02:33 pm 25/09/2022
| رأي
| 1399
محمد العليمي يكتب : نداء من الله
أهرب من ثلاثة أسود مفترسة كادت أن تَفتِكَ بي، و أحتمي بمسجد بديع الجمال لم أدخله ولم تطأه قدمي من قبل، لاأعرفه ولكنه مألوف ، استيقظت مفزوعاً من زئير الأسود المفترسة التي كانت تطاردني و أنفاسي ما زالت متلاحقة تتسابق في المرور من و إلي صدري و يغمرني عرق بارد، قلبي يكاد ينهار من فرط دقاته وسرعتها، ولكن العجيب ان مع كل هذا الشعور بالفزع، يتزامن معه إحساس غريب بالفرحة والسكينة و الطمأنينة، فرحة الهروب من الضواري و سكينة هذا المسجد التي لم تفارقني بالرغم مما أنا فيه من فزع إلا أني كنت مطمئناً بعد استيقاظي، أو إن صح التعبير واثقاً في تلك السكينة التي تغمرني و لا أعلم سببها والتي كان لها عظيم الأثر في ان تهدئ من روع قلبي المنتفض.
يذهب الخوف ويهدأ القلب و يبدأ العقل في البحث بين طياته عن هذا المسجد البديع، ويبدأ اليوم بكل ما فيه من مشاغل ويتخطى القلب مخاوفه ويتناسى العقل ما كان يبحث عنه في دوامة العمل، وتمر الساعات و ينتهي اليوم، لتأتيني مكالمة من صهري ويعرض علي دعوة للذهاب لرحلة عمرة بعد خمسة أيام فقط ، لكني أعتذر له لعدم توفر سيولة مالية في الوقت الحالي، ويجيب : لا تقلق التكاليف هتبقي بسعر التكلفة و هندفع جزء من المبالغ بالفيزا مش محتاجين كله كاش حالياً، وأعتذر له فلا أُفضل أن أبدأ أية معاملات أو إرتباطات مالية وأنا لا أملك كافة التكاليف، ويجيب : "إنوي بس وهتلاقي فلوسها جت" ، وتنتهي المكالمة وأستعد للنوم وأنا أحاول أن أوقف البحث عن صورة المسجد الذي إحتميت به في منامي !!
وأنام وأنا أفكر هل أستطيع أن أجهز تكاليف رحلة العمرة وأتخذ قراري بالسفر دون دين أو إقتراض، عقلي يرفض القبول وقلبي يتمزق شوقاً، ومن يعرفني يعلم أنني شخص لايترك أموره للعواطف أو أحاسيس القلب، وينتصر عقلي كالعادة وأتصل بصهري وأخبره أن يسافر هو بسلامة الله وإن شاء الله تتاح لي الفرصة مستقبلاً .
أغلقت الهاتف وقلبي يعتصر، و أستجدي يؤمر ليمر وتنقضي الساعات، لكن ودون سابق إنذار وأثناء محادثة مع صديق عزيز علي قلبي، تمر عبر أذني جملة كالسهم الذي خرج من فمه ليجد له موضعاً بفؤادي ؛ "الأرض دي هي اللي بتنادي اللي هي عايزاه مش إحنا اللي بنروح لها"، سقطت تلك الكلمات علي قلبي وليس أذني، لتنتهي اي سيطرة للعقل وينتصر قلبي علي عقلي للمرة الأولى، وتحدثني نفسى أنها تواقة لزيارة بيت الله الحرام ومسجد رسول الله (ص)، و أناجي ربى و مولاي سراً وعلانية، بينى وبينى، وبينى وبينه، اللهم أقبلني عندك وعند بيتك الحرام، فلما استجاب هرولت إليه متخففاً من مالٍ أو جاه، هرولت مسرعاً كما أنا، لا يسترنى الا سَتره الجميل وسُترة الإحرام، ملبياً لبيك عمرة، ويشاء القدر أن يكون التوجه للمدينة المنورة أولاً و تطأ قدمي المسجد النبوي الشريف لأول مرة في حياتي، ووسط حالة من الألفة والسكينة والطمانينة التي تسيطر علي هذا المسجد المبارك والمدينة المنورة كلها، أجدني أقف مذهولاً من هول ما أرى فهذا المسجد من الداخل وتحديداً الجزء القديم منه هو الذي رأيته في منامي ولهذا كان شكله مألوف ولكني لم أتعرف عليه، فالوقوف داخل المسجد يختلف كلياً عن مشاهدته عبر الشاشات، وأدرك ساعتها انه لم يكن كابوساً كما كنت أتخيل بل رؤية ولا أجمل ولا أروع وأنه لم يكن سوى نداء من الله.