12:04 pm 27/01/2022
| طاقة
| 1608
أصبحت الشركات العالمية أكثر وعيًا بمخاطر الصراعات الجيوسياسية وتأثيرها في أسواق الطاقة والاقتصاد عمومًا، وذلك في ظل تصاعد حدّة التوتر والأزمات بين بعض الدول خلال الشهور الأخيرة.
وأرجع محللو الطاقة الأسعار التصاعدية للنفط والتذبذب في أسواق الطاقة إلى التوترات الجيوسياسية بمختلف بقاع العالم، لا سيما أن الأيام الأولى من عام 2022 لم تكن مبشرة، وشهدت أحداثًا ساخنة بداية من أزمة قازاخستان إلى دقّ طبول الحرب بين أوكرانيا وروسيا.
وزادت المخاوف التأثير لدى سلاسل التوريد وأن يتفع أسعار النفط الخام إلى أكثر من 100 دولار للبرميل.
وتستعرض "الطاقة" في هذه السطور أهم الصراعات الجيوسياسية في عام 2022 التي تُهدد أسواق الطاقة..
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، رأى العديد من السياسيين الروس أن انفصال أوكرانيا خطأ تاريخي فادح، ويهدد مكانة روسيا بوصفها قوة عظمى، خاصة أن روسيا كانت -لمدة طويلة- الشريك التجاري الأكبر لأوكرانيا، رغم أن ذلك تلاشى في السنوات الأخيرة، وسحبت بكين البساط من موسكو.
الصراع الروسي الأوكراني.. شبح الحرب يهدد أسعار النفط وأسواق الطاقة العالمية وقبل الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم، كانت موسكو تأمل في جذب أوكرانيا إلى سوقها الموحدة، الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، الذي يضم اليوم أرمينيا وبيلاروسيا وقازاخستان وقيرغيزستان.
ومع إصرار روسيا على فرض نفوذها السياسي في أوكرانيا، أثار تعزيز القوات العسكرية الروسية على طول الحدود مع أوكرانيا في أواخر عام 2021 مخاوف من أن موسكو تستعد لغزو واسع النطاق لجارتها، على الرغم من أن الكرملين نفى ذلك.
ومع فشل 3 جولات من المحادثات في التوصل إلى قرار بين روسيا والولايات المتحدة وحلفائها لتهدئة التوتر على الحدود الروسية الأوكرانية، سيؤدي الافتقار لحلّ دبلوماسي إلى تصعيد الأزمة.
ومن شأن ذلك أن يؤثّر في أسواق الطاقة، لا سيما أن روسيا تعتمد على خطوط الأنابيب الأوكرانية لضخّ الغاز إلى عملائها في وسط وشرق أوروبا لعقود من الزمن، وتواصل دفع رسوم عبور بمليارات الدولارات سنويًا إلى كييف.
لكن اكتمال خط أنابيب نورد ستريم 2 في منتصف عام 2021، الذي يمتد تحت بحر البلطيق إلى ألمانيا، سيسمح لروسيا بتجاوز أوكرانيا، وإمداد أسواق الطاقة ببعض احتياجاتها.
ووفقًا لمحللين وخبراء، سيهدد التوتر بين البلدين أسواق الطاقة، ويؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط وانخفاض صادرات الغاز من روسيا إلى أوروبا
كما توقعوا أن يمتد تأثير الصراع الروسي الأوكراني إلى الأسواق الأخرى، ومن المتوقع أن يُسفر عن ارتفاع أسعار الحبوب وأسواق السندات.
تحولت احتفالات رأس السنة الجديدة في قازاخستان إلى احتجاجات جماهيرية في جميع أنحاء البلاد.
وكان الدافع المباشر للاحتجاجات هو خفض دعم الوقود، فالحكومة حاولت رفع سعر غاز النفط المسال، المستخدم على نطاق واسع في الطهو والتدفئة ووقود السيارات.
وعدَّ بعضهم الاضطرابات التي هزّت البلاد تحذيرًا لقادة الدول حال فشلهم في حماية مواطنيهم من ارتفاع الأسعار في أسواق الطاقة.
وتعدّ الأزمة القازاخستانية من بين أهم الصراعات الجيوسياسية، لا سيما أنها ثاني أكبر منتج للنفط بين شركاء أوبك في إطار تحالف أوبك+، وتبلغ قدرتها الإنتاجية قرابة 1.59 مليون برميل يوميًا، واحتياطيات تصل إلى 30 مليار برميل.
وقد جذب قطاع الهيدروكربونات قرابة 60% من الاستثمار الأجنبي في البلاد منذ عام 1991، ويمثّل أكثر من نصف عائدات صادرات البلاد.
