يختلط الأمر لدى الكثير من دارسى النظم السياسية فى دور الثورات فى تأسيس مفهوم نظام الحكم في الدولة ،فتجد أن الثورة الإنجليزية ١٦٨٨ قد أسست نظام الدولة البرلمانية ،والثورة الأمريكية ١٧٧٦ قد أسست نظام الدولة الرئاسية الأمريكية ، والثورة الفرنسية ١٧٨٩ والتى أسست الدولة الرئاسية البرلمانية ، والثورة البلشفية ١٩١٧ المؤسسة للدولة الشيوعية !!
فالثورات الأربعة أوجدت ثلاثة نظم سياسية ،النظام الانجلوسكسونى فى إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية ، والنظام اللاتينى فى فرنسا ، والنظام الشيوعى فى روسيا والصين !!
ومن أهم الثورات فى العالم ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ ،والتى قادها تحالف القوى العاملة فى الشعب
المصري ،والذى أستطاع بوعيه العميق وحسه المرهف أن يحافظ على جوهرها الأصيل ،وأن يصحح دواماً وبأستمرار مسارها وأن يحقق بها تكاملاً يصل إلى حد الوحدة الكلية بين العلم والإيمان وبين الحرية السياسية والحرية الأجتماعية ،وبين الأستقلال الوطنى والأستثمار الوطنى وبين عالمية الكفاح الإنسانى من أجل تحرير الإنسان سياسة واقتصاد وثقافة وفكر والحرب ضد قوى ورواسب التخلف والسيطرة والأستغلال .
ومفهوم الدولة المصرية الذى تأسس عقب ثورة يوليو ،أن الدولة ليست سوى أداة للتعبير عن سيطرة قوى الشعب على طبقة الملاك ،والأيدي العاملة فى الدولة هى خليط من الفقر والمرض والظلم ،وبالتالى على الدولة وضع القوانين العمالية والتأمينات الاجتماعية والتأمين الصحى ضد العجز والبطالة !!
والرئيس لا سلطان لارادته بل عليه مسايرة الأهداف القومية والتخطيط الاقتصادى ،فليس من اليسير تحقيق رغبات الأفراد جميعا بمبدأ واحد ،لذلك يعمل رجال القانون فى الدولة على وضع القواعد التى تتناسب مع تطور المجتمع والتى تعبر عن رغبة الأغلبية من الأفراد !!
رجال القانون فى الدولة هم الترجمة الحقيقية والتعبير الصادق ولسان الأغلبية من الأفراد ،فالقوانين ذات طابع الزامى وهو المحدد للرابطة بين العدالة والقوة ..فالمجتمع يحارب الشهوات الجامحة ويعمل على أستتباب الأمن والرخاء ،فالقانون ليس غاية المجتمع بل الوسيلة التى يستطيع أن يحدد بها الحقوق والالتزامات .
أن كرامة الفرد أنعكاس طبيعى لكرامة الوطن ،ذلك أن الفرد هو حجر الأساس فى بناء الوطن ، وبقيمة الفرد وبعمله وبكرامته تكون مكانة الوطن وقوته وهيبته ،وسيادة القانون هى الأساس الوحيد لمشروعية السلطة ..!!
مفهوم العدالة الاجتماعية فى الدولة المصرية ،أن من حق ابن الحلاق والزبال والبوسطجى أن يكون ضابطا ووكيلا للنائب العام حقيقة لا خيال ،فلم يكن هناك وظيفة قاصرة على فئة اجتماعية دون الأخرى ،فلم تكن الوظيفة محجوزة مسبقا لأبناء الفئة الحاكمة ،مبدأ واحد لا حياد عنه لكل مجتهد نصيب ،طالما أن السيادة للشعب وحده يمارسها ويحميها ،وهو مصدر السلطات ويصون وحدته الوطنية التى تقوم على مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين !!
فلا فضل لابن الوزير على ابن الغفير ،المفاضلة من الأفضل والأجدر أن يمثل الدولة ،فكل قرار تصدره سلطات الدولة فى أى شأن من شئون أفراد الشعب يجب أن يكون متفقاً مع القواعد القانونية القائمة ،يتساوى فى ذلك جميع السلطات !!
فلا يمكن أن تسمع فى الدولة المصرية أن التعيينات فى وظائف الدولة مقصورة على فئات بعينها ،فلم تكن الوظائف مقصورة على أبناء الوزراء وأعضاء المجالس النيابية والقضائية ،ورؤساء مجالس إدارات الشركات كما هو الحال الآن !!
فنظام التعيينات فى الوظائف العامة للدولة يتم على أساس طبقى وهناك من يؤيد ذلك فهناك من يؤيد النازية والفاشية والعنصرية ،فالمجتمع العنصرى هو من يميز فئة على حساب الفئات الأخرى !!
فعندما يوضع شرط حصول الأب والأم على مؤهل عال للألتحاق بوظيفة ،والأدعاء بالبيئة وهو مالم تعرفه مصر فى الرئيس جمال عبدالناصر ،ابن الفلاح والعامل البسيط من حقه الحصول على فرصته وفقا لمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة والعدالة، وسيعمل الرئيس السيسي على تدعيم الكفاءة والعلم.
قد يقول البعض أن الدولة المصرية عرفت مراكز القوى والمعتقلات ، وهى الطبيعى لأى نظام سياسى أن يكون له نفايات ،نتيجة أتساع نطاق واختصاصات المسئولين وهو ما أنتهي بنكسة ٥يونيو ١٩٦٧ ، فقد خرج الرئيس جمال عبدالناصر ليقول :لماذا لم يكن فى مصر من يقول رأيه حتى وأن دفع حياته ثمنا لرأيه ؟؟
فقد تمنى أن يكون فى مصر من يقدم له النصيحة حتى وأن دفع حياته ثمنا لها !!
فلم يكن يجرؤ أى شاب أن يقف أمام أى مسئول ليقول له : أنت مش عارف أنا أبن مين ؟؟
مسئولى اليوم هم حصاد التجربة الناصرية للدولة المصرية ،الدستور المصرى من المادة ٧ حتى المادة ٥٠ هو خلاصة الدولة المصرية التى اسستها ثورة يوليو ٥٢ ،ولكن للأسف بلا سيادة ، لأن النصوص القانونية لا تحترم ،فالقوانين لا تحترم الدستور ،واللوائح لا تحترم القانون ،وأى مسئول لا يحترم الدستور والقانون واللائحة ،فقد تجد أن القانون قد يكون هو السبب فى خلق مراكز القوى داخل الدولة ،فتجد أن النظام القانونى لمجالس إدارة الشركات فى ظل القانون ٦٠ لسنة ١٩٧١ ،والقانون رقم ١١١ لسنة ١٩٧٥ ،جعل منها مراكز قوى داخل الدولة فى ظل ضعف الرقابة والأشراف ،بل يتم إستغلال العواطف القومية من أجل الدفع بالطبقات العاملة إلى الهتاف ووجود تضامن فاسد بين المستغلين والمتغلين ،وهو ما يدفع أن الجميع يعمل ضد بعضه !!