09:27 am 02/01/2023
| رأي
| 1228
أطلقت مصر في مايو من العام الماضي الاستراتيجية الوطنية لتغيير المناخ. وكما أوضح مكتب الأمم المتحدة المعني بالمناخ، أن التغيير المناخي يقصد به التحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس. قد تكون هذه التحولات طبيعية فتحدث، على سبيل المثال، من خلال التغيرات في الدورة الشمسية. ولكن، منذ القرن التاسع عشر، أصبحت الأنشطة البشرية المسبب الرئيسي لتغير المناخ، ويرجع ذلك أساسًا إلى حرق الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز.
وتجدر الإشارة إلى أن النطق الصحيح لكلمة مناخ يكون بالضم وليس بالفتح. لأن المناخ بضم الميم هو عبارة عن حالة الجو في منطقة معينة من رطوبة وأمطار وحرارة والعديد من التغيرات الجوية الأخرى، بينما المناخ بفتح الميم فهو عبارة عن المكان الذي تجثم فيه الإبل. يَقُولُونَ خطأً: (مَنَاخُ بِلَادِنَا حَارٌّ)، يُرِيدُونَ أَنَّ حَالَةَ جَوِّ بِلَادِنَا حَارَّةٌ.وَيَقُولُونَ: (مَنَاخُ إِدَارَتِنَا مُنَاسِبٌ لِّلْعَمَلِ) يُرِيدُونَ أَنَّ حَالَةَ إِدَارَتِنَا مُنَاسِبَةٌ لِّلْعَمَلِ؛ مِن نَّاحِيَةِ الضَّبْطِ، وَالتَّنظِيمِ، وَالْهُدُوءِ، وَرَاحَةِ النَّفْسِ. وَالصَّوَابُ أَن يَقُولُوا: (مُنَاخُ بِلَادِنَا حَارٌّ)، وَ(مُنَاخُ إِدَارَتِنَا مُنَاسِبٌ لِّلْعَمَلِ) بِضَمِّ الْمِيمِ. لِأَنَّهُ اسْمُ مَكَانٍ مِّنَ الْفِعْلِ: (أَنَاخَ) الرُّبَاعِيِّ.
وتصبو الاستراتيجية المصرية لتغيير المناخ ٢٠٥٠ إلى تحقيق خمسة أهداف وهم: الأول تحقيق نمو اقتصادي مستدام وتنمية منخفضة الانبعاثات في مختلف القطاعات، والثاني بناء المرونة والقدرة على التكيف مع تغير المناخ وتخفيف الآثار السلبية المرتبطة بتغير المناخ، والثالث تحسين حوكمة وإدارة العمل في مجال تغير المناخ.ويتمثل الهدف الرابع في تحسين البنى التحتية لتمويل الأنشطة المناخية، والترويج للأعمال المصرفية الخضراء المحلية، وخطوط الائتمان الخضراء، إلى جانب الترويج لآليات التمويل المبتكرة التي تعطي الأولوية لإجراءات التكيف.
وأخيراً، فالهدف الخامس يخص تعزيز البحث العلمي ونقل التكنولوجيا وإدارة المعرفة والوعي لمكافحة تغير المناخ، وتسهيل نشر المعلومات المتعلقة، وإدارة المعرفة بين المؤسسات الحكومية والمواطنين، وزيادة الوعي بشأن تغير المناخ بين مختلف أصحاب المصلحة (صانعي السياسات والقرارات، والمواطنين، والطلاب).
ووضع استراتيجية محددة وطنية للتغير المناخي يساهم في تسهيل عملية تخطيط وإدارة تغير المناخ على مستويات مختلفة، بطريقة تدعم تحقيق الأهداف الاقتصادية والتنموية للدولة، باتباع نهج منخفض الانبعاثات. بما أن مصر من أكبر الدول عرضة لآثار التغيرات المناخية، رغم أنها من أقل الدول المتسببة في التلوث عالمياً.
وقامت مصر بالفعل في تنفيذ أهداف الاستراتيجية بطريقة عملية وواقعية، بفضل "صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية" الذي يشجع ويدعم الاستثمار في المشروعات الخضراء، مثل مشروع إنتاج الهيدروجين والأمونيا الخضراء بالشراكة مع شركات عالمية متخصصة، وكذلك مشروع إنتاج عربات القطارات لدعم جهود النقل المستدام، ومشروعات تحلية المياه.
كما انضمت مصر من خلال "صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية" الصندوق لمبادرة "كوكب واحد" برئاسة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتي تضم عددًا من الصناديق السيادية بهدف دعم تنفيذ اتفاقية باريس.
والجدير بالذكر أن هذه الاستراتيجية تسهم بطريقة مباشرة في دعم التنمية المستدامة بوجه عام لأنها تسعى لتكامل كافة الوزارات وقطاعات الدولة لتحقيق الأهداف بعيدة المدى، وذلك في إطار داعم من الشفافية والحوكمة. فكان من اللازم تكامل وزارة البيئة وكمل من التخطيط والمالية والتعاون الدولي، لوضع هذه الاستراتيجية ثم العمل على تحقيق أهدافها. علاوة على تحقيق أهداف المناخ والحفاظ على البيئة ضمن أهداف التنمية المستدامة المتعددة.
وهذا المقال يعد الأول ضمن سلسلة من المقالات التي تهدف إلى نشر الثقافة والوعي المناخي ل"الرجل المعتاد" -كما نقول هذا المصطلح مجازاً في المجال القانوني - أي غير المتخصص الذي يهمه متابعة الشأن العام المناخي دون الدخول في تفاصيل علمية عدة.
و ببساطة يمكن القول، في نهاية الأمر، أن هذه الاستراتيجية تسعى إلى تقليل الانبعاثات باستخدام وسائل حديثة في كافة القطاعات الصناعية والزراعية والطاقة والنقل من ناحية مثل مشروع "المونوريل" وشبكة مترو الأنفاق، وتحويل المخلفات إلى طاقة، والإدارة المتكاملة للمخلفات مثل مشروعات البيوجاز والمدافن الصحية ومصانع التدوير. والتكيف مع التغيرات المناخية المحتملة في الزراعة والموارد المائية والسواحل والمناطق الساحلية والصحة من ناحية أخرى، وذلك مثل ترشيد المياه وتبطين الترع، وتحلية مياه البحر والصرف الصحي، ومبادرة حياة كريمة، التي تُعَد نموذجًا متكاملًا لمشروعات التخفيف والتكيف مع آثار تغير المناخ، من خلال توصيل الغاز الطبيعي وإدارة المخلفات، ومحطات معالجة الصرف الصحي والتشجير.
كاتب المقال: مدرس القانون بكلية الحقوق جامعة عين شمس
[email protected]