نبيل أبو شال:
دائما ما كانت للدكتور رمضان أبوالعلا، خبير البترول المصرى، آراء محل اهتمام دولى بفضل ما اكتسبه من خبرات أكاديمية، من حيث تدرجه فى العمل الجامعى من معيد حتى نائب رئيس جامعة، وكذلك حصوله على جائزة الدولة فى العلوم، وعمل مستشارا ثقافيا لمصر فى بعض الدول الأوروبية، كما اكتسب خبرات برلمانية حين كان عضواً فى البرلمان المصرى خلال الفصل التشريعى السادس «1990- 1995»، وعضواً بمجلس إدارة الشركة القابضة للتجارة، ومجلس الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية، ومجلس علماء الثروة المعدنية.
حصل الدكتور رمضان أبوالعلا على جائزة الدولة عن أبحاث فى منطقة البحر الأبيض المتوسط وعن العديد من الدراسات فى منطقة الاكتشافات، والإشراف على رسالة علمية عن اقتصاديات تصدير الغاز المصرى، وكانت له نصائح لعدة حكومات مصرية بشأن حقوق الدولة فى البترول والغاز سواء فى المياه الإقليمية بالبحر الأبيض المتوسط أو تلك التى استولت عليها إسرائيل إبان احتلالها سيناء.
ورغم تحذيراته من عدم تقديم مصر استئنافاً على حكم التعويض لإسرائيل الصادر من محكمة سويسرية فإن أحداً لم يلتفت لتحذيراته وترتب على ذلك حكم يلزم مصر بدفع 1.76 مليار دولار، ورغم ذلك لم يتوقف الرجل عن المطالبة بالحقوق المصرية وأبرزها جبل أراتوستينس الذى انتقل إلى قبرص بعد ترسيم الحدود معها، والذى تبلغ عائداته السنوية 200 مليار دولار.. «المصرى اليوم» فتحت كل هذه الملفات مع الدكتور رمضان أبوالعلا وأجاب عنها فى الحوار التالى:
■ لماذا تصر على المطالبة بضرورة إعادة ترسيم الحدود بين مصر وقبرص؟
-بالفعل منذ أكثر من 5 سنوات وحتى الآن مازلت أطالب بتعديل اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص لأنها تهدر حقوق مصر فى البحر الأبيض وقد أرسلت تقريرا موثقا بالمستندات إلى جميع الجهات المعنية.
■ ما أهم النقاط التى تضمنها هذا التقرير؟
- من الملاحظات المهمة التى جاءت بالتقرير أنه بعد الإعلان عن اكتشاف الغاز الأضخم فى العالم فى شرق البحر الأبيض عن طريق هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية عام 2010 وبالرغم من تواجد الاكتشاف فى منطقة محصورة بين الحدود البحرية لمصر وقبرص، وبالرغم من أن مصر وقعت مع قبرص على ترسيم الحدود عام 2003 وكذلك على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وبالرغم من أن إسرائيل لم توقع على تلك الاتفاقية.. لم تتحرك مصر على المستوى الدبلوماسى للحفاظ على حقوقها فى تلك المنطقة التى تشمل حقلى ليفياثان وأفروديت، بل قامت إسرائيل بالتوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود مع قبرص فى 7 ديسمبر 2010 وبعدها بشهور قليلة أعلنت قبرص عن اكتشاف حقل أفروديت وأعلنت إسرائيل عن اكتشاف حقل ليفياثان وقيمة ثروات الحقلين لا تقل عن 200 مليار دولار، وكانت إسرائيل قد فرضت سيطرتها على 40% من منطقة الاكتشافات ورصدت حوالى 620 مليون دولار لإنشاء شبكة دفاعية باسم «الدرع» حول منصات الغاز، بالإضافة إلى تجهيز 4 سفن حربية مجهزة بنظام مضاد للصواريخ وطائرات استطلاع ودوريات الزوارق البحرية.
■ وهل ما قامت به إسرائيل له سند قانونى؟
- كل ما قامت به إسرائيل ليس له أساس طبقاً للقوانين والأعراف الدولية أولاً لأن إسرائيل لم توقع على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وثانياً قبرص لم تلتزم بالتشاور مع مصر قبل التوقيع مع طرف ثالث وفقاً لما جاء بالبند الثالث من اتفاقية ترسيم الحدود الموقعة بين مصر وقبرص عام 2003.