واستثمرت شركات النفط العالمية الكبرى مثل إكسون موبيل وشيفرون وإيني وتوتال إنرجي مليارات الدولارات في البلاد خلال السنوات الماضية، وساعد ذلك في تعزيز نمو النفط والغاز.
ومع أن الاحتجاجات لم تؤثّر في الإنتاج، فإن ذلك يأتي في وقت تكافح فيه أوبك+ لزيادة الإنتاج.
كما إن الدولة الآسيوية تُعدّ أكبر منتج لليورانيوم، وتنتج أكثر من 40% من اليورانيوم في العالم، ويجعلها ذلك لاعبًا رئيسًا في التحول العالمي بعيدًا عن الوقود الأحفوري.
ورغم أن الاضطرابات لم تؤثّر في الإنتاج أو صاردات اليورانيوم، فإنها تسببت في ارتفاع أسعار اليورانيوم الفورية.
فالأزمة أثارت قلق المستثمرين وسط مخاوف من أن تضرّ بسمعة البلاد، بوصفها وجهة استثمارية موثوقة.
ما تزال الأزمة الليبية تمثّل غصّة في حلق روّاد أسواق الطاقة، لا سيما أن ليبيا تمتلك أكبر احتياطي نفطي في أفريقيا، ووصل الإنتاج قبل الثورة قرابة 1.8 مليون برميل من النفط يوميًا، أي نحو 2% من الإنتاج العالمي.
فالنفط يعدّ حجر الزاوية في الاقتصاد الليبي، لكن حالة الفوضى المستمرة وعدم الاستقرار منذ سنوات عاقتا الإنتاج، رغم أن ليبيا معفاة من قرار خفض إنتاج أوبك+ بسبب وضعها الأمني الهش واستمرار الحرب الأهلية بعد 10 سنوات من الإطاحة بنظام معمر القذافي عام 2011.
وفي 2021، تعافى إنتاج النفط الليبي بعد وقف إطلاق النار وتشكيل حكومة انتقالية في البلاد، وتضاعف الإنتاج 3 مرات مقارنة بعام 2020.
لكن في أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، هددت فوضى الانتخابات الليبية إنتاج وصادرات النفط، بعدما أغلقت الميليشيات أكبر حقل نفطي في البلاد، وتوقّف إنتاج النفط الخام في 3 حقول نفطية أخرى، وعلى إثره أعلنت ليبيا حالة القوة القاهرة على صادراتها النفطية.
وبسبب الأزمات المالية، قررت مؤسسة النفط الليبية التراجع عن زيادة إنتاج النفط إلى 1.5 مليون برميل يوميًا خلال العام الجاري
وانخفض الإنتاج إلى 729 ألف برميل يوميًا من 1.3 مليون برميل يوميًا العام الماضي، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أعمال صيانة خطوط الأنابيب، وتأمل البلاد الحفاظ على معدل الإنتاج الذي حققته العام الماضي.
من بين أهم الصراعات الجيوسياسية، الصراع في اليمن ودخول دول الخليج في حرب ضد الحوثيين.
منذ عام 2015، دخل الحوثيون في صراع مع التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة السعودية، وعدّوا هجماتهم على السعودية والإمارات بمثابة ردّ على الضربات الجوية لقوات التحالف التي تستهدف قياداتهم.
وفي أوائل العام الماضي، كثّف الحوثيون هجماتهم الصاروخية والطائرات المسيرة على المملكة العربية السعودية، مستهدفين مواقع عدّة تشمل المطارات ومنشآت أرامكو النفطية.
وجاءت الهجمات الأخيرة على أبو ظبي بعدما أعلنت القوات المدعومة من الإمارات في اليمن أنها استعادت محافظة شبوة من الحوثيين في وقت سابق من هذا الشهر.
وتسبّب الهجوم الأخير في اندلاع حرائق أدت إلى انفجار 3 ناقلات نفط بالقرب من منشآت تخزين تابعة لشركة النفط الحكومية أدنوك.
وأسفرت التوترات الأخيرة في منطقة الخليج عن ارتفاع أسعار النفط لأعلى مستوياتها في 7 سنوات.
وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت إلى 87.51 دولارًا للبرميل، واستقرت العقود الآجلة لخام غرب تكساس عند 85.43 دولارًا للبرميل، وهو أعلى مستوى لهما منذ أكتوبر/تشرين الأول 2014.
مع بطء المفاوضات في فيينا المتعلقة بإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، بدأت تلوّح الدول الغربية باللجوء إلى خيار عسكري ضد إيران.
