم ، ونتيجة لغباه السياسي المفرط اغتيل السلطان الشاب ، بعد أقل من عام على توليه السلطة ، واجتمع المماليك ليختاروا ارملة أبيه كسلطانة على مصر ، حدث ذلك في عام 1250م ، وعند ذاك أضحت المرأة أعجمية الأصل سلطانة على مصر والشام ، لم يكن حدث كذلك ليمر بسهولة ، فلم يألف المسلمون في تلك العصور ولاية النساء ، كما أن أمراء المماليك وجدوا أن اصرارهم على ولاية " شجر الدر " ، مع ما يجره ذلك من متاعب واتهامات بنقص الكفاءة لدي فرسانهم الصناديد ، وجدت السلطانة نفسها أمام خيارين : فإما أن تتنازل لاحد الامراء عن العرش وتعود لتبقي في الظل منسية ومجردة من كل سلطة ونفوذ ، وإما أن تصطنع أحد المخلصين ليكون سلطانا وزوجا لها في العلن ،/وتابعا ينفذ أوامرها سرا ، وكان ذلك التابع المختار هو " عز الدين أيبك " ، لكن أيبك بعد أن أعلن سلطانا على البلاد ضاق بتحكم وسيطرة زوجته ، فأراد أن ينحيها جانبا ، ورغم أنه كان متزوجا قبلها بأم ولديه " المنصور نور الدين علي " و" خاقان " ، فإنه قرر أن يتزوج ثالثا بابنة حاكم الموصل ، وهنا عزمت "شجر الدر " أمرها فقتلته ، قبل أن يقصيها تماما عن الحكم وعن القلعة أيضا ، وتبعا للحادث وبرغم محاولة السلطانة السابقة تبرير مقتل زوجها ، بأنه حادث سقوط عن ظهر حصانه ، إلا أن مماليكه لم يصدقوها ، واكتشفوا حقيقة الأمر ليقرروا عقاب الخائنة ، وهنا تظهر أرملة أيبك الأولي لتنفذ عملية القتل قصاصا بأيدي جواريها ، في واحدة من أشهر واغرب حالات الاغتيال في التاريخ ( الضرب بالقباقيب ) ، بينما تشير مصادر أخري إلي أن المماليك أنفسهم باشروا عملية قتل " شجر الدر " ، ثم ألقوا جثمانها ومنعوا دفنها في الضريح الذي اعدته لنفسها ، وخلال ثمانين يوما فقط انتهت قصة محاولة النساء الأنفراد بعرش مملكة إسلامية ، ثم خلال سنوات انتهت قصة أول سلطانة لمصر الإسلامية بنهاية مروعة ومفجعة .
لقيت " شجر الدر " مصرعها عام 1257 م / 655هجرية .
(2) أروي الصليحية ( ملكة اليمن )
——————————_———
هي أروى بنت أحمد بن محمد بن جعفر بن موسى الصليحي وتعرف بالسيدة الحرة ، نشأت وتربت في ظل حكام الدولة الصليحية اليمنية ، وتزوجت من ابن أحد ملوكهم " المكرّم أحمد بن علي " ، وكان ذلك عام 458هجرية ، وانجبت أربعة أبناء ، غير أن ولديها الذكور قد ماتا صغيرين ، فترك لها زوجها تدبير أمور المملكة ، وظلت تسوسها بكفاءة حتى وفاة " المكرم " عام 481ه ، فحدث خلاف على العرش لكونه بلا وريث ، وأيضا لأن زوجته كانت تقوم على الأمر باعتبارها ظل للسلطان ، فهل سيتقبل الناس ولايتها العلنية الآن ؟
وبأمر من الخليفة العباسي تزوجت " أروي " كارهة بمن استخلفه زوجها على الحكم من بعده " الأمير المنصور سبأ بن أحمد بن المظفر الصليحي " ، لكن الزواج لم يغير من الامر شيء ، فبقيت الملكة " أروي " هي الحاكمة الفعلية ، بل دعي لها على المنابر ثالثة بعد الخليفة العباسي وزوجها ، الحاكم الرسمي للبلاد ، وكغيرها من الحكام لقيت " السيدة الحرة " كثيرا من المصاعب ، ومحاولات إبعادها عن السلطة ، لكن بسبب حسن سياستها وتدبيرها للأمور فقد نالت دعم ومساندة المخلصين من رجال البلاد ، بقيت " أروي الصليحية " حاكمة على بلادها أربعين عاما ، واشتهر عنها حبها للعمارة والإنشاءات وطال عمرها حتى عام 532 هجرية، وحين وفاتها بكتها البلاد ورثاها الشعراء والخطباء ، وكان موتها إيذانا بضعف وتدهور الدولة الصليحية ، التي لقيت الكثير من المحن بعد وفاة الملكة "أروي " ، وانتهت تلك الدولة تماما على يد الأيوبيين في مصر ، الذي غزا ابن ملكهم " نجم الدين أيوب " اراضي الصليحين وحطم استقلال دولتهم عام 569 هجرية ، أي بعد أقل من نصف قرن على موت الملكة " أروى بنت أحمد بن محمد بن جعفر بن موسى الصليحي ".