■ ما الجهات الرسمية التى عرضت عليها التقرير والمستندات التى لديك؟
- لقد عرضت المستندات التى تثبت تواجد الحقلين السابقين فى المياه الاقتصادية المصرية من خلال اجتماعين بوزارة البترول فى 12 نوفمبر 2012 و28 إبريل 2013 وحضر فى الاجتماع الثانى ممثلو الجهات السيادية والمهندس أسامة كمال وزير البترول فى ذلك الوقت، والمهندس شريف إسماعيل بصفته أحد قيادات البترول فى ذلك الوقت، ولم يعترض أحد على ما تم عرضه من وثائق ومستندات، ثم التقيت فى 11 مايو 2014 بالمهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء فى ذلك الوقت وعرضت عليه الوثائق والمستندات وسألنى ماذا تقترح؟، فاقترحت الاستعانة بالدكتور فاروق الباز كمرجعية علمية دولية قبل رفع التقرير بصفة نهائية للقيادة السياسية حتى تبدأ مصر فى اتخاذ الإجراءات القانونية والدبلوماسية لاسترداد حقوقها ولم أتلق ردا بالموافقة أو الرفض. ونفس الاقتراح عرضته على المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء الحالى مع إضافة مرجعية قانونية ممثلة فى الدكتور مفيد شهاب ومرجعية تنفيذية ممثلة فى المهندس طارق الملا وزير البترول وحتى الآن لم أتلق ردا بالموافقة أو الرفض. ويسعدنى أن تهتم «المصرى اليوم» بعمل ترتيبات عقد هذا الاجتماع وعرض نتائجه على الرأى العام بعد أن أعرض ما لدىّ من وثائق ومستندات علمية وقانونية على قامة علمية بحجم الدكتور فاروق الباز وقامة قانونية بحجم الدكتور مفيد شهاب الذى أسهم فى استرجاع طابا لمصر.
■ فى رأيك لماذا لم تطالب مصر بتعديل الاتفاقية مع قبرص بحيث يتضمن
التعديل استرجاع حقوقها؟
- أعتقد أن مجموعات العمل التى شاركت فى ترسيم الحدود البحرية مع قبرص عام 2003 والتى تم من خلالها التفريط فى حقوق مصر البحرية لا تريد أن تغير موقفها، والدليل أنه بعد أن عرضت الوثائق والمستندات فى وزارة البترول فى 28 إبريل 2013 جاء فى البيان الختامى للقمة الثلاثية بين مصر وقبرص واليونان فى 8 نوفمبر2014 النص التالى «ونقرر المضى قدماً على وجه السرعة فى استئناف مفاوضاتنا بشأن ترسيم حدودنا البحرية حيث إن ذلك لم يتم حتى الآن»، وهذا يعنى ترسيم الحدود بين الدول الثلاث، وقد تفاءلت بهذا البيان إلا أن هذا التفاؤل لم يدم طويلاً.
■ أين ذهب التفاؤل؟
- تغير الحال فى البيان التالى للقمة الثلاثية فى 29 إبريل 2015 حيث تضمن ترسيم الحدود بين مصر واليونان فقط ولم يتضمن قبرص، والسؤال الذى يطرح نفسه من الذى تدخل لإحداث هذا التغيير فى البيان الثانى؟!
ولأن الجانب القبرصى أراد أن يتأكد أن مصر غافلة عن المطالبة بحقوقها خاصة بعد أن عرضت مستندات ووثائق تثبت حقوق مصر فى اجتماعى بالوزارة فى 28/4/2013، طالب بتوقيع اتفاقية إطارية فى 12/12/2013 تضمنت الاتفاق على تبادل المعلومات حول أى اكتشاف للغاز على بعد 10 كم من خط المنتصف بين البلدين وهذه الاتفاقية ليس لها أى معنى سوى أن تتأكد قبرص أن مصر لن تطالب بتعديل خط المنتصف والغريب أنه تم توقيع اتفاقية مماثلة تماماً عام 2015 لزيادة التأكيد على استمرار عدم مطالبة مصر بحقوقها.
■ وماذا سيعود على مصر إذا تم تعديل اتفاقية ترسيم الحدود مع قبرص؟
- المستندات التى بين يدى تثبت أن المنطقة الاقتصادية المصرية البحرية الخالصة يمكن أن تمتد شمالاً حتى جبل «أراتوستينس» وهذا الجبل كان جزءا من الساحل المصرى وانتقل منذ ملايين السنين بحيث أصبح مغموراً بالمياه العميقة وعلى بعد 157 ميلا بحريا، وعلى هذا الأساس يمكن لمصر أن تطالب بحقوقها فى حقلى «أفروديت» و«ليثياثان» اللذين تقدر ثرواتهما بحوالى 200 مليار دولار، لذلك أرجو من المصريين الاهتمام بجبل أراتوستينس مثل اهتمامهم بجزيرتى تيران وصنافير لأنه لا يقل أهمية عنهما.