فقبل انسحاب واشنطن في عام 2018 من خطة العمل الشاملة المشتركة، وإعادة فرض العقوبات على إيران، التي تستهدف قطاع النفط والغاز تحديدًا، اعتادت إيران ضخّ قرابة 2.8 مليون برميل يوميًا من النفط الخام في السوق العالمية.
لكن في الوقت الذي يواجه العالم أزمة طاقة خطيرة ناجمة عن الطلب المتزايد على الوقود الأحفوري، فاقمت العقوبات الأميركية على إيران من حدّة الأزمة.
فإيران يمكنها زيادة صادراتها النفطية 1.5 مليون برميل تقريبًا يوميًا في أقلّ من 6 أشهر حال رفع العقوبات الأميركية، ومن شأن ذلك أن يسهم في خفض الأسعار العالمية.
بالإضافة إلى ذلك، تُصدّر طهران الغاز إلى الدول المجاورة، ويمكنها أن تكون موردًا موثوقًا لأوروبا وبقية العالم على المدى الطويل.
رغم أن السياسات الاقتصادية والخارجية للرئيس الأميركي جو بايدن تمثّل خروجًا حادًا عن سياسات سلفه، دونالد ترمب، فإنه عندما تعلق الأمر بالعلاقات مع الصين، حافظ بايدن إلى حدّ كبير على مواقف ترمب المتشددة. فعلى سبيل المثال، رفض بايدن إلغاء تعرفة ترمب الجمركية على الصادرات الصينية، إلى جانب فرض عقوبات إضافية.
ووصلت حدّة التوتر بين الولايات المتحدة والصين آفاقًا جديدة في عام 2021، ومن المرجح أن تزداد مع اقتراب دورة الألعاب الأولمبية في فبراير/شباط المقبل، إذ تستخدم الولايات المتحدة مقاطعتها للأولمبياد دبلوماسيًا للفت الانتباه إلى حملة الصين ضد الأقلية المسلمة الأيغور في منطقة شينجيانغ.
كما أثارت الولايات المتحدة غضب بكين بإرسال وفود إلى تايوان خلال العام الماضي لدعم حكومة الرئيس تساي إنغ ون.
ومع استمرار الاضطرابات في مضيق تايوان، يتوقع الكثير من الخبراء حدوث صراع مسلح بين الولايات المتحدة والصين.
الغريب في الموقف بين البلدين أنهما قد يكونان خصمين جيوسياسيين، لكن تربطهما علاقات قوية في قطاع الطاقة، فالصين تستورد الوقود الأحفوري من الولايات المتحدة وخاصة الغاز الطبيعي المسال، وواشنطن تستورد التقنيات منخفضة الكربون من بكين.
وفي ظلّ تصاعد التوتر بين البلدين، من المؤكد أنه سيؤدي إلى عواقب وخيمة على أسواق الطاقة والاقتصاد العالمي.
منذ 2014، أدت السياسات التي انتهجتها حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادرو إلى تدهور الاقتصاد وانهيار مستوى المعيشة، وأصبح الوضع في البلاد كارثي مع فرض العقوبات الأميركية في يناير/كانون الثاني عام 2019.
فحتى عام 2013، كانت شركة بدفسا تتمتع بسمعة جيدة بصفتها واحدة من أقوى شركات النفط الوطنية في العالم
لكن في أوائل عام 2014، سعت حكومة مادرو على تعزيز قبضتها على السلطة، وشنّت حملة عنيفة على وزارة النفط وشركة بدفسا.
وكالة الطاقة تفجر مفاجآت بشأن آفاق أسواق الطاقة عالميًا
وكان لانهيار الاقتصاد الفنزويلي وقطاع النفط تداعيات إقليمية ودولية كبيرة، بدءًا من مستويات الهجرة غير المسبوقة إلى انهيار التبادلات التجارية.
وأدت الأزمة الفنزويلية إلى تعليق اتفاقية التعاون في مجال الطاقة (البتروكاريبي)، والتي سمحت لشركة بدفسا بتزويد 43% من الطلب على الطاقة في 17 دولة.
كما يحمل انهيار النفط في فنزويلا تداعيات سياسية على منظمة أوبك، إذ أدت فنزويلا دورًا رائدًا داخل المنظمة، ليس فقط بوصفها عضوًا مؤسسًا، بل بصفتها محركًا رئيسًا لتطوير سياسات النفط العالمية.
وتؤثّر الأزمة -أيضًا- بتطوير أضخم احتياطيات النفط والغاز في كاراكاس، ومع استمرار أزمة الطاقة العالمية وتزايد الصراعات الجيوسياسية، سيسفر انقطاع الإمدادات عن تفاقم الوضع.