04:06 pm 15/10/2022
| 2191
أصبح قرض صندوق النقد الدولي الجديد لمصر أقرب من أي وقت سابق، بعدما توصل مسئولو الصندوق إلى توافق مع الوفد المصري رفيع المستوى الذي يضم كبار المسؤولين بالبنك المركزي، وعلى رأسهم حسن عبد الله محافظ البنك المركزي، ومجموعة من الوزارء والمسؤولين عن السياسات الاقتصادية في مصر، حول عدد من النقاط التي مثلت خلافات جذرية خلال الفترة الماضية.
سرية كاملة غلفت المفاوضات بين الجانب المصري وصندوق النقد الدولي، لتستمر التساؤلات هل ستحصل مصر على قرض جديد من الصندوق ليساهم في تجاوزها لأزمة اقتصادية كان العالم نفسه هو من تسبب فيها وبالتحديد الحرب الروسية الأوكرانية، أم يرفض الصندوق منح قرض جديد لمصر، وبالتالي تبدأ حكومة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في البحث عن طرق أخرى للعبور من تلك الأزمة.
التصريحات نفسها خرجت من كريستالينا جورجيفا المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، والتي قالت إن مسؤولي صندوق النقد الدولي حلوا جميع قضايا السياسة الكبيرة مع السلطات المصرية في مناقشاتهم بشأن برنامج الإقراض الجديد، وأن الجانبين ما زالا يعملان على تفاصيل فنية أصغر، لكنها ليست مسائل تافهة، وتتعلق بسياسات سعر الصرف المصرية.
معيط في تصريحاته الأخيرة قال نصًا إنه لن تكون هناك شروط مع صندوق النقد الدولي في القرض الجديد تؤثر في الحياة المعيشية للمواطنين.
بين تصريحات كريستالينا جورجيفا المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، حول سياسات سعر الصرف، في مصر وكذلك تصريحات وزير المالية محمد معيط أسئلة لا بد أن تطرح ولا بد أن تجد من يجيب عليها، ماذا يريد صندوق النقد الدولي من مصر حتي يوافق على القرض؟ إلى أين وصلت المفاوضات بين مسئولي الصندوق والوفد المصري؟ هل ما يقوله معيط عن عدم تأثير القرض الجديد على معيشة المواطن صحيح؟
، فعلى الرغم من أن القيمة المتوقع الحصول عليها في القرض الجديد لن تتجاوز الـ 5 مليارات دولار فإن مصر دخلت في مفاوضات عاصفة مع مسئولي الصندوق، وسيطرت حالة الشد والجذب على المفاوضات خلال الفترة الماضية.
فبينما يرغب المسئولون في مصر، وتحرص القيادة السياسية على تجنيب المواطن المصري أي آثار للأزمة الاقتصادية التي أرهقت الدولة والمواطن على حد سواء خلال السنوات الماضية، وتجنب اتخاذ أي قرارات اقتصادية قد يكون لها آثار سلبية على المواطن وتسبب في زيادة معاناتها التي تسعى الدولة للحد منها.. يبدو أن لصندوق النقد الدولي رأيا آخر.
مصر دخلت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وهي على علم يقيني بأن الطريق للحصول على قرض جديد، بأي قيمة لن يكون سهلًا على الإطلاق، في ظل أزمة اقتصادية عالمية تعاني منها جميع دول العالم، والتي سلكت دول عدة فيه نفس مسلك مصر، ولجأت إلى لصندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قروض تساعدها في عبور أزمتها الاقتصادية، التي لا يوجد مواطن واحد في العالم قد نجا منها، ولا يوجد اقتصاد وحيد لدولة واحدة في العالم لم يتأثر بها ولم يُعانِ الكثير والكثير من تبعاتها.
المفاوضات التي دخلت فيها مصر مع صندوق النقد الدولي، أظهرت تباعدًا في الرؤي بين الطرفان فبينما ترغب مصر في تجنيب المواطنين أي آثار للأزمة العالمية وأي قرارات من الممكن أن يكون له مردود سلبي بسبب الحصول على قرض جديد، يرغب مسئولي البنك الدولي في فرض عدد من السياسات على القطاع المصرفي من شأنها أن تتسبب في ارتفاع كبير لأسعار العملات الأجنبية، وهو ما سيكون له تأثير كبير على المواطن المصري.