■ ما رأيك فى المفاوضات بين بعض شركات القطاع الخاص المصرى وإسرائيل
لاستيراد الغاز الإسرائيلى؟
- يجب ألا ننسى أنه كان هناك إرهاب معنوى من جانب إسرائيل لتغريم مصر 1.7 مليار دولار، بسبب توقف مصر عن إمداد إسرائيل بالغاز، والعالم أجمع يعلم أن هناك قوة قاهرة هى التى منعت مصر، وهذا سبب يعرفه جيداً خبراء القانون الدولى، ومن المدهش أن إسرائيل رفعت الدعوى فى أكتوبر 2011، ولم يتم إصدار الحكم إلا بعد أربع سنوات، وبعد 10 أيام تقريباً من الإعلان عن بدء بعض الشركات المصرية الخاصة فى عمل مفاوضات لاستيراد الغاز الإسرائيلى، ما يؤكد أن هناك مخططاً لعمل إرهاب معنوى للمصريين والضغط عليهم للموافقة على استيراد الغاز الإسرائيلى لتحقيق مصالح شركات البترول العالمية التى تمتلك استثمارات ضخمة فى مصنعى الإسالة فى (إدكو ودمياط) والتى توقفت عن العمل بعد توجيه الغاز المصرى للاستخدام المحلى وعدم تصديره، ورغبة الشركات العالمية فى إعادة تشغيل المصنعين باستخدام الغاز الإسرائيلى، وأنا شخصياً ليس لدى أى مانع من استيراد الغاز الإسرائيلى بشرط تفويض مفاوض مصرى قوى يستطيع أن يسترد حقوق مصر بالكامل من إسرائيل.
■ وهل لمصر حقوق لدى إسرائيل؟
- نعم بالتأكيد مصر لها حقوق فى حقلى ليفياثان الإسرائيلى وأفروديت القبرصى، طبقاً للوثائق والمستندات العلمية التى عرضتها على الجهات السيادية، هذا بالإضافة إلى حقوق مصر عن قيمة ثروات البترول والغاز التى استولت عليها إسرائيل خلال فترة احتلال سيناء، وقد أشار إلى مطالباتى المستمرة بحقوق مصر الراحل العظيم أحمد رجب فى نص كلمة بتاريخ 20 أكتوبر 2012، ثم لأهمية الموضوع وعدم الاستجابة من الحكومة أعاد نشرها مرة ثانية فى 5 يناير 2013.
■ إلى أى قانون يستند حق مصر القانونى؟
- يستند حق مصر القانونى فى مطالبة إسرائيل بتعويضات عن الثروات المصرية التى استولت عليها بناء على قرارات القانون الدولى والمعاهدات الدولية وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأهم تلك القرارات القرار رقم (3175) الذى أكد أن جميع التدابير التى اتخذتها إسرائيل لاستغلال الموارد الطبيعية من الأراضى العربية المحتلة غير شرعية، كما أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة على حق الدول والشعوب العربية الواقعة أراضيها تحت الاحتلال الإسرائيلى فى استرداد ثروتها أو التعويض الكامل عن الثروات التى استولت عليها واستغلتها إسرائيل.
■ وهل يكفى هذا لتنفيذ القرار على إسرائيل؟
- يمكن لمصر أن تستند إلى تقرير الأمين العام للأمم المتحدة فى أكتوبر 1977، والمؤسس على تقرير المجلس الاقتصادى والاجتماعى بالأمم المتحدة.
■ هل حددت تلك التقارير الكميات التى استولت عليها إسرائيل؟
- لقد جاء فى تقرير المجلس الاقتصادى والاجتماعى أنه من نتائج حرب 1967 استيلاء إسرائيل على حقول البترول المنتجة فى سيناء وهى: (أبورديس، بلاعيم، سيدرا، تيران، راس الحكمة، عسل، مطارمه، سدر) وقد أعلنت إسرائيل استغلالها لتلك الحقوق فى يوليو 1967 كما قامت برفع الإنتاج من 87 ألف برميل يومياً إلى 120 ألف برميل، وقد بلغت كمية الزيت الخام الذى استولت عليه إسرائيل 235 مليوناً و562 ألفاً و455 برميلاً كما قامت إسرائيل بالاستيلاء على 44 ألفاً و455 برميلاً كانت مخزنة بصهاريج الشركة العامة للبترول، وبذلك يبلغ الإجمالى 235 مليوناً و606 آلاف و910 براميل قيمتها الحالية 11.78 مليار دولار، علماً بأن الأرقام المذكورة موثقة.