صندوق النقد الدولي دخل المفاوضات مع مصر وعينه على تعويم كلي للدولار، وهو ما سبق أن تم في عام 2016 أثناء تولي طارق عامر منصب محافظ البنك المركزي، وكذلك في شهر مارس الماضي، عندما خفّضت الحكومة قيمة الجنيه، وحركت سعر صرفه أمام الدولار الأمريكي، لامتصاص تخارج الاستثمار الأجنبي من البلاد والسيطرة على موجة التضخم العالية.
مسئولو الوفد المصري، وعلى طول المدة التي استغرقتها عملية التفاوض، ظلوا متمسكين بموقف واضح وهو عدم قبول التحرير الكلي للجنيه المصري، وأعينهم أيضًا على المواطن في المحروسة، الذي سيكون المتضرر الأول من أي تحريك للدولار في ظل الأزمة الحالية، التي لا توجد مؤشرات على اقتراب تجاوز العالم لها.
ورغبة مصر في استمرار التعويم الجزئي للجنيه، هي محاولة للحد من آثار تلك الأزمة بدلًا من التعويم الكلي، يتمسك البنك الدولي بأن تحرر مصر سعر الصرف بشكل كامل للجنيه الذي وصل خلال الأشهر الماضية إلى مستويات تدنٍّ غير مسبوقة أمام الدولار.
التعويم الكامل للجنيه لم يكن الأزمة الوحيدة في المفاوضات بين مصر وصندوق النقد، أزمة أخرى هي أسعار الوقود التي ظهرت خلال المفاوضات، صندوق النقد الدولي يرى أن أسعار الوقود في مصر ليست هي الأسعار العادلة أو الحقيقية، وأن الدولة لا تزال مستمرة في عملية الدعم لأسعار الوقود، وأنه من الضروري رفع سقف أسعار الوقود إلى السعر الحقيقي لها.
وفي تلك الأزمة أظهر مسئولو الوفد المصري تمسكًا بالسياسات التي تتبعها مصر في التعامل مع أسعار الوقود، والتي تتعامل بها لجنة تسعير الوقود، التي تجمتع كل ثلاثة أشهر، ووفقًا لمعطيات الظروف تتخذ قرارها سواء بالتثبيت أو الزيادة.
ومن الواضح أن مصر والبنك الدولي وخلال المفاوضات باتوا على توافق، بقبول التعويم الكلي للجنيه، وتثبيت أسعار الوقود وعدم تحريكها في الوقت الراهن، تجنبًا للآثار السلبية لتلك القرارات والانعكاسات التي ستؤثر بشكل بالغ على المواطن في مصر.
ومع قبول التعويم الكلي للجنيه أمام الدولار، أصبحت حكومة الدكتور مصطفى مدبولي، مضطرة أمام كل هذا إلى تجنب اتخاذ أي قرارات أخرى من الممكن أن تتسبب في زيادة الأسعار، سواء للسلع أو الخدمات، وكذلك العمل على زيادة المبادرات التي أطلقتها الدولة خلال السنوات الماضية بالشراكة مع المجتمع المدني من أجل توجيه الدعم للفقراء.
وبذلك بات من المؤكد أن قبول التعويم الكلي للجنيه، وتثبيت سعر الوقود، سيبتعه قرارات أخرى بتأجيل رفع أي دعم عن الكهرباء، وهو ما أكد عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الفترة الماضية تخفيفا للأحمال الواقعة على عاتق المصريين جراء تداعيات الأزمات الاقتصادية العالمية، وكذلك جميع الخدمات الأخرى التي تقدم من جانب الدولة للمواطن في مصر.
ومن هذا المنطلق ستواصل الدولة توجيه الدعم للمواطنين من خلال المبادرات المجتمعية المتنوعة سواء تكافل أو كرامة أو حياة كريمة وغيرها، التي تتعاون فيها الدولة مع المجتمع المدني، حيث ارتفع الدعم النقدي تكافل وكرامة إلى نحو 4 ملايين أسرّة، بينما إجمالي عدد المستفيدين من مبادرة حياة كريمة يقترب من 55 مليون مواطن، وبلغت التكلفة الكلية للمبادرة في 3 سنوات ما يزيد عن 700 مليار جنيه.