■ هل يمكن أن ترد إسرائيل هذه الكميات أم لابد من دفع ثمنها؟
- ورد بتقرير المجلس الاقتصادى والاجتماعى بالأمم المتحدة أن الأصل فى التعويض أن يكون عينياً، أى أن على إسرائيل أن ترد ما حصلت عليه من البترول والغاز، وإذا تعذر ذلك يكون التعويض المالى هو البديل المتاح، ويكون التعويض المادى بقيمة الثروات الطبيعية وقت الرد وليس وقت وقوع الفعل المنشئ للتعويض، ويصل إجمالى المبلغ المطلوب بحساب متوسط سعر برميل البترول 50 دولاراً إلى 11.78 مليار دولار، بالإضافة إلى حوالى 70 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعى المصاحب قيمتها حوالى 560 مليون دولار.
■ نعلم أن اتفاقية كامب ديفيد رتبت كيفية الحصول على مثل هذه الحقوق.
- وفقا لمعاهدة السلام الموقعة بين القاهرة وتل أبيب فإنه فى حالة وجود مطالبات مالية من قبل أحد الطرفين فإنه يتم تشكيل لجنة من الطرفين لتسوية تلك المطالبات، وأنه فى حالة وجود خلافات يتم حلها أولاً عن طريق التفاوض، فإن لم يتم الحل بالتفاوض يتم اللجوء إلى التوفيق أو التحكيم.
■ اتفاقية السلام الموقعة مع إسرائيل اتفق فيها الجانبان على عدم رفع دعاوى
تعويضات من الجانبين، فكيف تحصل مصر على حقوقها دون الإخلال باتفاقية
السلام؟
- إسرائيل لم تلتزم بذلك وقامت شركة الكهرباء الإسرائيلية برفع دعوى ضد مصر فى محكمة سويسرية، وطالبت الحكومة المصرية ممثلة فى الشركة القابضة للغاز بتعويض عن توقف تصدير الغاز المصرى إليها، وحكمت تلك المحكمة- رغم عدم اختصاصها- لإسرائيل بتعويض قدره 1.76 مليار دولار، رغم أن الاتفاقية تدعو للتفاهم والتشاور قبل اللجوء للتحكيم، مثلما حدث فى قضية طابا.
■ طابا كانت جزءاً من اتفاقية السلام، لكن القضية الأخيرة عبارة عن علاقات
تجارية بين شركات ولا علاقة لها بالحكومات.
- التطبيع الاقتصادى أيضاً جزء من الاتفاقية، والدليل على ذلك هو تدخل الحكومة المصرية لأسباب غير مفهومة لضمان تنفيذ الاتفاقية الموقعة بين الشركة المصرية القابضة للغاز وشركة كهرباء إسرائيل عن طريق وسيط، وهو شركة الشرق الأوسط التى يملكها رجل الأعمال المصرى حسين سالم، ولو لم تكن هناك اتفاقية سلام ما تمت الموافقة على تصدير الغاز المصرى إلى إسرائيل، ولم ينتبه المسؤولون المصريون للكمين الإسرائيلى، وذهبوا لتقديم استئناف فى المحكمة السويسرية التى رفضت الاستئناف المصرى وحكمت لإسرائيل، وقد حذرت من الذهاب لتلك المحكمة أصلاً لأنه طبقاً للاتفاقية الموقعة مع شركة الكهرباء الإسرائيلية هناك التزام باللجوء للمحكمة المعنية بتلك النزاعات فى القاهرة وليست المحكمة السويسرية، وتقديمنا للاستئناف يتضمن اعترافاً ضمنياً بشرعية المحكمة لذلك يجب علينا أنه نفصل بين تعويض مصر عن البترول الذى استولت عليه إسرائيل وبين الاتفاقية لأن حقوق الشعوب لا تسقط بالتقادم وفقاً لقرارات الأمم المتحدة والقوانين والأعراف الدولية.
■ لو حدثت مفاوضات مصرية إسرائيلية كيف تحصل مصر على حقوقها؟
- إذا توافرت الإرادة السياسية والمفاوض المتمرس الذى يستطيع أن يستفيد من الموقف القانونى القوى لمصر وأيضاً الظروف المواتية من حيث رغبة شركات البترول العالمية من الاستفادة من استثماراتها الكبيرة فى مصنعى الإسالة فى إدكو ودمياط، والتى توقفت عن العمل بسبب عدم توافر غاز مصرى يمكن إسالته وتصديره، لذلك أصبح تشغيل مصنعى الإسالة فى إدكو ودمياط ضرورة ملحة لشركات البترول العالمية إذا وافقت مصر على استيراد الغاز من حقلى أفروديت وليفياثان. نقلاً عن المصري اليوم.